تعديل

الأربعاء، 21 يونيو 2017

من فقه القرآن... ليلة القدر

ليلة القدر
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
WWW.ALGANTAN.COM
 
قوله تعالى:" إنا أنزلناه في ليلة القدر"... إلى قوله تعالى" سلام هي حتى مطلع الفجر" "   سورة القدر
فقه هذه السورة الكريمة في المسائل الآتية:
المسألة الأولى:قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر"...للقرآن الكريم ثلاثة تنزيلات وهي: الأول: إلى اللوح المحفوظ، والثاني : إلى السماء الدنيا جملة واحدة وهو المقصود بقوله تعالى"إنا أنزلناه في ليلة القدر،  والثالث:نزوله مفرقا"نجوما"على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة كما قال سبحانه وتعالى"وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا".
المسألة الثانية:ليلة القدر تعني:ليلة الحكم التي يقضي فيها ربنا عز وجل قضاء السنة كلها وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ، قال:نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه.
المسألة الثالثة: قال الحسن في شأن ليلة القدر :"فيها يفرق كل أمر حكيم " : فيها يقضي الله كل أجل وعمل ورزق إلى مثلها .
المسألة الرابعة:وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على تلقي القرآن وقد ذكر الله تعالى لنا حرصه في سورة القيامة فقال سبحانه:"لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فإتبع قرآنه" ، وكان صلى الله عليه وسلم أول الحفاظ للقرآن الكريم ، وجاء من بعده أصحابه فكانوا يحفظون الآيات الخمس أو العشر فلا يتجاوزونها حتى يعملوا بما جاء فيها ، ولهذا روى أن عمر رضي الله عنه حفظ القرآن في اثنتي عشرة سنة ، وأن ابنه عبد الله حفظه في ثماني سنين ، وكان الصحابة يتدارسون القرآن فيما بينهم ويحفظونه أولادهم وزوجاتهم،  فليت المسلمين في هذا الزمان يأخذون بهذا المنهج ويتبعونه كي تصلح أحوالهم بدل تبذير أوقاتهم في ما لا ينفع ولا يجدي شيئا.
 المسألة الخامسة:قوله تعالى"ليلة القدر خير من ألف شهر" ،اختلف المفسرون في معناها على أقوال,قال القرطبي "وأشبه الأقوال بظاهر التنزيل قول من قال:عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر"...
المسألة السادسة :قوله تعالى"تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" الصواب من أقوال المفسرين في معنى الآية الكريمة:أن الملائكة في هذه الليلة تتنزل وجبريل معهم وهو "الروح"بإذن ربهم من كل أمر قضاه الله في تلك السنة من رزق وأجل وغير ذلك؟؟؟
المسألة السابعة:قوله تعالى"سلام هي حتى مطلع الفجر" أي :أن ليلة  القدر سلام من الشر كله من أولها إلى طلوع الفجر من ليلتها .
 المسألة الثامنة: وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء حسبهن فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة ".رواه الإمام احمد
 المسألة التاسعة : لله تعالى العظمة والكبرياء دل على ذلك قوله تعالى "أنزلناه "بصيغة الجمع والمنزل هو الله عز وحل ومن عادة العرب أيضا أن تؤكد فعل الواحد فتجعله بلفظ الجمع.
 المسألة العاشرة :ومن الأمور التي يغفل عنها المسلمون اليوم أن التشاجر بينهم والأحقاد والضغائن سبب في رفع الخير والبركة عنهم,فقد روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحي رجلان من المسلمين فقال :"خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحي فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خير لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة".
 المسألة الحادية عشرة: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحيي العشر الأواخر من رمضان ، وهذه هي سنّته التي علينا أن نحرص عليها فعن عائشة رضي الله عنها قالت :كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شدّ مئزره ، وأحيا ليلة ،  وأيقظ أهله"، ويستفاد من قول عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم وأسرته كانوا يقومون الليالي العشر من رمضان فعلى رب الأسرة أن يكون قدوة لهم فيشد مئزره أي لا ينشغل بالدنيا ومتاعها من النساء وغيرهن ،ويجتهد في العبادة.
المسألة الثانية عشرة:  :وليلة القدر من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا أحد القولين الراجحين في المسألة.
 المسألة الثالثة عشرة:وإذا عرفنا ما تقدم ذكره عن ليلة القدر وفضلها وجب على المسلمين ما يلي: أولا : الإقبال على هذه الليلة بالإحياء ويشمل الإحياء كل عمل صالح من صلاة وتلاوة للقرآن ومدارسة العلم النافع وذكر الله تعالى ولو أن مثلا رجل له أب أو أم يحتاج إلى رعاية دائمة فالسهر معهما برعايتهما هو إحياء لليلة القدر بشرط استصحاب النية الصالحة لذلك العمل،  وأقول هذا الكلام لمن يرى أن يحي ليلة القدر في المسجد ويترك أحد والديه وهما بحاجة ماسة إلى رعايته، وعلى كل حال هذا مثال على العمل الصالح والأعمال الصالحة كثيرة. ثانيا:وعلى المسلمين أن ينتهوا عن المنكرات والمعاصي التي يحدثونها في العشر الأواخر من رمضان وبخاصة في ليلة القدر وبخاصة في المسجد الأقصى المبارك ومن هذه المنكرات دخول المسجد لغير غرض العبادة ولأهداف دنيوية لا ترضي الله تعالى وكذلك المفرقعات وإضاعة الوقت في القيل والقال والغيبة والنميمة وغير ذلك فإنه بضاعة كاسدة للرجل الفارغ الذي لا يحترم قيمته كإنسان مخلوق لعبادة الله تعالى ، ثالثا:ليحرص كل مسلم على الدعاء في ليلة القدر بالخير له وللمسلمين ، وأسال اخواني المسلمين أن لا ينسوني بدعوة في ظهر الغيب فأنا فقير جدا إلى دعوة من رجل أو امرأة صالحة أنجو بها من عذاب ربي يوم القيامة ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة أن تدعوا  قائلة:"اللهم انك عفو تحب العف فاعف عني
وهذا دعاء عظيم النفع لأن عفو الله تعالى سبب سعادة المرء في الدنيا والآخرة ، فيا رب انك عفو تحب العفو فاعف عني وعن المسلمين، والحمد لله رب العالمين




