تعديل

الجمعة، 22 أبريل 2016

من فقه القرآن : المعراج والصلاة

من فقه القرآن

المعراج والصلاة

الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي

إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com


قال الله تعالى : ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) سورة النجم آية 10

فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية :

المسألة الأولى : هذه الآية الكريمة جاءت في أوائل سورة النجم في الآيات التي تخبر عن معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى في رحلة الإسراء والمعراج .

المسألة الثانية : وقد أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أمورا عديدة منها أنه فرض عليه الصلاة في معراجه أليه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فأوحى الله إلى ما أوحى ، وفرض علي في كل يوم وليلية خمسين صلاة )

المسألة الثالثة : وفرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته معه ومن بعده في ليلة المعراج ، بيان لأهميتها وأنها أوكد شعائر الإسلام ، فهي الفريضة الوحيدة التي فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم من غير وساطة الوحي جبريل عليه السلام

المسألة الرابعة : والقارئ والدارس لمعجزة الإسراء والمعراج كما وردت في مصادرها الصحيحة من كتب السنة الشريفة والحديث الشريف ، يجد أن الصلاة احتلت مساحة واسعة ، وكانت حاضرة بشكل فاعل في إسرائه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، وفي معراجه ألى السموات العلى من المسجد الأقصى المبارك .

المسألة الخامسة : أما في المعراج فقد روى أنس قال : " فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين ، ثم نقصت حتى جعلت خمسا ، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ، وأن لك بهذه الخمس خمسين ) وفي الحديث الطويل الذي يرويه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم ذهبت إلى سدرة المنتهى ، فإذا أوراقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمارها كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها ، فما يستطيع أحد من خلق الله أن يصفها من حسنها ، قال : فأوحى الله إلي ما أوحى وقد فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فأن أمتك لا تطيق ذلك ، وإني قد بلوت بني اسرائيل وخبرتهم .. وظل النبي صلى الله الله عليه وسلم يرجع بين ربه عز وجل وبين موسى ويحط عنه خمسا خمسا حتى قال : يا محمد هنّ خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة .. "

المسألة السادسة : وإذا كان المعراج وثّق صلة النبي صلى الله عليه وسلم بالله تعالى أكثر من ذي قبل ، حيث وصل إلى سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قوب قوسين وأدنى ، فإن الصلاة تؤكد قرب العبد من ربه وقربه منه عز وجل ، فإذا نوى المسلم وكبّر تكبيرة الإحرام وقال : الله أكبر ، ودخل في صلاته كان ذلك منه عروجا إلى ربه عز وجل ، وصلة منه به سبحانه ، منقطعا عن عالم الدنيا بما فيه شهوات وفتن ومغريات ومضّلات ، وإذا أردت التمثيل لهذه المسألة فإني أشبهها بالهاتف المحمول ( البلفون ) فالواحد منا يضغط على أزرار الهاتف المحمول وفي لحظات يتكلم مع غيره من البشر ولو كان في أقصى الأرض ، وهكذا الصلاة ، فهي مناجاة وكلام من العبد مع الله تعالى ، فهي تسبيح وحمد وثناء واستغفار وشكر وذكر

المسألة السابعة : والمعراج له ثلاث منازل وهي :

من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى

ومن المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى

ومن سدرة المنتهى إلى قاب قوسين وأدنى

فأن الصلاة هي معراج العبد المسلم إلى الله تعالى بثلاث منازل أيضا وهي : القيام ، والركوع ، والسجود . والسجود هو أقرب منازل المسلم من ربه تعالى ، فإذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم برتبته ومنزلته إلى قاب قوسين وأدنى ، فإن العبد المسلم بصلاته أثناء سجوده يصل إلى أقرب مقام من ربه ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ولهذا القرب فقد حثّ النبي عليه الصلاة والسلام المسلم أن يستغل سجوده وهو قريب من ربه بالدعاء وقال ( فاجتهدوا بالدعاء ـ يعني في السجود ـ فقمنى ـ حري ـ أن يستجاب لكم ) ، فلحظات السجود هي لحظات الاتصال مع الله تعالى من غير وساطة أو ترجمان

