تعديل

الخميس، 30 يونيو 2016

جائزة القدس في حفظ القرآن الكريم كاملاً


جائزة القدس في حفظ القرآن الكريم كاملاً
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي عضواً


افتتحت مشيخة المعاهد الأزهرية في فلسطين السبت بالتعاون مع الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية فعاليات جائزة القدس في حفظ القران الكريم كاملاً وتلاوته وتجويده، وذلك تحت رعاية الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين وبمشاركة أكثر من مائة متسابق من حفظة القرآن الكريم كاملاً، في قاعة الشيخ عبدالكريم الكحلوت بمعهد الأزهر الديني بغزة.

وحضر حفل الافتتاح الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة شيخ وعميد المعاهد الأزهرية بفلسطين، والأستاذ الدكتور/ رياض الخضري رئيس مجلس أمناء المعاهد الأزهرية وأعضاء مجلس الأمناء، واللجنة المشرفة على الجائزة، ولجنة التحكيم، بالإضافة إلى المفتين والعلماء وأساتذة الجامعات، وعدد من الإعلاميين، والمشاركين في الجائزة.
ثم تحدث الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة شيخ وعميد المعاهد الأزهرية بفلسطين، مبيناً أن القرآن الكريم هو كتاب ختم الله به الكتب، وأنزله على نبي ختم به الانبياء، وقد اختصه الله سبحانه وتعالى بالحفظ، فقال : { إنا نحنُ نزلنا الذكر و إنا له لحافظون}.
ورحب عريف الحفل الشيخ سليم شراب بالحضور مشددا على سمو مكانة القرآن الكريم و فضل حفظه وتدبره، و مؤكداً على أن حضورهم يدل على مدى حبهم واهتمامهم بالقرآن.
وبدأ الحفل بآيات من الذكر الحكيم رتلها الاستاذ/ ابراهيم أبو جلمبو عضو لجنة التحكيم.
وقال الشيخ سلامة: إن الجائزة تهدف إلى الاهتمام بكتاب الله والعناية بحفظه وتجويده وترتيله، وتشجيع أبناء شعبنا الفلسطيني على التنافس في حفظ القرآن الكريم، وربط المسلمين بقضيتهم الأولى قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، وإبراز الوجه الإسلامي لبلادنا المباركة فلسطين، كما وبين أن الجائزة عبارة عن فرع واحد وهو: حفظ القران الكريم كاملاً مع التجويد والترتيل.
وأكد الشيخ سلامة أن هذه الجائزة تأتي لإظهار مدى اهتمام مشيخة المعاهد الأزهرية بضرورة العناية بالقرآن الكريم وعلومه ، حيث يشارك في هذه الجائزة والحمد لله أكثر من مائة حافظ للقرآن الكريم كاملاً، وقد خُُصصت جوائز مادية مجزية للعشر الأوائل من المتسابقين. وأشاد الشيخ سلامة بدور الأزهر الشريف بالقاهرة بقيادة الإمام الأكبر الدكتور/ أحمد الطيب ودعمه ومساندته لرسالة المعاهد الأزهرية في فلسطين والمستمدة من رسالة الأزهر الشريف، والتي تدعو إلى الوسطية والاعتدال والتسامح والمحبة.
واكد د. سلامة أن سبب تسمية الجائزة بجائزة القدس يأتى لإظهار مدى تمسك شعبنا المرابط بمدينة القدس قلب فلسطين النابض وعاصمتها المقدسة التي أخذت مكانتها من وجود المسجد الاقصى المبارك الذى بارك الله حوله، فنحن نريد أن نذكر الامة بالمدينة المقدسة لان البوصلة يجب أن تتجه دائماً إلى القدس.
وأشار إلى أن فعاليات الجائزة بدأت اليوم الموافق للعشرين من شهر رمضان الذي يوافق ذكرى فتح مكة وتستمر حتى ليلة القدر السابع والعشرين، في إشارة إلى عودة المسلمين إلى وطنهم مكة المكرمة بعد أن أُخرجوا منها، كما أنها تبعث فينا الأمل بأنه ما بعد الضيق إلا الفرج، وإن الفرج أتٍ بإذن الله. وأشار الشيخ سلامة إلى أن هناك لجنة تشرف على الجائزة برئاسته، وتضم في عضويتها كلاً من الدكتور/ محمد سليم علي خطيب المسجد الأقصى المبارك، والأستاذ الدكتور/ عبدالسلام اللوح، والدكتور/ تميم ضهير وهما أستاذان للتفسير وعلوم القرآن، والشيخ/ سليم همام شراب أستاذ الفقه بمعهد الأزهر بغزة.
كما ألقى الأستاذ الدكتور/ رياض حسن الخضري رئيس مجلس أمناء المعاهد الأزهرية كلمة تحدث فيها عن فضل القرآن الكريم وحفظه وتدبره وأنه سبب السعادة في الدنيا والاخرة، وأشاد بالجهود المباركة لشيخ وعميد المعاهد الأزهرية في إقامة هذه الجائزة في حفظ القرآن الكريم كاملاً وتلاوته وتجويده, وكذلك جهوده في الرقي بدور المعاهد الأزهرية ورسالتها في فلسطين.
ووجه الدكتور سلامة الشكر الجزيل إلى الدكتور/ عبدالله بصفر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية على تعاونه مع مشيخة المعاهد الأزهرية في إقامة هذه الجائزة في فلسطين، كما وشكر كلاً من اللجنة المشرفة ولجنة التحكيم على جهودهم المباركة، كما وجه شكره إلى جميع المشاركين في الجائزة، وإلى أسرة المعاهد الازهرية على ما بذلوه من جهود ومساهمات مباركة لإنجاح هذه الجائزة، وتمنى الشيخ سلامة النجاح والتوفيق لجميع المشاركين. كما شكر اللجنة المشرفة ولجنة التحكيم والمشاركين وأسرة المعاهد الأزهرية على دورهم في إنجاح هذه المسابقة، متمنياً الاستمرار في هذه الانشطة الدينية التي تخدم ديننا الحنيف ومجتمعنا الفلسطيني. فعاليات اليوم الأول للجائزة وبدأت فعاليات الجائزة في يومها الأول من الساعة الحادية عشرة صباحاً واستمرت حتى الثالثة عصرا، حيث يتقدم للاختبار يومياً سبعة عشر طالباً من حفظة القرآن الكريم كاملاً، و يوجه لكل متسابق خمسة أسئلة في الحفظ بالإضافة إلى معرفة مدى إتقانه لأحكام التلاوة والتجويد.