الجمعة، 9 يونيو 2017

من فقه القرآن : التقوى وشهر رمضان

من فقه القرآن
«التقوى وشهر رمضان»
الدكتور الشيخ محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com

قال الله تعالى (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون اياما معدودات) سورة البقرة 182 . فقه الاية الكريمة وفوائدها في المسائل الاتية:

المسألة الاولى : النداء في قوله تعالى «يا ايها الذين آمنوا » كل مسلم يشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله، وان كان الايمان اعلى مرتبة من الاسلام، الا انه عند اطلاق لفظ الايمان فانه يدخل فيه الاسلام .

المسألة الثانية : والنداء هنا: اخبار بأن الله عز وجل كما كتب على كل مكلف من القصاص والوصية في الايات السابقة، فانه سبحانه كتب على كل مكلف الصيام، واوجبه عليه، والزمه به.

المسألة الثالثة : ولا خلاف بين العلماء في وجوب الصوم، على كل مسلم مكلف صحيح مقيم، فهو ركن ثابت من اركان الدين، وفريضة تثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية والاجماع، ومن السنة النبوية، رواه البخاري ومسلم في صحيحهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بني الاسلام على خمس: شهادة ان لا اله الا الله، وان محمدا رسول الله، واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج).

المسألة الرابعة : وللفظ الصوم عدة معان في لغة العرب، منها: ان الصوم الامساك، وانه ترك التنقل من حال الى حال، ويقال للصمت صوم، لانه امساك عن الكلام، والصوم: ركود الريح وهو امساكها عن الهبوب، وصوم النهار: اعتداله وهذه المعاني اللغوية للصوم، يجب ان تتحقق في صيام الصائم، ليتم صومه، ويقبل، وليكون على الوجه المشروع، وبيان هذا في النقاط الاتية:

اولا: الصوم لغة الامساك، وفي الشرع فان الصوم يوجب على المسلم الصائم الامساك عن المفطرات الثلاثة: الاكل والشرب والجماع.

ثانيا: والصوم لغة: ترك التنقل من حال الى حال، والمسلم الصائم يغير كثيرا من عادته فيتركها، فيترك الطعام والشراب خلال النهار.

ثالثا: ويوصف امساك الريح عن الهبوب بالصوم، ولا يكمل صوم المسلم حتى يمسك عن كل هبوب فيه معصية، وذلك باجتناب المحظورات وعدم الوقوع في المحرمات، ويؤكد هذا المعنى، قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري وغيره وهو: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه).