المسـألة الثامنة : وإذا كان الإسراء والمعراج تسلية وتسرية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من أذى واضطهاد من الكفار والمشركين ، فإن الصلاة أيضا هي تسلية وتسرية للمسلم عما يلاقيه من عناء الدنيا وهمّها ونكدها ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) فالصلاة هي موطن راحة البال ، وموطن سكن النفس وطمأنينتها ، وهي سبب لسكون الأعصاب وهدوئها ، فلا عجب إذن حين نسمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول ( وجعلت قرة عين في الصلاة )

فالصلاة هي إسراء المسلم إلى ربه ، وهي معراجه إليه عز وجل

المسألة التاسعة : ومصور الصلاة بشكل واسع ، وفاعل ومؤثر في إسراء النبي ومعراجه ، يؤكد ما ذكرته من معان ودلالات ، فصلاة الفريضة ، وصلاة النافلة ، وصلاة الجماعة ، وشعائر الصلاة من اذان وإقامة وإمامة وما يترتب على ترك الصلاة والتشاغل عن بعضها من عقوبة ، كل ذلك كان حاجزا في رحلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وفي معراجه أيضا .

المسألة العاشرة : أما صلاة الفريضة فقد ذكرت الحديث الوارد في فريضتها مباشرة دون وحي ، والمسلمون يجمعون على أن الصلاة هي الركن الثاني بعد الشهادتين ، وهي عمود الإسلام ، وهي فريضة محكمة ، على كل مسلم ، بالغ عاقل أن يؤديها ، ويكفر تاركها جحودا وتكاسلا على الصحيح من قول إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه فالتفريط فيه تفريط في الدين ، وقد كان عمر بن الخطاب يقول : لا إيمان لمن لا صلاة له ، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي جاء من بني سليم بعد أن أسلم قال له : ( الحمد لله الذي هداك لهذا الدين الذي يعلو ولا يعلى ، لا يقبله الله إلا بالصلاة ) وقد أجمعت الأمة على فريضة الصلاة ، وأن المسلم يؤديها على الوجه الذي يستطيع به أداءها ، وإذا فقدت وضاعت ضاع الدين كله .

المسألة الحادية عشرة : وفي معراجه صلى الله عليه وسلم رأى عقوبة الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها ، فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ، لا يضّر عنهم من ذلك شيء ، فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال جبريل : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة وقد توعد الله بالعذاب في واد في جهنم اسمه ( ويل ) لمن أخرّ الصلاة حتى يخرج وقتها فقال سبحانه ( ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وتوعد بالعذاب في واد ( غيّ) في جهنم لمن ترك الصلاة بالكلية فقال : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .

المسألة الثانية عشرة : وأما صلاة النافلة في رحلة الإسراء ، فصلاها جبريل عليه السلام ، وصلاة النبي محمد ، وموسى وعيسى وإبراهيم والأنبياء كلهم ، عليهم الصلوات والتسليمات وقد ورد ذلك في عديد من الروايات منها : رواية البيهقي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( .. حتى أتيت بيت المقدس أنا وجبريل فصلى كل واحد منا ركعتين ) وفي رواية مسلم ( ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ) وفي رواية لمسلم أيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مررت ليلة أسري بي بموسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ) وفي رواية أخرى لمسلم ( .. وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي ) ( وإذا إبراهيم قائم يصلي )

المسألة الثالثة عشرة : وأما صلاة الجماعة والأذان والإقامة والإمامة ، ففي رواية ابن مسعود رضي الله عنه

قال النبي : ( ثم دخلت المسجد ـ أي المسجد الأقصى ـ فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ، ثم أذن مؤذن ، فأقيمت الصلاة ، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فصليت بهم ) وفي رواية أبي أمامة عند الطبراني ( ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية مسلم ( فحانت الصلاة فأممتهم )