ومن الجدير بالذكر أن لجنة تحكيم الجائزة تضم نخبة من أساتذة القراءات وعلوم القرآن والتفسير، وهم الأستاذ الدكتور/ محمد مصطفي نجم عميد كلية الشريعة بجامعة الازهر رئيساً وعضوية كلٍ من الدكتور/ سليمان موسى السطري أستاذ أصول الفقه ، والدكتور/ صابر محمد أحمد عميد كلية الصحابة، والأستاذ/ إبراهيم محمود ابو جلمبو أستاذ القرآن الكريم بجامعة الازهر، والدكتور/ بسام رضوان عليان أستاذ التفسير بكلية الدعوة، والدكتور/ علي العجوري أستاذ التفسير . وقد قامت اللجنة بدور مميز في ترتيب الأمور ووضع الأسئلة لجميع المشاركين في الجائزة موزعة على جميع أجزاء القرآن الكريم، وكذلك توزيع الدرجات المناسبة على الاسئلة حسب اللوائح المتبعة في المسابقات الدولية، وتستمر الاختبارات حتى يوم الخميس القادم .







الجمعة، 24 يونيو 2016

من فقه القرآن : حقيقة التلاوة والصلاة

من فقه القرآن
حقيقة التلاوة والصلاة
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام  لهيئة العلماء والدعاة  ببيت المقدس

قال الله تعلى :" اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم  ما تصنعون" سورة العنكبوت:45
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: جمعت الآية أمرين ورتبت عليهما نتائج وثمار  واختتمت الوعظ والتذكير والتحذير.
 المسألة الثانية :أما الأمر الأول فهو تلاوة القرآن حيث جاء بصيغة الأمر فدل على الندب إليه ، وأستنبط من هذا الأمر مجموعة من الفوائد وهي :
الفائدة الأولى : التلاوة لا تعني مجرد القراءة ، فالقراءة هي التي تكون باللسان والقلب وقد لا يترتب عليها سلوك أو عمل فهي مجرد قراءة لنيل الثواب حيث من المعلوم أن من يتلو القرآن له بكل حرف عشر حسنات والله يضاعف لمن يشاء ، وقد ورد الأمر بقراءة القرآن في القرآن في عديد المواطن منها قوله تعالى :" فاقرأوا ما تيسر منه" .
وأما التلاوة فتعني القراءة مع اتباع ما جاء في الآيات المقروءة إن كان أمرا باتباعه وإن كان نهيا باجتنابه ، وإن كان موعظة أو مثلا بالانتفاع به ، ويدل على هذا المعنى القرآن نفسه  ومنه قال تعالى:" والقمر إذا تلاها" أي : إذا تبعها، وأوضح من ذلك قوله تعالى:" الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته " قال المفسرون : أي يتبعونه حق اتباعه .
الفائدة الثانية : قراءة القرآن في الغالب تكون عن ظهر قلب ولا يمنع أن تكون من المصحف والتلاوة كذلك لكن الله تعالى في الاية هنا ذكر التلاوة من الكتاب لحكمة وهي أن التلاوة التي فيها الاتباع يكون الاتباع فيها ألزم للمسلم إذا كان يقرأ القرآن من المصحف المكتوب فيرى الآيات ويتدبرها ويتمعن في أوامرها ونواهيها ومواعظها فتكون الحجة عليه أعظم وهي أن القرآن بين يديك يدعوك لاتباع ما ورد فيه واجتناب ما نهى عنه فاحذر من المخالفة  ، وهذا مثله –مع الفارق في التشبيه- مثل من يأتيه كتاب من الملك ويسلم له بيده يأمره بأمر وينهاه عن  آخر ، فيكون ألزم له مما لو كان الأمر والنهي عاما وبمجرد السماع.
الفائدة الثالثة : في الأمر بالتلاوة تذكير لمن يتلو أن الآيات التي يتلوها هي وحي من الله عز وجل ،فتكون التلاوة حينئذ أوجب له باتباع ما جاء فيها ، أضف إلى ذلك فيه تذكير لمن يتلو القرآن أن هذا الوحي المنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أيضا  وحي منزل إليك فعليك بالإصغاء والاتباع  فالمسلم إذن يتلو القرآن وكأنه يتنزل عليه مباشرة من الله تعالى ولو فطن المسلمون إلى هذه المعاني والفوائد التي أذكرها لتغير حالهم ولصلحت مجتمعاتهم لآن الله عز وجل نزل القرآن ليكون دستورا ومناج حياة ولن يكون كذلك إذا قرأه المسلم دون تلاوة إي دون اتباع.
المسألة الثالثة: والأمر الثاني في الآية الكريمة هو إقامة الصلاة ، وإقامة الصلاة لا تعني مجرد أدائها في أوقاتها بل يعني عدة أمور وهي:
 أولا: إقامتها في أوقاتها دون تأخير إلا لعذر شرعي.

