تعديل

الخميس، 22 ديسمبر 2016

فضيلة الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي اثناء مناقشته لرسالة ماجستير في الفقه والتشريع واصوله

فضيلة الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي اثناء مناقشته لرسالة ماجستير في الفقه والتشريع واصوله في جامعة القدس







السبت، 17 ديسمبر 2016

من فقه القرآن : الوصايا العشر (7)


الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
قال الله تعالى "... ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده.....الخ الآية "سورة الأنعام :152
 
 فقه المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: :الإنسان إذا فقد أباه وهو صغير يسمّى يتيما وليس  الذي فقد أمّه  يسمّى يتيما لكن إذا اجتمع له فقد الأب والأم كانت المصيبة أعظم واليتم أبلغ .
المسألة الثانية: وسمّي من فقد أباه دون سنّ البلوغ يتيما لأنه: أولا: لأنه بموت أبيه انفرد واليتيم في اللغة العربية الانفراد ، يقال درّة يتيمة أي ليس لها نظير ،  ثانيا: لأن الولد بموت أبيه فقد من يرعاه ولهذا فإن الخير والبر والمعروف يبطىء له لفقده أباه الذي بوجوده ينال كل ما ذكرناه من بر وخير ومعروف.
 المسألة الثالثة: قوله تعالى " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن فيه فوائد أهمها: أولا:هذه الجملة معطوفة على ما سبقها من المحرمات  والحرمة في سوء التصرف في مال اليتيم واضحة في الآية الكريمة بنمطوقها ومفهومها. ثانيا: هذا النهي فيه دعوة للمسلمين في حفظ قواعد السلوك والتعامل بينهم للرقي بالعلاقات الاجتماعية من خلال تحقيق الثقة بين أفراد المجتمع المسلم مهما اختلفوا في منازلهم وقوتهم ونفوذهم فاليتيم وإن كان ضعيفا مهيض الجناح فهو قوي ذو سلطان يحميه من خلال الولاية والوصاية عليه والنهي في الآية للأوصياء وبهذا نرى قوة النسيج الاجتماعي في المجتمع المسلم من خلال ترابط الوشائج بي جميع أفراده على احتلاف مستوياتهم ونفوذهم.
ثالثا: وعليه فإن القرب من مال اليتيم ممن صاحب النفوذ عليه يكون بتنمية ماله بالتجارة وعدم استغلال هذا المال لمنفعة شخصيو تعود على الوصي أو الولي كأن يستقرض من مال اليتيم أو يشتري منه خشية استغلاله ،فيكون القرب من مال اليتيم من الوصي أو الولي هو إصلاح هذا المال وتثميره ،فتحفظ أصول مال اليتيم ويتم استثمار فروعه ، وقد ذهب المفسورن إلى أن هذا هو أحس ما قيل في معنى هذه الآية الكريمة.
المسألة الرابعة: والحكمة من تخصيص مال اليتيم بالحفظ لأن مال اليتيم مظنة الاعتداء عليه من الولي وإذا اعتدى عليه الولي فمن ينصر اليتيم ويحفظ له ماله ؟! ثم إن الأولياء كان من عادتهم التوسع في أموال اليتامى  والاعتداء عليها ومن ذلك أنهم كانوا يخلطون أنعامهم مع أنعام اليتامى وعند القسمة يأخذون السمين ويعطون  اليتيم الهزيل ويقولون : رأس برأس فنهاهم الله عن ذلك  ومنه ما جاء في سورة النساء" وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا".
المسألة الخامسة.والنهي عن الاعتداء على مال اليتيم بأي صورة من صور الاعتداء جاء بأسلوب فيه تحذير وتخويف وهو النهي عن الاقتراب من مال اليتيم  فقال سبحانه:"ولا تقربوا" فالقرب كناية عن ملابسة مال اليتيم والتصرف يفه كما بينت آنفا،وكما قال عزّ وجلّ قبل ذلك عن الفواحش " ولا تقربوا الفواحش" وهذا فيه شدة  في التهي والتحريم عن التصرف بمال اليتيم بأي تصرف يعرضه للمخاطرة أو التلف.