المسألة الرابعة عشرة : ومن خلال الروايات السابقة نرى حضور الصلاة وأهميتها في رحلة الإسراء والمعراج ، ويمكن أن نخلص إلى مجموعة من الفوائد مما سبق بيانه وذكره وهي :

أولا : أهمية الصلاة وأنها من أهم شعائر الإسلام حيث فرضت مباشرة من غير وحي

ثانيا : وجوب الصلوات الخمس في كل يوم وليلة

ثالثا : مضاعفة أجر الصلوات الخمس إلى أجر خمسين صلاة ، فإذا أضفنا هذه المضاعفة إلى مضاعفتها بخمسمائة صلاة في المسجد الأقصى نرى كم هو كرم الله وعطاؤه ورحمته بالمسلم المصلي

رابعا : تقديم الأتقى والأعلم للإمامة في الصلاة

خامسا : من التقوى ترك الإمامة لمن وجد من هو أحق منه بها

سادسا : ترك الصلاة يوجب العقوبة

سابعا : الصلاة فرض ونافلة


ثامنا : النافلة تصلى فرادى والفريضة تصلى جماعة

تاسعا : الأصل في الجماعة أن تصلى في المسجد

عاشرا : فضيلة شد الرحال إلى المسجد الأقصى وفضل الصلاة فيه

الحادي عشر : النبيون كلهم تبع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يسع اتباعهم إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 



الأحد، 10 أبريل 2016

شكر وتقدير وعرفان للحكومة الاردنية العليا ولمجلس اوقاف القدس والهيئة الاسلامية وللمؤسسات المقدسية

شكر وتقدير وعرفان للحكومة الاردنية العليا ولمجلس اوقاف القدس والهيئة الاسلامية وللمؤسسات المقدسية.




الهيئة الاسلامية العليا ومجلس الأوقاف والمؤسسات المقدسية تندد باعتقال خطيب الاقصى

الهيئة الاسلامية العليا ومجلس الأوقاف والمؤسسات المقدسية تندد باعتقال خطيب الاقصى الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي.


الحكومة الاردنية تستنكر اعتقال خطيب المسجد الاقصى

الحكومة الاردنية تستنكر اعتقال خطيب المسجد الاقصى محمد سليم محمد علي


بيان الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية والمؤسسات المقدسية بالقدس

بيان الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية والمؤسسات المقدسية بالقدس

خطباء الأقصى يقومون بواجبهم
القدس/ إن ما أقدمت عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من اعتقال لفضيلة الأستاذ الشيخ د. محمد سليم محمد علي ( خطيب المسجد الأقصى المبارك) ، والتحقيق معه بعد صلاة الجمعة (8/ 4/ 2016م) لهو أمر خطير غير مسبوق، وهو كمٌّ للأفواه، وتدخل في الشؤون الدينية للمسلمين.
والملاحظ أن سلطات الاحتلال تريد أن تطبق سيطرتها على المسجد الأقصى المبارك من خلال التدخل في إعمار وترميم الأقصى ، ومن خلال التدخل في عمل حراس المسجد، وكذلك السيطرة على الأبواب الخارجية للأقصى، وملاحقة المصلين الذين ينطلقون من المدن والقرى قبل وصولهم إلى الأقصى، وغير ذلك من الممارسات العدوانية والعنصرية المبيتة ضد الأقصى، وضد المصلين في الأقصى، وضد خطباء وأئمة الأقصى....
إزاء ذلك كله، فإن الهيئة الإسلامية العليا، ومجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية والمؤسسات المقدسية إذ تعلن موقفها الايماني الثابت بما يأتي:
1. إن الخطابة في الأقصى لها حرمتها ولها احترامها.
2. نستنكر ما قامت به سلطات الاحتلال من اعتقال لفضيلة الأستاذ الشيخ د. محمد سليم محمد علي- بعد صلاة الجمعة والتحقيق معه بتهمة التحريض. والواضح أن هذه التهمة هي جاهرة ضد كل خطيب؛ لأنه ينتقد الممارسات الاحتلالية العدوانية ضد الأقصى وضد مدينة القدس وأهلها.
3. إننا نقف إلى جانب خطباء الأقصى لأنهم يؤدون واجبهم الديني بكل أمانة وإخلاص.
4. إن الإجراءات الاحتلالية ضد الأقصى لن تكسب اليهود أي حق فيه.
5. إن الممارسات والملاحقات من الاحتلال ضد المصلين المسلمين لن تثني المسلمين عن الصلاة في الأقصى، وسيبقون محافظين للأقصى ومدافعين عنه لأنه يمثل جزءاً من إيمانهم وعقيدتهم وعبادتهم.
" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" سورة الشعراء-الآية 227