ثانيا: إتمام أركانها وواجباتها وسننها وآدابها.
ثالثا: الخشوع فيها ، خشوع القلب والجوارح.
رابعا: إتمام  القراءة والتدبر فيها.
خامسا : أن تردعه هذه الصلاة عن الفحشاء والمنكر .
فإذا لم يحقق المسلم تلك الحالات لم يكن مقيما للصلاة بل كان مؤديا لها ، فيسقط عنه إثم ترك الصلاة لآنه أداها ولكن لا يثاب عليها بل تلف  كالثوب الخلق وتلقى في وجهه وتقول له : ضيعك الله كما ضيعتني.
 المسألة الرابعة : قوله تعالى : "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" ذكر فيه القرطبي معان لطيفة وبديعة وهي :
 أولا : يُرِيدُ إن الصلاة الْخَمْسَ هِيَ الَّتِي تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامَ:" أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شي" قالوا: لا يبقى من درنه شي، قَالَ:" فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" ْ.
ثانيا:  وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الصَّلَاةُ هُنَا الْقُرْآنُ. وَالْمَعْنَى: الَّذِي يُتْلَى فِي الصَّلَاةِ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وعن الزنى وَالْمَعَاصِي ومنه الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ:" قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ" يُرِيدُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ

ثالثا: وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْكَلْبِيُّ: الْعَبْدُ مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ لَا يَأْتِي فَحْشَاءَ وَلَا مُنْكَرًا، أَيْ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى مَا دُمْتَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ عُجْمَةٌ وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ فَتًى مِنِ الْأَنْصَارِ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالسَّرِقَةِ إِلَّا رَكِبَهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" إن الصلاة
 ستنهاه فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ تَابَ وَصَلُحَتْ حَالُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ".
رابعا: وَفِي الْآيَةِ تَأْوِيلٌ آخر وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُونَ وَذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ، فَقِيلَ الْمُرَادُ بِ" أَقِمِ الصَّلَاةَ" إِدَامَتُهَا وَالْقِيَامُ بِحُدُودِهَا، ثُمَّ أَخْبَرَ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى صَاحِبَهَا وَمُمْتَثِلَهَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَوْعِظَةِ. وَالصَّلَاةُ تَشْغَلُ كُلَّ بَدَنِ الْمُصَلِّي، فَإِذَا دَخَلَ الْمُصَلِّي فِي مِحْرَابِهِ وَخَشَعَ وأخبت لربه وادكر أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَيَرَاهُ، صَلُحَتْ لِذَلِكَ نَفْسُهُ وَتَذَلَّلَتْ، وَخَامَرَهَا ارْتِقَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَظَهَرَتْ عَلَى جَوَارِحِهِ هَيْبَتُهَا، وَلَمْ يَكَدْ يَفْتُرُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تُظِلَّهُ صَلَاةٌ أُخْرَى يَرْجِعُ بِهَا إِلَى أَفْضَلِ حَالَةٍ. فَهَذَا مَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُؤْمِنِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. قُلْتُ: لَا سِيَّمَا وَإِنْ أَشْعَرَ نَفْسَهُ أَنَّ هَذَا رُبَّمَا يَكُونُ آخِرَ عَمَلِهِ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ وَأَتَمُّ فِي الْمُرَادِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ لَهُ سِنٌّ مَحْدُودٌ، وَلَا زَمَنٌ مَخْصُوصٌ، وَلَا مَرَضٌ مَعْلُومٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ارْتَعَدَ وَاصْفَرَّ لَوْنُهُ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقَّ لِي هَذَا مَعَ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَكَيْفَ مَعَ مَلِكِ الْمُلُوكِ. فَهَذِهِ صَلَاةٌ تَنْهَى وَلَا بُدَّ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَمَنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ دَائِرَةً حَوْلَ الْإِجْزَاءِ، لَا خُشُوعَ فِيهَا وَلَا تَذَكُّرَ وَلَا فَضَائِلَ، كَصَلَاتِنَا- وَلَيْتَهَا تَجْزِي- فَتِلْكَ تَتْرُكُ صَاحِبَهَا مِنْ مَنْزِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ مَعَاصٍ تُبْعِدُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَرَكَتْهُ الصَّلَاةُ يَتَمَادَى عَلَى بُعْدِهِ. وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالْأَعْمَشِ قَوْلُهُمْ:" مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرُ لَمْ تَزِدْهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا" وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ أَرْسَلَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحِ السَّنَدِ.
خامسا:  قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ سَمِعْتُ أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: فَإِذَا قَرَرْنَا وَنُظِرَ مَعْنَاهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ نَفْسَ صَلَاةِ الْعَاصِي تُبْعِدُهُ مِنَ اللَّهِ حَتَّى كَأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي تَقْرِيبِهِ مِنَ اللَّهِ، بَلْ تَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ وَمَعَاصِيهِ، مِنَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبُعْدِ، فَلَمْ تَزِدْهُ الصَّلَاةُ إِلَّا تَقْرِيرَ ذَلِكَ الْبُعْدِ الَّذِي كَانَ سَبِيلَهُ، فَكَأَنَّهَا بَعَّدَتْهُ حِيْنَ لَمْ تَكُفَّ بُعْدَهُ عَنِ اللَّهِ. وَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ فُلَانًا كَثِيرُ الصَّلَاةِ فَقَالَ: إِنَّهَا لَا تَنْفَعُ إِلَّا مَنْ أَطَاعَهَا.
سادسا: وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ:" لَمْ تَزِدْهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا وَلَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلَّا مَقْتًا" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَا قَدْرَ لِصَلَاتِهِ، لِغَلَبَةِ الْمَعَاصِي عَلَى صَاحِبِهَا.
سابعا: وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ. أَيْ لِيَنْتَهِ الْمُصَلِّي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. وَالصَّلَاةُ بِنَفْسِهَا لَا تَنْهَى، وَلَكِنَّهَا سَبَبُ الِانْتِهَاءِ. وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ" وَقَوْلُهُ:" أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ".
 المسألة الخامسة: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)  فيه عدة أقوال ذكرها القرطبي وهي:
الأول:أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ لَكُمْ بِالثَّوَابِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ لَهُ فِي عِبَادَتِكُمْ وَصَلَوَاتِكُمْ. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في قول الله عَزَّ وَجَلَّ:" وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ" قَالَ:" ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ".
الثاني: وَقِيلَ: ذِكْرُكُمُ اللَّهَ فِي صَلَاتِكُمْ وَفِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أفضل من كل شي.
الثالث: وَقِيلَ: الْمَعْنَى، إِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ أَكْبَرُ مَعَ الْمُدَاوَمَةِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْفَحْشَاءِ والمنكر.
الرابع: وقال الضحاك: ولذكر الله عند ما يُحْرِمُ فَيَتْرُكُ أَجَلَّ الذِّكْرِ.
الخامس:وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَذِكْرُ اللَّهِ لِلنَّهْيِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ أَكْبَرُ أَيْ كبير، وأكبر يَكُونُ بِمَعْنَى كَبِيرٍ.
السادس :َقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ: ولذكر الله أكبر من كل شي أَيْ أَفْضَلُ مِنَ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا بِغَيْرِ ذِكْرٍ.
السابع: وَقِيلَ: ذِكْرُ اللَّهِ يَمْنَعُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ لَا يُخَالِفُهُ.
الثامن: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمَعْنَى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَيْ هُوَ الَّذِي يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَالْجُزْءُ الَّذِي مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ ذَاكِرٍ اللَّهَ مُرَاقِبٍ لَهُ. وَثَوَابُ ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا فِي الْحَدِيثِ" مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ" وَالْحَرَكَاتُ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي نَهْيٍ، وَالذِّكْرُ النَّافِعُ هُوَ مَعَ الْعِلْمِ وَإِقْبَالِ الْقَلْبِ وَتَفَرُّغِهُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ. وَأَمَّا مَا لَا يَتَجَاوَزُ اللِّسَانَ فَفِي رُتْبَةٍ أُخْرَى. وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ هُوَ إِفَاضَةُ الْهُدَى وَنُورِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ ثَمَرَةٌ لِذِكْرِ الْعَبْدِ رَبَّهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
ملاحظة : المسألتان الأخيرتان في هذا المقال أثبتهما كما وردتا في التفسير الجامع للقرآن للقرطبي حرصا مني على أن تعم الفائدة بتمامها على القارىء الكريم وذلك لآهمية المنقول .