المسألة السادسة: قوله تعالى :إلا بالتي هي أحسن " فيه فوائد أهمها:"الأولى: هذا الاستثناء جاء بعد النهي عن التصرف بمال اليتم بما ضر ماله بالنقص أو الإتلاف فجاء النهي " إلا بالتي هي أحسن" الثانية: فمعنى الاستثناء هو إلا بالحالة التي هي أحسن فالباء في قوله تعالى "بالتي" للملابسة والمعنى: إلا ملابسين للحالة التي هي أحسن حالات القرب وأحسن كما هو معروف في اللغة العربية هو اسم تفضيل فيكون القرب من مال اليتيم يكون بالأنفع لماله والنفع هنا الذي لا ضرر فيه على  اليتيم وماله .
المسألة السادسة: قوله تعالى " حتى يبلغ أشده" فيه فوائد أهمها: الأولى: الأشد مشتق من الشدّ وهو التوثق وبالتالي هو اسم يدل على قوة الإنسان، الثانية: والمعنى حتى يبلغ اليتيم قوته، الثالثة: والمراد بقوة التيتيم هنا قوته البدنية وقوته العقلية المعرفية ولا بد من اجتماع هاتين القوتين في اليتيم حتى يعطى له ماله يتصرف فيه كما يشاء ، الرابعة:المراد بقوله "يبلغ" الوصول وهو التدرج في النمو الإنساني من الطفولة إلى الصبا ثم  إلى البلوغ الجسمي مع العقل وحسن التصرف وقد جاء تقييد حال اليتيم هذه في سور النساء عند قوله تعالى:" وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح
فإن آنستم  منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"الخامسة: والنهي عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن نهي عام ومطلق لكل مراحل حياة اليتيم وهو في سن قبل البلوغ وبعده
المسألة السابعة :وقد وردت الآيات العديدة في القرآن تأمر برعاية اليتيم والمحافظة على ماله ورعايته جسديا ومعنويا م ومنها سورة الضحى التي حددت معالم رعاية اليتيم التي ينبغي أن تحفظ له وهي: أولا: السكن والرعاية بما تشمله هذه الكلمة من معان كالرعاية الصحية والسكنية وغيرهما ،جاء هذا في قوله تعالى" ألم يجدك يتيما فآوى، ثانيا: الرعاية النفسية والمعنوية ، جاء هذا في قوله تعالى" فأما اليتيم فلا تقهر" وفي قراءة"فلا تكهر" ، ثالثا: الرعاية المادية جاء هذا في قوله تعالى" ووجدك عائلا فأغنى" والعائل هو الفقير ، رابعا: التربية والتعليم ، جاء هذا في قوله تعالى" ووجدك ضالا فهدى"
المسألة الثامنة: وفي السنّة القولية والعملية الكثير مما يدل على الاهتمام باليتيم ورعايته وهذه غيض من فيض: َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ). وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا قَعَدَ يَتِيمٌ مَعَ قَوْمٍ عَلَى قَصْعَتِهِمْ فَيَقْرَبَ قَصْعَتَهُمُ الشَّيْطَانُ). وعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا... إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يُغْنِيَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ أَلْبَتَّةَ إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لَا يُغْفَرُ ...."
المسألة التاسعة : وبناء على ما سبق بيانه نستنج أمورا أهمها:
أولا: وجوب رعاية كل ضعيف ومساعدته كاليتيم وغيره ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ":إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة"
ثانيا:حرمة أكل مال التيتم والتصرف فيه بغير تنميته له وعليه فلا ينبغي استغلال أموال اليتامى في المصالح الشخصية كالاستقراض أو شراء ما لهم من مال كعقار أوغيره بأبخس الأثمان ....
ثالثا: من اعتدى على أموال اليتامى والضعفاء فخصمه الله تعالى ومن كان خصمه الله تعالى هلك لا محالة فالحذر الحذر قبل فوات الأوان...
رابعا:  رعاية الأيتام في بلادنا فيها تقصير واضح فاليتيم  في دور الأيتام ينبغي أن يعطى حقه من الرعاية بمفهومها الشامل الجسدية والعقلية والتربوية والأمنية  والنفسية والاجتماعية ومع هذه الملاحظة فلا ننقص من الجهود المقدمة للأيتام في دور الأيتام ...
خامسا: في النهي عن قرب مال اليتيم بغير وجه حق نهي وتحريم من الاقتراب من كل مال بغير وجه مشروع...
والحمد لله رب العالمين
 