رابعا: والصوم لغة: الامساك عن الكلام، والاعتدال ولا يتم صيام المسلم حتى يعتدل في اقواله وافعاله، فيجريها على وقف السنة النبوية، وحتى يمسك عن كل محرم، بلسانه او بباقي جوارحه واعضائه.

خامسا - ولما كان الصبر هو اعظم مقصود من الصيام، فاننا نرى اجتماع المعاني اللغوية للصبر على الامساك والاعتدال والركود، وكلها توجب على المسلم الصائم ان يكون اثناء صومه كذلك، اي: راكدا، معتدلا، ممسكا، وكلها معان تجمع الصبر بانواعه الثلاثة: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على المقدورات، اي الابتلاءات، واضافة الى حبس النفس عند الغضب.

المسألة الخامسة : - ولما كان الصيام ركنا من اركان الاسلام، ويحمل كل تلك المعاني السابقة، فقد كان فضله عظيما، وثوابه جسيما، كما اخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - في عديد الاخبار، منها الحديث القدسي: قول الله تبارك وتعالى كل عمل ابن ادم له الا الصوم فانه لي، وانا اجزي به المسالة

المسألة السادسة : قوله تعالى كما كتب دل على ان الصيام كان مفروضا على الامم السابقة كاليهود والنصارى.

المسألة السابعة : قوله تعالى (لعلكم تتقون) فيها عدة معان وهي:

الاول: لعلكم تضعفون، فان عادة المسلم في شهر رمضان، ان يقلل من الطعام، وتقليل الطعام يضعف الشهوة، واذا ضعفت الشهوة قلت المعاصي. وارى ان هذا المعنى المجازي للتقوى مقبول ومعقول، وان على المسلمين اليوم التنبه اليه في شهر رمضان، لانهم لا يحققون هذا المعنى، فهم يكثرون من الطعام والشراب ويسرفون فيهما، وبخاصة عند الفطور في المساء، ولذلك لا نرى تحقق التقوى بهذا المعنى عند بعضهم، فكثرة اكلهم عند الافطار، يثير شهوة الغضب وغيرها عندهم! والاصل في المسلمين في شهر رمضان، ان يتركوا التبذير والاسراف وملىء البطون، فان البطن شر وعاء اذا ملأه الانسان، فتر عن العبادة، وكسل عن العمل، وجرى الشيطان في دمه بالشهوات.

الثاني: لعلكم تتقون، اي: تتقون المعاصي وهذا معنى عام، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري ومسلم: الصيام جنة ووجاء، لانه يميت الشهوات، فاذا ماتت الشهوات او ضعفت، تحققت التقوى. والمعنيان مرادان ومقبولان.

المسألة الثامنة : قوله تعالى: اياما معدودات المقصود بها ايام شهر رمضان المبارك، فهي التي فرض الله صيامها على امة محمد صلى الله عليه وسلم. واذا علم المسلم ان فرض الصوم هو فقط اياما معدودات، فانه يحرص على استغلالها في كل طاعة وخير، ويحذر على اجتناب كل شر ومعصية فيها، لانه يعلم ان هذه الايام تذهب وتزول، وان ما عمل وقال فيها، لا يذهب ولا يزول، بل هو مسجل في ميزان اعماله، ويوم القيامة تحصى عليه.

وعلى هذا ايضا، فان المسلم لو عاش ستين سنة، فان فرض الصوم عليه يكون منذ بلوغه، اي في الخامسة عشرة من عمره، وبهذا يصوم خمسة وثلاثين شهرا، اي انه يصوم في حياته كلها الفا وخمسين يوما، وهي ايام قلائل بالنسبة لعدد ايام حياته! فلماذا لا يستغل المسلم الايام القليلة في حياته، ليغيرها رأسا على عقب، على نحو يرضي الله تعالى، ويرضي رسوله صلى الله عليه وسلم، ويرضى عنه عباده المسلمين ويكون بذلك قد حقق «التقوى » من فريضة الصيام.