القدس في 2 / رجب /1437هـ
وفق: 9 / 4 /2016 م
مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية
المؤسسات المقدسية
الهيئة الإسلامية العليا
القدس




السبت، 9 أبريل 2016

الشرطة الاسرائيلية تفرج عن خطيب المسجد الاقصى بعد احتجازه لعدة ساعات

الشرطة الاسرائيلية تفرج عن خطيب المسجد الاقصى محمد سليم محمد علي بعد احتجازه لعدة ساعات





الجمعة، 1 أبريل 2016

من فقه القرآن : المهلكات والوقاية منها

من فقه القرآن
المهلكات والوقاية منها
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

قال الله تعالى : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) سورة آل عمران 14
فقه الآية الكريمة في المسائل الآتية :
المسألة الأولى: جمعت الآية الكريمة الشهوات التي  تزيّن للإنسان وهي شهوة حب النساء، وشهوة حب الأولاد والذرية وشهوة حب المال.
المسألة الثانية : هذه الشهوات إما إن تكون نعمة على الإنسان المسلم ، إذا أخذها بحقها وتركها بحقها وأدى حق الله وحقوق العباد فيها ، وإما أن تكون هذه الشهوات نقمة ، فتفتن الإنسان في دينه ، فيرتكب المحرمات من خلالها ، وتصده عن طاعة الله بانشغاله بها عن آخرته ، وقد حذر الله المسلمين من هذه الفتنة فقال ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) .
المسألة الثالثة : قوله تعالى ( زين للناس ) تعني : أن الله زين هذه الشهوات للناس ، بخلقها ، وإيجادها ، وتهيئتها للانتفاع بها ، وإنشاء الناس على الميل إليها وحبها ، وأن الشيطان يزين هذه الشهوات للبشر بالوسوسة وأخذها على غير ما أراد الله ، وذلك من غير وجوهها ، كاتخاذ الزنا بدل الزواج ، وسرقة أموال الناس وغصبها بدل العمل المشروع والتجارة المباحة ، والمباهاة والاعتداء على الناس من خلال الأولاد والذريه  وتربيتهم على غير الدين والأخلاق الحميدة بدل تأديبهم بآداب الإسلام وإنشائهم على طاعة الله وحثهم على فعل الخيرات  واحترام القيم الدينية والعمل بها .
المسألة الرابعة: والآية الكريمة التي نبحث فيها هي وعظ لجميع الناس، وتوبيخ لمعاصري النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكل إنسان بعده إن هو لم يتعظ بهذه الآية، بمخالفة الشيطان وهواه في هذه الشهوات.
المسألة الخامسة : وهذه الشهوات ، أعني : النساء والأولاد والأموال ، إما أن تكون طريقا إلى الجنة ، وإما أن تكون طريقا إلى النار ـ والعياذ بالله ـ ففي صحيح مسلم (حفّت الجنة بالمكاره ، وحفّت النار بالشهوات ) . وهذا الحديث الشريف تمثيل لتعريف الناس أن الجنة لا يستحقها الإنسان إلا بالصبر على المكاره ، وأن النار لا ينجو منها أحد إلا بترك الشهوات ، أي : لا يتعامل معها إلا وفق ما شرع الله من أوامر ونواه فيها .
المسألة السادسة: وقد بدأت الآية الكريمة بشهوة ( النساء ) فقالت: ( زين للناس حب الشهوات من النساء ) والسبب في ذلك
أولا: لأن نفوس الرجال أكثر ميلا إليهن من الأولاد والأموال.
ثانيا : لأن فتنة الرجال بهن أعظم ، فهن حبائل الشيطان التي يصطاد بهن قلوب الرجال ، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء )، فالحديث الشريف يبين أن فتنة النساء أشد على الرجال من غيرها من الفتن .
المسألة السابعة : وقد جاء في الآثار : في النساء فتنتان ، وفي الأولاد فتنة واحدة .
فأما الفتنتان اللتان في النساء منهما:
أولا : أن الزوجات يؤدين إلى قطع الأرحام ، وهذا مشاهد في واقعنا الأسري ، حيث تأمر الزوجة زوجها بمقاطعة أمه وأخواته وإخوانه وأقربائه ، والأصل في المرأة المسلمة أن تجمع ولا تفرق ، وأن تحبب ولا تبغّض وتكرّه ، لأن خير الناس عند الله تعالى من كان مفتاح خير ، وشر الناس من كان مفتاح شر .