 

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

خطبة الجمعة مكتوبة 2/12/2016 انحباس المطر

خطبة الجمعة
انحباس المطر 2/12/2016

الحمد لله  رب العالمين ،سبحانه بيده مقاليد الأمور ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد، ونشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى  التابعين وأتباعهم إلى يوم الدين..    أما بعد ، أيها المسلمون:
في مثل هذه الأجواء الماطرة الباردة نتذكر إخواننا في سوريا وفي العراق وفي غيرها من بلاد المسلمين الذين شردوا من بلادهم وأخرجوا من ديارهم وهم يعيشون في الخيام وبلا مأوى يكنّهم من البرد والمطر ، أولئك أبناء ديننا إذا جاعوا جعنا معهم
 
وإذا عطشوا عطشنا معهم ، وإذا  أصابهم القرّ والبرد بردنا معهم ، نشكو إلى الله من ظلمهم ، وندعو المسلمين إلى نصرتهم ورفع الظلم عنهم ، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل لمن يحرق أطفالهم  ونساءهم وعجائزهم ،وحسبنا الله ونعم الوكيل لمن يدمر بيوتهم عليهم وحسبنا الله  ونعم الوكيل لمن يتكالب عليهم ، (والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأرض والله على  كل شيء شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق )
يا مؤمنون يا مسلمون : ... اعجبوا معي فإن الله سبحانه ينزل الماء من السماء رحمة بالبهائم التي لا تعقل ولم تذنب ، يقول صلى الله عليه وسلم :( ولولا البهائم لم يُمَطروا ) ، فغيث السماء  لا ينزل من أجل من يسفك الدماء ، وغيث السماء لا ينزل لمن لا يحتكم إلى شرع الله ، وغيث السماء لا ينزل  للزناة وأكلة الربا و غيث السماء لا ينزل  لمن يعتدي على شعائر المسلمين ويعمل على منعها ، وغيث السماء لا ينزل من أجل العصاة ، سبحانك ربي سبحانك البهائم لها وزنها في ميزانك والعصاة المجرمون لا وزن لهم عندك فهذا أنت تقول :" لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون"، فاللهم إنا نعتذر إليك من معصية العاصين ونعتذر إليك من ضلال الضالين ، ونبرأ إليك من كفر الكافرين
 
 
ومن شرك المشركين ، ونبرأ إليك من شؤم المعاصي التي تصيب البهائم من غير ذنب أذنبته ، فالحبارى تموت في وكرها من ظلم الظالم،و البهائم تلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدت السنن تقول: "من شؤم معصية بني آدم" ، فاللهم اجعل ما ينزل من السماء غيثا ولا تجعله مطرا ، واجعله سقيا رحمة لا سقيا عذاب... يا عباد الله:
أمران بسببهما يمنع الله القطر من السماء ويكون الجدب والجوع ،نقص المكيال والميزان ، ومنع الزكاة فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين ، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن ،  وذكر منها: "لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم يَنْقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا "... يا مسلمون:
نقص المكيال والميزان له عقوبات ثلاث ، الأخذ بالسنين ، وشدة المؤنة  ، وجور السلطان ، ونقص المكيال والميزان هو التطفيف, فإن كان الأمر لك استوفيت حقك كاملا, وإن كان الأمر لغيرك بخسته حقه  ، والتطفيف الذي هو نقص المكيال والميزان لا يقتصر على البيع والشراء بل يشمل كل تطفيف ،وقد توعد الله المطففين بالويل وهو عذاب في جهنم فقال :" ويل للمطففين"
فالتزوير والاختلاس ، وغش الناس في معاملاتهم  تطفيف
 