من فقه القرآن : لحوم العلماء مسمومة وغير مسمومة

من فقه القرآن
 لحوم العلماء مسمومة وغير مسمومة
 الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
 إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
 الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
  www.algantan.com
 

 قال الله تعالى :"مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ" (79)

 فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:

 المسألة الأولى : قوله تعالى " ما كان لبشر ..." معناه: أن الله تعالى لا يصطفي من هو كاذب ليكون نبيا ، ولو كذب على الله لسلبه الله عزّ وجلّ النبوة وعلاماتها الدالة عليها المؤيدة والمظهرة لها،فالنبي الذي ينزل الله عليه الكتاب ، ويفقهه في الدين ويعلمه أسرار الشريعة لا يقول للناس اعبدوني من دون الله تعالى بل يطلب منهم عبادة الله وحده لا شريك له ، فإفراد الله بالعبودية هو التوحيد المبعوث به الرسل والأنبياء ، وضده الشرك الذي ينافي الإخلاص والذي بعث الأنبياء والرسل لقمعه ومحوه وإزالته...


المسألة الثانية:  وبناء على ما سبق فإن العلماء الربانيين الذين  حمّلوا أمانة الدعوة إلى دين الله عزّ وجلّ لا ينبغي لهم عدة أمور أهمها : أولا : أن لا يعرفوا بالكذب بين الناس فهذا خلق ذميم لا يليق بأي إنسان فكيف يتصف به عالم من علماء الشريعة ، والذي من خلاله يريد الحصول على أغراض دنيوية هي في النهاية زائلة والحساب عليها باق عند الله تعالى يوم القيامة ، ثانيا: على علماء الشريعة وهم يجمعون الأتباع حولهم لنصرة الدين أن لا يجعلوا هؤلاء الأتباع يغلون بهم ، فلا عالم إلا هم ، ولا صالح إلا غيرهم ، فهذه مغالاة تشبه مغالاة أهل الكتاب والتي جعلتهم مذمومين في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى مسلم وغيره حديثا قدسيا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري، تركته وشركه»وفي رواية: «فأنا منه بريء، هو للذي عمله» .وروى أحمد عنه صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جمع الله الناس يوم القيامة نادى مناد: من أشرك في عمل عمله لله أحدا، فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك»، فإذا سبّح أتباع هذا العالم بحمده ورفعوا منزلته في غير حق ، فظن الدهماء وعامة الناس أنه القدوة ولا غيره قدوة ، فتلك مصيبة لأنها تغرير بالناس أن يقتدوا بمن ليس قدوة ...


المسألة الثالثة: قوله تعالى :" ولكن كونوا ربانيين "،جاء في تفسير القرطبي:" الرباني مَنْسُوبٌ إِلَى الرَّبِّ. وَالرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ، وَكَأَنَّهُ يَقْتَدِي بِالرَّبِّ سُبْحَانَهُ فِي تَيْسِيرِ  الْأُمُورِ، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. والرَّبَّانِيُّونَ أَرْبَابُ الْعِلْمِ، وَاحِدُهُمْ رَبَّانُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: رَبَّهُ يَرُبُّهُ فَهُوَ رَبَّانُ إِذَا دَبَّرَهُ وَأَصْلَحَهُ، فَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا يُدَبِّرُونَ أُمُورَ النَّاسِ وَيُصْلِحُونَهَا. فَمَعْنَى الرَّبَّانِيِّ الْعَالِمُ بِدِينِ الرَّبِّ الَّذِي يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ فَلَيْسَ بِعَالِمٍ. وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ: الرَّبَّانِيُّ هُوَ الْعَالِمُ الْحَكِيمُ. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ" وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ" قَالَ: حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ. ابْنُ جُبَيْرٍ: حُكَمَاءُ أَتْقِيَاءُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ حِفْظَ الْقُرْآنِ جَهْدَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:" وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرَّبَّانِيُّونَ فَوْقَ الْأَحْبَارِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّ الْأَحْبَارَ هُمُ الْعُلَمَاءُ. وَالرَّبَّانِيُّ الَّذِي يَجْمَعُ إِلَى الْعِلْمِ الْبَصَرَ بِالسِّيَاسَةِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: رَبَّ أَمْرَ النَّاسِ يَرُبُّهُ إِذَا أَصْلَحَهُ وَقَامَ بِهِ، فَهُوَ رَابٌّ وَرَبَّانِيٌّ عَلَى التَّكْثِيرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ عَالِمًا يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّ الْعَالِمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، الْعَارِفُ بِأَنْبَاءِ الْأُمَّةِ وَمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. وَقَالَ محمد بن الحنفية يوم مات أبن عَبَّاسٍ: الْيَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. " انتهى .