ثانيا : أن الرجل يضطر إلى جمع الأموال من حلالها وحرامها ، ليرضي المرأة وبخاصة زوجته ، وليحقق لها طلباتها التي قد تكون تافهة وغير ضرورية ..
ونلاحظ أن بعض الزوجات ، تنفق مئات الشواقل لشراء السكاكر وأشباهها وهي في غنى عن هذاالإنفاق الطائل ، وبعضهن تنفق آلاف الشواقل لشراء الكماليات التي وجودها في البيت وعدمها سيّان .
وأما الفتنة التي في الأولاد فهي أن الأب يتلبس بجمع المال من  الحلال والحرام لأجلهم، وهذا عند من ضعف إيمانه، وغابت عن قلبه خشية الله تعالى.
المسألة الثامنة : ومن الفتنة في النساء أيضا الزنا ، والاختلاط بهن بغير حاجة ، أو إذن من الشارع ، ورؤيتهن متبرجات ، مائلات عن الحق ، مميلات لقلوب الرجال إلى الفاحشة والحرام ، والزواج من غير المسلمات ، والعزوف عن نكاح الحرائر المسلمات .. ومن مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النسل ، لذلك جاءت بتشريعات تحرم الزنا والتبرج والسفور ، والاختلاط بغير المحارم ، وأبدلت الرجل والمرأة خيرا من ذلك كله الزواج ، وأباحت تبرج المرأة وإظهار زينتها لزوجها ، ومشرعية اختلاطها بمحارمها وفق الضوابط المشروعة والتي تؤخذ من مظانّها ، ولشدة قباحة فتنة النساء المحرمة ، أعني : الزنا ومقدماته ، فقد أوجبت الشريعة الإسلامية عقوبة الرجم على الزاني المتزوج ( المحصن ) وعقوبة الجلد على الزاني الأعزب
التربية المستفادة
فعلى المسلم والمسلمة الالتزام بالاتي:
أولا : أن تصلح الزوجة من نفسها ، فلا تدعو زوجها إلى قطع رحمه ، بل تحببه إليه  مهما كانت الظروف والأحوال ، وفي نفس الوقت أن يكون الزوج عاقلا ، فلا يستجيب لزوجته بقطع رحمه وإن أسأوا إليه ، فصلة  الرحم الحقيقية هي : أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتحسن إلى من أساء أليك .
ثانيا : أن تقتدي المرأة بمن سبقها من نساء السلف الصالح ، حيث كانت الزوجات المسلمات الأوائل ، قبل أن يخرج زوجها إلى عمله توصيه قائلة : اتق الله ولا تطعمنا إلا حلالا ، وأن يكون الزوج راشدا ، فلا يكسب إلا حلالا ، وأن يفطن إلى  أن ما يجمعه من مال ، مسؤول عنه يوم القيامة ، من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه .
ثالثا: أن تحرص النساء على قطع كل أسباب فتنة الرجل بها، وهي مأجورة على ذلك، وهذا يكون:
(1)            بالتزامها بآداب اللباس الإسلامي للمرأة المسلمة .
(2)            ألا تخالط إلا محارمها، وأما غير محارمها فعند الحاجة، ووفق أحكام الشريعة.
رابعا : أن تتصف المرأة بالرشد في النفقة ، فلا تحرم نفسها مما أباح الله لها من الطعام والشراب وغيرهما : ولكن من غير إسراف ولا بذخ ، وأن ترتقي بنفسها كإنسانة عن غيرها من المخلوقات الحية ، فالمخلوقات الحية بما فيها الإنسان تأكل وتشرب وتتغوط وتنام ، ولكن الإنسان علاوة على ذلك ، فقد وهبه الله عقلا ، ليكون  سببا  في تكليفه بعبادة ربه ، فهو مخلوق للعبادة وليس للأكل والشرب والشهوات كما قال الله عز وجل ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ..
رابعاً : أن تحسن الزوجة إلى قريبات زوجها وأقاربه وبخاصة أم زوجها وأخواته ، وأن تحسن أم الزوج إلى كنتها ( زوجة ابنها ) ، بأن تتقبل أن ابنها صار مستقلا عنها بزوجته ولأولاده ، فلا تتدخل في شؤونهم إلا ضمن قاعدة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ..