 
 ونقص من المكيال والميزان ، وإنقاصك من صلاتك ووضوئك وعدم إتمامهما نقص من المكيال والميزان ، وتقصيرك في تربية أولادك وتأديب زوجتك وعدم إحسانك  في وظيفتك وصنعتك إنقاص من المكيال والميزان ، وهذه  بعض الأمثلة وقيسوا عليها أعمالكم كلها ، فإنقاص المكيال والميزان ديدن الناس جميعا في هذا الزمان فكيف يمطروا ويغاثوا بماء السماء ؟؟؟  يا مؤمنون: وأما منع الناس زكاة أموالهم فهو السبب الثاني في الجدب وحبس السماء ماءها وخيرها ،قال صلى الله عليه وسلم : (ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء)، ولو أخرج أغنياء المسلمين في العالم زكاة أموالهم كما أمر الله وأعطوها لفقراء المسلمين لما وجدنا فقيرا ولا عائلا فيهم ، بل وأقول أصرح من ذلك لو أخرج تجار الخليل ونابلس وأغنيائها زكاة أموالهم كما شرع الله لأغنت كثيرا من أبناء شعبنا ، ولو قلت لأغنت فقراء شعبنا في فلسطين لما تجاوزت الصواب ، فكيف ينظر ربنا إلينا برحمته، ويمنّ علينا بنصره ؟1 " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"...عباد الله :... التوبة من هذه المعاصي وغيرها  والاستغفار بقلوب صادقة ، رجاء الرحمة ونزول الغيث سبيل إلى نزول الغيث من السماء بفضل الله ورحمته ، كما قال سبحانه وتعالى على لسان نوح عليه السلام: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا" فاستغفروا الله وتوبوا إليه من المعاصي كلها, وليس الاستغفار باللسان فحسب, وإنما الاستغفار بالأفعال, فأقلعوا عن المعاصي, ثم استغفروا الله عز وجل,فتوبوا إلى الله من تضييع الصلوات والأمانات
 
ومن انتهاك المحرمات ومن المعازف وعلو أصواتها في بيوتكم وحاراتكم وأسواقكم وأعراسكم ، وتوبوا من الدياثة وترك الغيرة على الأعراض ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات ، وحذار حذار من عقاب الله فإنه ينزل فيصيب العاصين لمعاصيهم والصالحين لسكوتهم ورضاهم قال  الله تعالى)) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(( .. يا  مؤمنون: قرأ  عبد الله بن مسعود: ((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا))؛ فقال: (كاد الجُعَل يعذَّب في حجره بذنب ابن آدم)  فاللهم أغثنا، اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً ، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل. اللهم لتحيي به البلاد، وتغيثَ به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ. اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزلازل والمحن وسوء عن القدس وضواحيها وعن فلسطين كلها وعن بلاد المسلمين يا رب العالمين. عباد الله :حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سوء آثار المعصية فقال: "إياك والمعصيةَ، فإن بالمعصية حل سخط الله ومن سخط الله حبس المطر فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل, وأفاض عليهم النعمة ، وكتب على نفسه الرحمة ، وضمّن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه, والصلاة والسلام على نبينا محمد ، إمام المتقين وقائد الغُرّ الميامين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد أيها المسلمون:
 بعض الناس لا يعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول المطر وقد سمعت بعضهم يقول : المطر ينزل بجنون ، وهذا جهل فعند نزول المطر  يستحب الدعاء والذكر فقد كان صلى الله عليه وسلم
إذا رأى المطر قال ( اللهم صيبا (  اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق )  وعن سهل بن سعد  رضي الله عنه  عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال : ( الدعاء لا يرد عند النداء وعند البأس وتحت المطر ) وإذا سُمع  المسلم الرعد  يقول:" ( اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك )  وإذا هاجت الريح يدعو المسلم ربه قائلا:( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به"
أيها المؤمنون: إن واجب المسلمين وحقهم عليكم عند نزول المطر وسوء الأحوال الجوية أن تكونوا إلى جانبهم فما أعظمَ الأجرَ الذي ينالُه مَن يسعى في قضاء حاجة المسلمين  ، ويفرج كُرَبهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَنْ فَرَّج عن مسلم كربةً، فرَّج الله عنه بِها كربةً من كرَب يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة"، وقال  الحسن بن علي رضي الله عنهما :" نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغارم، واعلموا أن حوائج الناس من نعَم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتكون نقمًا، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أعفى الناس مَن عفا عمن قدر عليه، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين".، فتفقدوا جيرانكم ، وأحسنوا إلى أقاربكم ، واقتربوا من إخوانكم ، وكونوا عباد الله إخوانا كي ترحمون ويغفر لكم وتفوزون بالجنة التي عرفها لكم...
 
 اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا,
 وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا يا أرحم الراحمين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين اللهم ليس لهم إلا أنت يا قوي يا عزيز اللهم انصرهم على من ظلمهم وعاداهم، اللهم عليك بالكفرة الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، ،اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ. صدق الله العظيم 


 

خطبة الجمعة 2/12/2016م لفضيلة الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي من المسجد الأقصى المبارك


خطبة الجمعة 2/12/2016م لفضيلة الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي من المسجد الأقصى المبارك





من فقه القرآن : الوصايا العشر (6)


من فقه القرآن
الوصايا العشر (6)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
قال الله تعالى في سورة الأنعام :"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "
 فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: بعد أن نهى الله تعالى من الاقتراب من الفواحش الظاهرة والباطنة أعقب ذلك بالنهي عن قتل النفس المحرمة بغير حق ، ليدل على أن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق  فاحشة عظيمة سواء أكانت ظاهرة أو باطنة وخفيّة .
 المسألة الثانية: خصّ الله تعالى قتل النفس المحرمة بغير حق بالذكر في الآية دون سائر الفواحش إعلاما للناس بخطورة هذه الفاحشة وعظم فسادها على الأفراد والمجتمع الإنساني.
 المسألة الثالثة:  الألف  واللام في قوله تعالى ( النفس)  لبيان الجنس ، وفي هذا فائدة بيانية وهي لتفيد الاستغراق وبهذا يحرم قتل كل نفس حرّم الله قتلها مؤمنة كانت أو كافرة مثل المعاهد والمستأمن من غير المسلمين.
المسألة الرابعة: قوله تعالى ( إلا بالحق يشمل أمور عديدة منها الثيّب الزاني  وقاتل النفس والمرتد ومانع الزكاة وتارك الصلاة ، وهذا القتل لا يكون إلا لإمام المسلمين عندما يكون للمسلمين دولة تحكمهم بشريعة الإسلام ، ومن الأدلة على أن من ذكرتهم هم من الذين يقتلون بالحق  قوله صلى الله عليه وسلم :" (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) وَقَدْ قَاتَلَ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ " وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ".
 المسألة الخامسة: قوله تعالى :" ذلكم وصاكم" إشارة إلى المحرمات التي أوصى الله المسلمين اجتنابها ، والموصي هو الله تعالى والموصى به ما تم التأكيد عليه وهو مقدور على فعله أو اجتنابه  .
 المسألة السادسة: قوله تعالى :" التي حرّم الله" تأكيد على التحريم أنه قديم حرمه الله  في عهد آدم وليس من التحريم الطارىء وهذا أبلغ في  ردع وزجر النفوس عن فعله أو التجرىء عليه.
المسألة السابعة:" وفي قوله تعالى :" حرّم" إشارة إلى أن للنفس حرمة يجب أن تصان ، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير:" وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى: حَرَّمَ اللَّهُ جَعَلَهَا اللَّهُ حَرَمًا أَيْ شَيْئًا مُحْتَرما لَا يعتدى عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها.وَفِي الْحَدِيثِ: «وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا».
 المسألة السابعة: قوله تعالى :" إلا بالحق" دل على أن قتل النفس المحرم قتلها هو من الباطل وأن الحق أن تحفظ وصان من القتل بأي صورة كانت.
المسألة الثامنة : قوله تعالى :" لعلكم تعقلون " فيه فوائد وهي:
 الفائدة الأولى: الرجاء في أن يعقل المكلفون فيصيروا ذوي عقول لأن العاقل لا يقتل أو يشارك في هذه الجريمة. الفائدة الثانية: أن من قتل  بغير حق كان تافها وخسيسا خسته تكمن في فقدانه للعقل  حين ارتكابه فاحشة القتل.
 