المسألة الرابعة: ويستفاد من المعاني السابقة للرباني فوائد أهمها: أولا: أن العالم المسلم ينبغي أن يكون عالما عاملا أي قدوة في سلوكه في أقواله وفي أفعاله ، وهذه الصفة عزيزة في علماء الأمة في هذا الزمان ،فالقدوة مفقودة ولو كانت موجودة لتغير خال المسلمين لأن التربية بالقدوة أهم وأنجع الأساليب التبوية ، وقد امتدح الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة فقال :" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" ، ثانيا :العالم المسلم يعرف الحلال والحرام ، وعليه أن  يجتنب الحرام ولا يقربه قبل أن ينهى عنه الناس ، ثالثا: العالم المسلم ينبغي أن يكون عالما  عراف خبيرا بأحوال المسلمين في منطقته وفي كل مكان من العالم وأن يهتم بهذه الأحوال وينصرها ، رابعا: العالم المسلم لا يحفظ المتون فقط ولا يكون ذلق اللسان وقلبه فارغ من خشية الله تعالى وجوارحه مبسوطة في معصيته ،بل يكون ربانيا فالصغيرة منه كبيرة ، والإصرار على الصغائر منه لا أقول كبيرة بل أقول جريمة ، والكبيرة منه تخرجه من قائمة العلماء فأي علم في الرأس ولا واقع له لا قيمة له وشنار على صاحبه ، خامسا: حفظ القرآن عن ظهر قلب  لا تجعل العالم عالما حتى يعمل به ،قال الله تعالى :" الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته" أي : يتبعونه حق اتباعه"، فلا خير في رأس يحفظ كتاب الله وقلب فارغ من التدبر والعمل بأحكامه،سادسا: ينبغي للعالم المسلم أن يكون حكيما ومن الحكمة أن يسع الناس جميعا ، وليس من أخلاق العالم الحقد والأنانية وحب الذات  وحب الظهور والدسائس فكلها منافية للحكمة....


المسألة الخامسة : وبناء على ما سبق فإننا نسمع من بعض العلماء قولهم "لحوم العلماء مسمومة " وهي كلمة حق يراد بها باطل ، فليس لحم كل عالم مسموم ،بل من العلماء من ينبغي الوقوف له والتشهير بضلاله وغيّه إذا كان كذلك ، لأن هذا العلم دين  ودين الله ينبغي الدفاع عنه والذوذ عنه ممن يعتدي عليه أيا كان ، ولفهم هذه الجملة أذكرها كاملة وهي لعلي بن الحسن بن عساكر  قال :" "واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم"، فإذا كان العالم بريء مما ينسب له أو يتهم به فهذا هو المقصود بلحوم العلماء مسمومة ، فهل يسكت على عالم -مثلا- يفتري على صحيح البخاري ويطعن به ؟ وهل نسكت على عالم يضع الصيام عن بعض فئات المسلمين ؟ وهل نسكت على عالم يقف مع طاغية يستبيح دماء وأعراض المسلمين؟ وهل نسكت مع عالم يعتبر مؤسسة من المؤسسات وقفا عليه وعلى أبيه ؟ وهل نسكت على عالم يأكل حقوق الناس ويعتدي عليها؟ وهل نسكت على عالم ديدنه الكذب والزور؟ وهل نسكت على عالم جبان لا يصدق في وعد ، ولا يجرؤ على اتخاذ قرار ينصف فيه ؟وهل نسكت على عالم ليس لهم من صفات العلماء إلا لبسهم ؟ وهل ؟ وهل؟


المسألة السادسة : ولكل ما ذكرته فإن السمّ القاتل للمسلمين هو أن يسكتوا على علماء الأمة غير الربانيين لأن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  وواجب نصرة الدين  يتطلب منهم أن يقفوا لهؤلاء الذين يسممون واقع المسلمين بالتخاذل والجبن  وحب الدنيا والأنانية وكراهية الموت ،فهؤلاء لحومهم مسمومة بالضلال والفتنة ينبغي التحذير منها كي لا تقتل ما تبقى من أمل في نصرة الدين وتغير الواقع المزري الذي يعيشه المسلمون ويحيونه في الدنيا كلها ....
 والحمد لله رب العالمين








Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More