 والحمد لله رب العالمين



السبت، 18 يونيو 2016

خطبة الجمعة مكتوبة 17/6/2016م .. الحوض



خطبة الجمعة
17-6-2016
الحوض

الحمد لله ذكّرنا بالحشر يوم القيامة وأمرنا  بالتقوى للنجاة من شر ذلك اليوم فقال سبحانه"واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون".
يومكم هذا يوم  شديد الحر وأنتم صائمون أغلبكم يهرب من حر الشمس إلى الظل ، وتنتظرون أن تغيب شمس هذا اليوم لترووا ظمأكم حين الإفطار،فكيف إذا دنت
الشمس من الخلائق يوم القيامة وهم في المحشر فيكونون في العرق بقدر أعمالهم.. فمنهم من يبلغ العرق قدميه، ومنهم من يبلغ ساقيه، ومنهم من يبلغ بطنه، ومنهم من يلجمه العرق من طول الوقوف،
. ،فاتخذوا يا عباد الله مظلات تستظلون بها من حر الشمس في ذلك الموقف العظيم ،مظلات الإيمان الكامل ،ومظلات الأعمال الصالحة ، ومظلات الفرار من المعاصي كبيرها وصغيرها...


ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،يحيي ويميت،بيده الخير،وهو على كل شيء قدير، يقبض الأرض يوم القيامة"ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك،أين ملوك الأرض"  ؟ أين ملوك الأرض الذين يسفكون دماء المسلمين ويحرقونهم ؟لا ملك يومئذ إلا الله ،ثم  يجمع الله الخلائق في أرض المحشر ، ينتظرون زمانا طويلا حتى يشفع محمد  صلى الله عليه وسلم لهم فيأذن الله بحسابهم...
  فعلقوا قلوبكم بالمسجد الأقصى واغدوا وروحوا إليه  ليلا ونهارا..وانشأوا أيها الشباب في طاعة الله وعفوا أيها الرجال ويا أيتها النسوة عن الفاحشة...وأخلصوا أعمالكم لله. لتكونوا من الذين يظلهم ربنا عز وجل بظله في ذلك الموقف العصيب..(لمن الملك اليوم لله الواحد القهار)؟،
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين ، واجعلنا من المرابطين المخلصين المتقين ، واجعلنا من الذين تظلهم بظلك يوم لا ظل إلا ظلك يا رب العالمين..
ونشهد أن سيدنا وقائدنا ومهجة قلوبنا وقرة عيوننا محمدا،عبد الله ونبيه ورسوله، شديد الحرص على أمته ، ويحبها حبا شديدا ،ينتظر الصالحين منها على حوضه ليشربوا منه في يوم يشتد ظمؤهم فيه،
 قال وهو الصادق المصدوق" حوضي مسيرةٍ شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه"أي كؤوسه وأوانيه"كنجوم السماء من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا". 

اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن في ديننا أو أن نحدث فيه ما ليس عليه أمر رسولنا، اللهم أرزقنا شربة هنيئة مريئة من حوض رسولك الذي نحبه  ولم نره، واتبعناه ولم نعش معه ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وصل اللهم على كل من شد الرحال إلى المسجد الأقصى أو نوى شد الرحال إليه وحيل بينه وبينه وعلى المرابطين فيه إلى يوم الدين .

أما بعد، أيها المرابطون 
أهلا وسهلا ومرحبا بكم في رحاب المسجد الأقصى الذي قلبه إسلامي وروحه عربية والذي أنتم جوارحه ،فأنتم يد المسجد الأقصى التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وعينه التي يرى بها وأذنه التي يسمع به فالمحيا محياكم والممات مماتكم وخاب وخسر الظالمون ...

أيها الصائمون

أبشركم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم حيّ بدينه الذي يملأ الأرض وحي بأمته ،فمن قال إن محمدا مات فقد خاب  وخسر وما وجودكم في هذه الساعة المباركة في رحاب المسجد الأقصى إلا برهان على حياة الحبيب محمد ودينه...،وان جموعكم المباركة في رحاب المسجد الأقصى من كافة أحاء فلسطين دليل على وحدة هذا الشعب وتلاحمه ورسالة إلى قيادات هذا الشعب أن وحدوا صفوفكم وأنهوا خلافاتكم والتفتوا إلى مصيركم

يا مؤمنون
وما ترونه قريبا منكم أو بعيدا عنكم من  هجمة مسعورة غير مسبوقة لاستئصال المسلمين ودينهم إنما هو إرهاص بين يدي علو الإسلام في الأرض ليحكم الناس بالعدل والأمن من جديد ، ومن يشك منكم فيما أقول فأطلب منه كما طلب الله عز وجل من كل من يشك في نصرة الله لدينه أطلب منه  أن يمدد بحبل إلى السماء وليرقى إليها ليقطع النصر النازل  على المسلمين منها إن قدر على ذلك ولن يقدر، فإن النصر من الله ينزل من السماء
،قال الله تعالى :" من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما  يغيظ"..
يا مسلمون يا عباد الله
وكما سيروى ظمؤكم  مع غروب شمس هذا اليوم فإن ظمأكم سيروى يوم القيامة ولن تظمـأوا بعده أبدا فقد
روى سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إني فرطكم على الحوض  أي:أنا سابقكم إليه ومهيء لكم شربكم منه".
           ،من مر عليّ شرب،ومن شرب لم يظمأ أبدا،ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم،فأقول:إنهم مني  ، وفي رواية أبي سعيد الخدري فأقول :إنهم من أمتي ، فيقال:إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك،فأقول:سحقا سحقا لمن غير بعدي".

يا مؤمنون يا صائمون

هذا نبينا صلى الله عليه وسلم  يتعجب حين يمنع أناس من أمته من ورود حوضه،ليظلوا عطاشى يأخذ منهم الظمأ مأخذه،قبل أن يلقيهم الصراط في نار جهنم أعاذني الله وإياكم منها..فيقول"إنهم من أمتي"وفي رواية يقول :"إنهم مني"..فيقال له:"إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"..
فاللهم ارزقنا الثبات وأجرنا من الردة عن الدين  ، واجعلنا من جندك المؤمنين العاملين الصادقين
يا مسلمون:أئمة الجور ومن مالأهم ونافقهم لا يردون الحوض ولا يشربون منه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحكام الظلمة"سيكون بعدي أمراء،من دخل عليهم فصدقهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس يرد علي الحوض"، وصدق رسول الله صلى الله عليه سلم فكيف يسقى حاكم ظالم يقتل شعبه ويبيع أمته ويرضى لها الهوان ؟

فسحقا سحقا لكل ظالم يقتل شعبه ، ويحرق الأطفال ، ويعتدي على الأعراض ،ويجعل المقابر والسجون مساكن للناس ! سحقا سحقا لمن يقتل المستضعفين المدنيين في الفلوجة ، سحق سحقا لبشار  عدو المؤمنين وربيب الملحدين، سحقا سحقا  لمن والى كل حاكم ظالم وأعانه على ظلمه وأيده في طغيانه.. سأل سجان للحجاج  سعيد بن جبير فقال:يا شيخ هل أنا من أعوان الظلمة ؟ فقال له سعيد:أنت من الظلمة أنفسهم،أما أعوان الظلمة فمن يبري لهم قلما أو يحمل لهم محبرة ، وأعوان الظلمة  كلاب جهنم ينبحون فيها كما تنبح الكلاب في البرية ، فيا أيها الناس أما آن لصرخات المستضعفين المسلمين في كل مكان في الأرض أن تنصر ، أما آن للظلم على المسلمين أن يرفع؟ فسحقا سحقا لمن يرى المنكر ولم  يبدل أو يغيّر ،   ولم يكن له لله موطنا ينصر فيه مظلوما أو يبطل فيه باطلا ، أو يحق فيه حقا
وسحقا سحقا لمن ارتد على عقبيه وحارب الإسلام إذا حكم أو إذا أراد أن يحكم... سحقا سحقا لمن يتنازل عن أرض المسلمين الوقفية لأعدائهم ولو عن ذرة تراب منها...سحقا سحقا لمن يسرب عقارا أو يبيع دارا لكافر وظالم!!سحقا سحقا  لأصحاب الخيم الرمضانية التي باض فيها الشيطان وفرخ، سحقا سحقا لمن يدخل عليه رمضان ثم يرحل عنه وهو ظالم لنفسه بالمحرمات والسيئات ،ليله سهر مع المزمار والشيطان ونهاره لهو مع الشهوات والفتن !سحقا سحقا لعاق أبويه ومؤذي جاره وآكل أموال الناس بالباطل ولم يتب، سحقا سحقا لمن يظلم نفسه أو يظلم غيره .
أيها المؤمنون

للنبي صلى الله عليه وسلم حوضان،حوض يكون قبل دخول الجنة في ساحات الحساب وعرصات الموقف،والآخر يكون في داخل الجنة،وكل منهما يقال له حوض ويقال له  كوثر،لأن الحوض الذي في ساحة الحساب يستمد ماءه من نهر الكوثر الذي في الجنة،قال الله تعالى ممتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم"إنا أعطيناك الكوثر".