المسألة التاسعة : قوله تعالى ( والبنين ) وعظ للناس من الافتتان بالولد والذرية وفي الحديث الذي رواه أحمد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الأولاد بقوله ( إنهم لثمرة القلوب وقرة الأعين وإنهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة ) ..
فالولد لأجله يبخل الأب ويجبن، ولأجله يحزن إذا أصابه مكروه أو أذى
خامساً : ألا يطغى حب الولد على طاعة الله ، فيشغله الابن عن طاعة ربه ، وعن الكسب الحلال لأجله .
سادساً: ألا يجعل الاب حب أولاده بخيلا، فإذا وهبه الله مالا كثيرا، أو زائدا عن حاجته، حرص ألا ينفق منه شيئا ليبقى لأولاده في حياته وبعد مماته، ويترك من حوله من أقاربه الفقراء، فلا يعطيهم ولا يبرهم من خلال هذا المال.
سابعاً : ألا يكون حب الأولاد سببا في الجبن والخوف ، والتقاعس عن أداء واجب الدعوة إلى الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ثامناً : ألا يترك القوامة ( المسؤولية ) عن أولاده ، ويعتذر بعجزه عن المسؤولية عنهم ، كما نرى اليوم من انفلات بعض الأولاد خلقيا وسلوكيا ، وترك الأب الحبل على غاربه ، دون الاخذ بزمام الأمور ،فهذا يؤدي إلى إفساد المجتمع الفلسطيني ، ونشر الفوضى والاضطراب فيه ...
المسألة العاشرة : والشهوة الثالثة التي على الإنسان الحذر من الافتتان بها هي شهوة الأموال وقد أشارت إليها الآية بقولها ( القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ) وقد أشارت الآية الكريمة إلى جميع أنواع الأموال التي يحبها الإنسان ويحرص على جمعها ..
المسألة الحادية عشرة : قوله تعالى ( ذلك متاع الحياة الدنيا ) هي قاعدة واقية للإنسان من اتباع الشيطان في تلك الشهوات ، فهي تبين أن كل ما ذكر من الشهوات الثلاثة ، النساء والأولاد والأموال ، إنما هو متاع في الحياة الدنيا ، ولا يأخذه معه الإنسان إلى آخرته ، بل يأخذ معه آثارها من خير أو شر ، وفي هذا تزهيد للإنسان في الدنيا وشهواتها ، وترغيب له في الآخرة ونعيمها ..فأجر الله هو الباقي الذي على العاقل أن يحرص عليه ولذلك ختم الله تعالى الآية بقوله ( والله عنده حسن المآب ) .. فحسن المرجع يكون إلى الله تعالى في الآخرة

" اللهم ارزقنا حسن المآب "


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More