المسألة التاسعة : قوله تعالى "به" الضمير فيه يرجع إلى جميع ما ذكر من المحرمات في الآية الكريمة .
 المسألة العاشرة : قتل النفس المحترمة شرعا  يقابلها حفظ النفس ، وحفظ النفس من الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع كلها تدعو إلى حفظها ، وهي من أعظم مقاصد الدين بل هي أول مقاصده ، فبها يحفظ الدين وتقوم الملة ، وقد شرع الإسلام أحكاما لحفظها وإيجادها  وشرع عقوبات لمن يعتدي عليها ، والشريعه زاخرة بآيات وأحاديث شريفة وسنن ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد حق النفس بالحياة وحرمة الإعتداء عليها بغير حق .
المسألة الحادية عشرة: إذا علمنا ذلك كله وجب علينا كمسلمين مسؤولية عظيمة إزاء ما يجري في بلادنا من قتل على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي والدولي ، ويحرم السكوت على منكر سفك الدماء المسلمة المستضعفة من الولدان والنساء وغيرهم .وذلك بالعمل على تغيير هذا المنكر الفاحش .....
والحمد لله رب العالمين
 

 

من فقه القرآن : الوصايا العشر (5)


من فقه القرآن
الوصايا العشر (5)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
 قال الله تعالى :" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن...ألخ الآية )سورة الأنعام :1
 فقه المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية:
المسألة الأولى:  قوله تعالى :" ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " معطوف على ما سبقه ، والفواحش كل ما فحش مما لا يرضاه الله تعالى ، وهي بمعنى أدق "كل الآثام " ، وعليه يكون ما سبق النهي عنه في الآية وما سيأتي النهي عنه فيها يشمله ،فكأن هذا المقطع القرآني هو الأساس لما جاء في الآية من نواه ومحرمات وينطلق منها ، وقد كنت كتبت في تفسير سورتي الحديد والأنفال ووصلت غلى نتيجة أن لكل سورة آية تكون أساسا تنطلق السورة من خلالها بمعانيها وأفكارها ، وهنا أقول : في هذه الآية ما يدل على أن من الآيات ما يكون جزءا منها أساسا لما جاء فيها من معان وأفكار ، وقد يكون هذا فتحا جديدا في التفسير إضافة إلى ما  ذكره علماء التفسير من علوم تتعلق به مثل : علاقة الآيات وعلاقة السور  القرآنية ببعضها.
المسألة الثانية: قوله تعالى :" ولا تقربوا " أبلغ في النهي والتحذير ، لآن القرب من الشيء قد يؤدي إلى الولوج فيه ، والإثم ليس له قرب فدل الكلام بالكناية عن التحذير من فعل الإثم بأقل فعل .
  المسألة الثالثة:  قوله تعالى الفواحش يشمل:
أولا: الآثام الكبيرة ، ثانيا:  الزنا ، ثالثا: كل عمل فحش واشتمل على مفاسد ، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير :" وَالْفَحْشَاءُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ فَحُشَ إِذَا تَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمَعْرُوفَ فِي فِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ وَاخْتُصَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَا تَجَاوَزَ حَدَّ الْآدَابِ وَعَظُمَ إِنْكَارُهُ، لِأَنَّ وَسَاوِسَ النَّفْسِ تَئُولُ إِلَى مَضَرَّةٍ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَتْلِ الْمُفْضِي لِلثَّأْرِ أَوْ إِلَى سَوْأَةٍ وَعَارٍ كَالزِّنَا وَالْكَذِبِ".
المسألة الرابعة: قوله تعالى :" ما ظهر منها وما بطن " فيه عدة أقوال وهي:
 القول الأول: الفواحش التي يظهرها مرتكبوها ولا يستخفون منها مثل الغضب والقذف ، والفواحش التي يفعلها مرتكبها وهو يخفيها مثل السرقات والزنا .
 القول الثاني: الفواحش الظاهرة التي يفعلها السفهاء والفسقة في أماكن الفحش كالمقاهي والبارات ، والفواحش الباطنة المقصود بها اتخاذ الزانيات صديقات في السر .
 القول الثالث: بعض أهل الجاهلية كان يرى الزنا حلالا في السر ويراه قبيحا في العلن.فأنزل الله تعالى تحريم الزنا في السر والعلن.
القول الرابع: الفواحش الظاهرة جميع أنواع المعاصي ، والفواحش الباطنة ما عقد عليها صاحبها قلبه
 المسألة الخامسة: . الامتناع عن فعل الفواحش في العلن واقترافها في السر من قبائح الصفات وضعف الإيمان والرياء .
المسألة السادسة:  ونخلص مما سبق بيانه إلى ما يلي:
 أولا: الفاحشة: كل ما هو قبيح من الأقوال والأفعال  ومنه قول النبي صلي الله عليه وسلم لعائشة حين ردت على اليهود الذين دخلوا على النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا محمد- يعنون بالسام: الموت- فقال لهم النبي صلي الله عليه وسلم : "وعليكم". فقالت عائشة رضي عنها: "عليكم السام واللعنة وغضب الله عليكم". فقال لها النبي صلي الله عليه وسلم: "لا تقولي ذلك يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفاحش".
ثانيا: كل ما كثر وازداد يوصف بالفحش ، وعليه مهما كان الإثم صغيرا فهو فاحشة وكبير.
 ثالثا: وإذا  كان الزنا فاحشة ومن أعظم الفواحش فإن مقدماته من التبرج والعري  والاختلاط والمجون من الفواحش الظاهرة التي حرمها الله ويغب من فاعلها.
رابعا: الفاحشة من صنيع الشيطان ومن فعله ومن تزيينه  كما قال تعالى: [يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين *إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون]  وقال أيضا  : [الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم] .
 خامسا : جاءت الوصية والأمر بطاعة الله تعالى والنهي عن الفحشاء في آية جامعة وهي قوله تعالى:" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون".
سادسا: ومن الغيرة على النفس والدين أن لا يقرب المسلم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وفي الحديث الشريف :"  عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم : "لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش وما أحد أحب إليه المدح من الله" . وإذا علمنا هذا وجب على كل منا أن يكون غيورا فلا يرتكب فاحشة ظهرت أو بطنت.
سابعا: يجب التوبة النصوح من  كل فاحشة  وهذا ما  دعا الله تعالى إليه  فقال:"   [والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون] .
والحمد لله رب العالمين