يا عباد الله:والكوثر هو الخير الكثير في الدنيا وفي الآخرة،ويدخل في ذلك النهر العظيم الذي يكون للنبي صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم،ومن الخير الكثير الذي أعطيه رسولنا صلى الله عليه وسلم المقام المحمود والشفاعة الكبرى للخلائق ليؤذن بحسابهم والشفاعة الصغرى لمن استحق دخول النار من أمته...
فاللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود الذي وعدته

أيها المسلمون:
والحوض الذي في ساحة الحساب يكون قبل الصراط ،فمن ثبت على الإلتزام بأحكام الدين في الدنيا وعمل بها ثبت على الصراط في الآخرة ،ومن فرط في الإلتزام بأحكام دينه وتراخى وخلط الصالحات بالمعاصي والمنكرات لم يجاوز الصراط ويسقط في نار جهنم قال الله تعالى"وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا"قال ابن مسعود وقتادة وزيد بن أسلم:هذه الآية في المرور على الصراط،وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصراط"ويضرب جسر جهنم فأكون أول من يجيز،ودعاء الرسول يومئذ:اللهم سلم اللهم سلم..وبه كلا ليب مثل شوك السعدان" ،فيا ويل من تخطفه كلاليب النار إنها  تخطف المرتدين على أعقابهم ،والمصرين على الكبائر ، والمعجبين بحطام الدنيا الزائل الموالين للكفار والمنافقين للطغاة ، تخطفهم وترديهم في نار جهنم لتحرقهم حرقا وتشوي وجوههم شويا ، فيا رب سلمنا يا رب سلمنا يا ربنا سلمنا

يا مسلمون يا مؤمنون
وأول الشاربين من الحوض فقراء المهاجرين ، روى ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"وأول الناس ورودا على الحوض فقراء المهاجرين".
ونرجو الله تعالى أن يكون فقراء المسلمين في كل زمان وأن يكون اللاجئون المسلمون المهجرون من أراضيهم وأوطانهم من أوائل الشاربين من حوض نبينا صلى الله عليه وسلم،جزاء معاناتهم وصبرهم .
يا عباد الله:ثم يأتي بعدهم أهل اليمن في الشرب من الحوض،فعن ثوبان أيضا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إني لبعقر حوضي أي بمؤخر حوضي أذود الناس لأهل اليمن"..وما هذه الكرامة لأهل اليمن إلا لأنهم من أوائل المسارعين إلى الإسلام ونصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ،فاللهم فرّج عن المسلمين أوليائك في اليمن وفي سائر بلاد المسلمين ما هم فيه من ابتلاء وفتنة في الدين ،وأما أنتم أيها المرابطون   فاحرصوا على أن تكونوا في بداية الصفوف التي تعمل لإعلاء كلمة الله في الأرض ،ونصرة الدين ، ، لتكونوا مع أهل اليمن في الشرب من حوض  حبيبنا صلى الله عليه وسلم .

أنتم أيها المرابطون   فاحرصوا على أن تكونوا في بداية الصفوف التي تعمل لإعلاء كلمة الله في الأرض ،ونصرة الدين ، ، لتكونوا مع أهل اليمن في الشرب من حوض  حبيبنا صلى الله عليه وسلم

يا مؤمنون:
والذي  يكرم الصائم ويسقيه ويفطره يرد على الحوض،فقد روى سلمان مرفوعا"من يسقى صائما لله سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة"،فاحرصوا على تفطير الصائمين وسقياهم ،وتراحموا في شهر رمضان بكل أنواع الرحمة التي تعرفونها وتقدرون عليها ...


يا عباد الله
 في شهر رمضان وفي غيره من الشهور إذا اعتذر أحد المسلمين إلى أحدكم لإساءة أساءها له ،وطلب منه الصفح والعفو والمغفرة ،فليبادر إلى مسامحته والعفو عنه ، فالذي لا يقبل العفو عن الإساءة عن أخيه المسلم  لا يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشرب منه ليروي ظمأه ،ففي الحديث

الذي روته عائشة مرفوعا"من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل عذره لم يرد علي الحوض" ،فتحابوا وتغافروا وتصافحوا حتى  تلقوا رسولكم صلى الله عليه وسلم وهو عنكم راض،ولتسقوا من حوضه شربة لا ظمأ بعدها...

يا مؤمنون،يا عباد الله:
حذار من الدياثة ،والدياثة هي أن لا يغار المسلم على          أهله ومحارمه ويرضى بالمعصية والفاحشة عليهم وفيهم، فمن يأذن لزوجته وبناته أن يخرجن متبرجات ، ومن أذن لأهله مشاهدة المسلسلات الداعية إلى الفجور وسماع الأغاني الفاحشة فهؤلاء وإن صلوا وصاموا سيعذبون في النار  لأن شأنهم حقير عند رب العالمين قال النبي صلى الله عليه وسلم"ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالدين والمرأة المتبرجة والديوث"
فيا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات قوا أنفسكم وأهليكم عذاب النار ،فلا تتركوا أبناءكم وبناتكم على غير بصيرة وهدى ،أدبوهم وعلموهم ورغبوهم ورهبوهم ، وقد حذر الله الآباء والأمهات من دخول النار إن هم قصروا في تربية أبنائهم فقال:"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" "


فاللهم أتمم علينا نورنا  ،واهدنا لحوض رسولنا   ،واجعلنا من الذين يشربون منه ،وأجزنا على الصراط ،  وأدخلنا الجنة بسلام..
عباد الله:توبوا إلى الله واستغفروه
فإنه سبحانه غفور رحيم، وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة




الخطبة الثانية
الحوض

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .


أما بعد ، أيها المؤمنون

  إذا كان التبديل في الدين جريمة تستوجب الظمأ يوم القيامة والعذاب في نار جهنم ،فإن التبديل في تراث المسلمين وتاريخهم وفي واقع مقدساتهم في بيت المقدس وفي المسجد الأقصى جريمة يجب على المؤسسات الدولية الفاعلة أن تمنعها ، كما وعلى العرب والمسلمين أن يحافظوا على تراثهم في هذه الأرض ، وأن يمنعوا الاعتداء على مقدساتهم فيها ، هذه الاعتداءات الممنهجة والتي تتكرر بشكل يومي ، وذلك قبل فوات الأوان ، وقبل أن يعضوا على أصابع الندم ( ولات حين مندم ) ، والله تعالى يقول ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )، فهل تجد القدس لها مغيثا وناصرا ؟ وهل يجد المسجد الأقصى له صريخا ؟

أيها المسلمون :
  المطلوب منكم أن تثبتوا على دينكم ، وأن ترجعوا إليه ، وأن تلتزموه عقيدة وشريعة وأخلاقا ، حتى لا تظلوا في ظمأ المعاصي ، وعذاب الظالمين ، فعودوا إلى دينكم ، واخلعوا الجاهلية وأعمالها وأقوالها وأفكارها على عتبات المسجد الأقصى ، وفي حارات القدس وشوارعها وأحيائها قبل أن تغادروها وتذكروا قول الله تعالى ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ، يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ).





أيها المسلمون:
جزاكم الله خيرا على تجشمكم عناء السفر وشد الرحال للصلاة في المسجد الأقصى ،وأسأل الله أن يتقبل مني ومنكم الصلاة والصيام والقيام وسائر العبادات ، الزموا  يا مسلمون الهدوء بعد انتهاء الصلاة واتركوا التدافع على الأبواب وأنتن ايتها النساء لا تزاحمن الرجال في الطرقات والأسواق ،واسمعوا وأطيعوا للجان النظام كي تعودوا مأجورين إن شاء الله تعالى ،والشكر والتحية لكل لجان النظام وفرق الإسعاف وغيرهم وفي مقدمتهم حراس المسجد الأقصى الذين يقفون في الصفوف الأولى للمرابطين


أيها المؤمنون
أنهى أبناؤنا من طلبة التوجيهي الامتحانات ونسأل الله لهم النجاح وأن يخدموا وطنهم ونطالب وزارة التربية والتعليم أن تأخذ بالحسبان أثناء التصحيح  أن نظام التوجيهي في العام القادم مغاير لما هو عليه هذه السنة وما سبقها من سنوات ، ونحث الطلاب على دراسة العلوم النافعة ومنها دراسة الشريعة الإسلامية وباستطاعة الطالب دراسة العلم الشرعي في كلية القرآن في جامعة القدس من خلال المنح الكاملة المخصصة لهم طلابا وطالبات

 

اللهم احفظ المسجد الأقصى للمسلمين وارزقه الخلاص يا رب العالمين يتها النساء لا تزاحمن  أيتها الناساء لا تزاحمن الرجال أ


اللهم قاتل الكفرة والظالمين ، وصب عليهم سوط عذابك ، وأرنا فيهم بطشك وعقابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، اللهم اجعل لنا وللمسلمين في كل مكان فرجا عاجلا قريبا ومخرجا ، اللهم انصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين ، اللهم اشف مرضانا ، وأطلق سراح أسرانا ، واستر عوراتنا وآمن روعاتنا ، واقض عنا ديوننا ، اللهم اهد شباب المسلمين وبنات المسلمين ، وانصر بهم الدين ،اللهم أحينا على سنة نبيك، وتوفنا على ملّته ، وأعذنا من مضلات الفتن ، اللهم اغفر لنا ولولدينا ولأزواجنا ولأهلينا ,واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات ،الأحياء منهم والأموات ، اللهم اجعلنا من الآمنين يوم القيامة ، وأدخلنا الجنة مع المقربين رحمتك يا أرحم الراحمين
وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون )








خطبة الجمعة 17-6-2016 للشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي من المسجد الاقصى المبارك


خطبة الجمعة 17-6-2016 للشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي من المسجد الاقصى المبارك





خطيب المسجد الاقصى يدعو الى اعمار المسجد الاقصى والرباط فيه

خطيب المسجد الاقصى يدعو الى اعمار المسجد الاقصى والرباط فيه


الأحد، 12 يونيو 2016

خصال الصائمين المرضية لرب العالمين : الحلقة الاولى

من فقه القرآن
خصال الصائمين المرضية لرب العالمين
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

قال الله تعالى في سورة فاطر (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ )
فقه الآيتين الكريمتين وفوائدهما في المسائل التالية :

المسألة الأولى
آية القراء العاملين
والصائمين المقبولين
هذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى:"إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور"(1)
هي آية تحض كل مؤمن تقي نقي،ارتقى بإيمانه عملا وسلوكا،قال القرطبي:"هذه آية القرآء العاملين الذين يقيمون الصلاة الفرض والنقل،وكذا في الإنفاق"(2).
وهي آية تجمع خصال الصائمين الذين ينوون بصيامهم رضوان رب العالمين،حيث جمعت ركائز الصيام الثلاثة:تلاوة القرآن الكريم،وإقامة الصلوات فرضها ونفلها،والنفقة زكاة وصدقات،فلا طعم ولا مذاق لصيام من صام إلا بهذه الخصال الثلاثة،فهي شهد الصوم ورحيقه،وجناه وثمرته.

