تعديل

الاثنين، 2 أبريل 2018

من فقه القرآن : إن الله معنا


إن الله معنا
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
قال الله تعالى:" ِإلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)التوبة
فقه الآية الكريمة  وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: اشتملت هذه الآية الكريمة على عشرة أخبار منها ستة أخبار تتضمن بشارات ربانية لكل مسلم حقق الإيمان في حياته واقعا وسلوكا.
المسألة الثانية:  أمّا الأخبار فهي:                 
أولا : نصر الله للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة  ،وهذا النصر هو أكبر الانتصارات التي نصر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم على الكفار لأن نصره بالهجرة إلى المدينة المنورة أخرج الإسلام من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين في الأرض ، فأمكن الإسلام بالهجرة قبضته على ناصية الدنيا بهذا النور والهدى الذي وعد الله أن يتمّه على المسلمين ما دامت السماوات والأرض.
ثانيا: إخراج الكفار النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت" ، وإخراج الكفار المسلمين من بلادهم ونفيهم في الأرض  هي عادتهم القبيحة الدالة على الحقد على الإسلام ومحاولة إطفاء نوره بالقضاء عليه ، وهذه العادة القبيحة التي تشمل التآمر على الإسلام والمسلمين بالقتل والسجن والنفي والإبعاد حاول الكفار ممارستها على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وهم يعملون بها في زماننا كما نعيش ونرى الأحداث المتسارعة في بلاد الشام والعراق وبورما وغيرها من بلاد المسلمين وكل مكان على ظهر هذه الكوكب الأرضي.
ثالثا: الخبر الثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهاجر وحده بل كان  خير الناس بعده في الأرض معه وهو سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وهذا دليل على فضله وسبقه في الإسلام ومنزلته عند الله تعالى.
رابعا: أن النبي صلى الله عليه وسلم توارى عن أنظار الكفار الذي لحقوا به في الغار ، وفي هذا تعليم وإرشاد وتربية لكل مسلم أن يأخذ بالأسباب مع يقينه أن الله تعالى معه ، فالأخذ بالأسباب لا ينافي هذا اليقين ولا يدعو إلى التواكل ، وهو سنّة غفل عنها المسلمون في هذا الزمان وهم  يتعرضون للأذى والظلم من الكافرين.
خامسا:  جزء من الحوار الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر الصديق وهما في الغار حيث يطمئن النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن الله معهم ، وهنا لا بد من وقوف وقفات وهي:
الوقفة الأولى: بيان حرص أبي بكر رضي الله عنه على سلامة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على حبه للنبي  ولإسلام وخوفه عليهما ، وليس خوفه على نفسه ، وهذا قمة الإيمان وعلو درجة الصحبة الصادقة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم.
الوقفة الثانية: اليقين التام بنصر الله ومعيّته للمؤمنين في أشد اللحظات كربا وخطرا ، وهذا اليقين شمل النبي وصاحبه أبي بكر ، وقول النبي لأبي بكر "إن الله معنا" من قبيل التذكير له ليس إلا.
 الوقفة الثالثة :أن أبا بكر رضي الله عنه كان  يخاف على الإسلام أن يقضى عليه بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يخشى على نفسه ولهذا قال له النبي " لا تحزن".
سادسا: أنزال الله سكينته على  النبي وصاحبه رضي الله عنه والسكينة هدوء النفس وعدم اضطرابها مهما كانت الأحداث حولها مخيفة ، وهذه من معيّة الله للمؤمنين.
سابعا: التأييد بجنود من عند الله لهما أثناء الهجرة وجنود الله كثيرة لا يعلمها إلا الله وقد يكون ما نراه ضعيفا من أقوى الجنود الربانية كالعنكبوت ، وفي هذا تربية للمسلمين أن يحققوا في واقعهم الإيمان الكامل لتكون جنود الله معهم تنصرهم وتؤيدهم فكل ما هو مخلوق من جنود الله ، وتأييد الله للمؤمنين بجنوده هو من معيّته لهؤلاء المؤمنين.
ثامنا :  ومن معيّة الله  للمؤمنين  إضافة إلى ما سبق ذكره جعله عز وجل كلمة الكفار هي السفلى..
 تاسعا: ومن هذا المعيّة جعله سبحانه كلمة المؤمنين هي العليا  وذلك بنصرهم والتمكين لهم في الأرض.
عاشرا: وهذا هو الخبر الأخير في الآية الكريمة وهو الذي أدى إلى هذه المعيّة للنبي صلى الله عليه وسلم ولصاحبه وللمؤمنين بعدهم وهي أن الله عزيز لا يغلب حكيم في تدبير أمور المؤمنين فقد يظن المسلم أن هذا الأمر فيه هلاكه وهو غير ذلك بل فيه نصره وعزّه .
المسألة الثالثة:  بينت الآية الكريم أن الله  مع المؤمنين  وأن هذه المعيّة متحققة لكل مؤمن بشروط وهي: الشرط الأول: نصر المؤمن لربه وهذا كقوله سبحانه ": إن تنصروا الله ينصركم " ، ونصرة الله تعالى تكون باتباع دينه حق الاتباع. والشرط الثاني:موالاة المؤمنين بعضهم بعضه بعضا كما كان من موالاة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم .
المسألة الرابعة: معيّة الله للمؤمنين تعني السعادة التامة لهم بالسكينة والأمن والغلبة على الأعداء والتمكين في الأرض، وهي أرجى وأفضل مطلوب وأنبل غاية يبحث عنه العاقل الذي هذا الله لهذا الدين القويم ، ولا تكون هذه المعيّة إلا بالهجرة الحقيقية إلى الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More