المسألة الثانية :
خصال تشمل العبادات الثلاثة -
وهذه الخصال الثلاثة،التلاوة والصلاة والنفقة يحصل بها الصائم العبادات بأنواعها،عبادة اللسان بتلاوة القرآن وهو رأس الأذكار،  وعبادة الجوارح والتي تترأسها الصلاة،والعبادة المالية بالنفقة الواجبة ونفقة التطوع،وتؤسس عبادة القلب بالنية الخالصة لله عز وجل لكل العبادات، قال الرازي)3) "يتلون كتاب الله إشارة إلى الذكر،وأقاموا الصلاة إشارة إلى العمل البدني،وأنفقوا مما رزقناهم إشارة إلى العمل المالي...فالتلاوة عمل اللسان،والصلاة والنفقة عمل الجوارح،وسبقها في الآية التي سبقتها"إنما يخشى الله من عبادة العلماء عمل القلب "،فيكون الصائم بهذه الخصال كما قال القشيري في لطائف الإشارات(4):"حصل على القدر الأجل من التقريب،والنصيب الأوفر من الترحيب،فأما الذين أحوالهم بالضد فمنالهم على العكس،أولئك هم الأولياء الأعزة،وهؤلاء هم الأعداء الأذلة"..
فالصائمون بهذه الخصال الثلاثة يدخلون"في مقعد صدق عند مليك مقتدر".(5)

المسألة الثالثة :
خصال الصائمين سلعتهم الرابحة
تلاوة القرآن،وإقامة الصلاة،والإنفاق في وجوه الخير،سلعة الصائم الرابحة النافعة التي لا تفسد ولا تهلك ولا تخسر ولا يتعذر ربحها(6)،وذلك لعدة أسباب أهمها:
أولا : قيامها على الإخلاص،ويفهم هذا ن قوله عز وجل"لن تبور"،ففيه إشارة إلى الإخلاص،أي أنهم لا ينفقون ليقال عنهم كرماء،ولا لشيء من الأشياء غير وجه الله،فإن غير الله بائر،والتاجر فيه تجارته بائرة.(7)
ثانيا : أن جملة"يرجون تجارة لن تبور"في موضع خير إن(8)،والمخبر هنا هو الله عز وجل،والله سبحانه:أصدق القائلين،وأصدق الواعدين.
ثالثا : وهذا الخبر مستعمل في إنشاء التبشير(9)،والتبشير في أمور التجارة هي ربحها وعدم خسرانها .
رابعا : وهذه التجارة ليست كسائر التجارات الدائرة بين الربح والخسران لأنها اشتراء باق بفان، وقوله تعالى(تجارة)استعارة لأعمالهم من تلاوة وصلاة وإنفاق(10)،وقديما قال القائل:"عليك بتجارة الآخرة،وعليك بالسلع التواجر".(11)
وما على الصائمين إلا عرض سلعهم الغالية هذه،سرا وعلانية،بحسب مقام كل خصلة،لتشهدها الملائكة الكاتبون،وجماعة المؤمنين،ليكونوا شهداء لهم عند ربهم فتربح تجارتهم،وعند المؤمنين فيقروا لهم بالصلاح والفضل والخير...

المسألة الرابعة :
أنواع التجارات مع الله تعالى

وذكر القرآن الكريم التجارة في عدة مواضع هي:
الموضع الأول:تجارة المجاهدين الذين يغزون في سبيل الله من أجل رفع كلمة الإسلام بالدعوة إليه وتمكينه في الأرض،ومن أجل دفع الصائل الذي يعتدي على حرمات المسلمين،بأموالهم وأعراضهم ودمائهم،وهذه التجارة تكون بالروح والنفس والمال،قال الله تعالى:"يا أيها الذي آمنوا هل أدلكم تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"(11)
وهذه التجارة أرقى العبادات وأشملها،فهي تارة تكون بالجوارح،وتارة تكون بالأموال،وتارة تجمع بين الجوارح والأموال.
الموضع الثاني:تجارة النفاق المخرج من الملة،وهذه أسوأ التجارات،لأنها تجارة خاسرة،يغبن فيها المنافق نفسه،بظنه أن سلعته رابحة وهي كاسدة

مآلها الخسران المبين،قال الله تعالى:"اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وكانوا مهتدين".(12)
الموضع الثالث:تجارة عبادة الدنيا الفانية،وهي تجارة أهل الغفلة الذين غفلوا عن النعيم المقيم في الآخرة،وآثروا نعيم الدنيا الفاني الزائل،قال الله في أصحاب هذه التجارة:"وإذا رأوا تجارة أولهوا انفضوا إليها وتركوك قائما".(13)
الموضع الرابع:تجارة تلاوة القرآن الكريم وهي التجارة التي وصفها الله بالربح،ووعد عليها بالمغفرة والشكر،وهي أولى خصال الصائمين،والمؤمنين المتقين،قال الله عز وجل:"إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور،ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور".(14)
الموضع الخامس:تجارة خواص الخواص،وهي تجارة المؤمنين العارفين،أعرضوا عن كل تجارة دنيوية لأنها عرض زائل وعارية مستردة،وأقبلوا على التجارة التي ثمنها إرضاء الله والنعيم المقيم في الجنة،قال الله تعالى:"رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة،يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار،ليجيزهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب(15)

وخصال الصائمين أعظم التجارات المؤدية إلى أفضل المآلات،فهي تجارة مع القرآن الكريم،ومع الصلاة والذكر،والنفقات الواجبة والنافلة،تجارة بالجوارح تارة،وبالمال تارة،وبهما جميعا تارة أخرى،ولمثل هؤلاء يقال:"ربحوا البيع"...


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More