 

الجمعة، 11 نوفمبر 2016

من فقه القرآن : الوصايا العشر (3)


من فقه القرآن
الوصايا العشر (3)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
 الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

قال الله تعالى :" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم وبالوالدين إحسانا...."سورة الأنعام :151
 فقه المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية:
 المسألة الأولى: قوله تعالى " وبالوالدين إحسانا " معطوف على جملة "ألا تشركوا به شيئا" ، وفائدة العطف تظهر في الآتي:
 أولا: لأن إيجاد الإنسان من  عدم أعظم نعم الله تعالى على العبد فوجب توحيده التوحيد الخالص من الشرك شكرا على نعمة الإيجاد التي هي أساس النعم ، ولما كان الأب والأم سببين في إيجاد الابن  اقتضى العطف ليقوم الإبن بنعمة شكر أبويه اللذين كانا سببين في إيجاده .
ثانيا: لأن الله تعالى يستحق العبادة والشكر والحمد لتربيته العباد بنعمه الجمّة التي لا تعد ولا تحصى كما قال سبحانه :" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا أحصي ثناء عليك" ، فاقتضى العطف لأن الأبوين يحفظان الولد بحضانته وتربيته والشفقة عليك وتدبير شؤؤنه كلها فوجب على هذا الولد  أن يقابل الإحسان بالإحسان ، كما وجب على العبد أن يقابل تربية الله له  بالنعم بالعبادة والتوحيد.
ثالثا: لما كان أكثر العرب في الجاهلية يشركون بالله تعالى في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته ، ولما كانوا يتصفون بالجلافة  والغلظة مع آبائهم فلا يوقرون أبا أو أما إذا ضعفا أو كبرا ، عطف الله الأمر بالإحسان إلى الوالدين بالنهي عن الشرك به .
رابعا: لبين الله تعالى كما أن الشرك به كبيرة من الكبائر ومن أعظم الذنوب فإن الإساءة إلى الوالدين تضاهي الشرك بالله في عظم الذنب والمعصية  وذلك ليكون أدعى إلى اجتنابه .
  المسألة الثانية: قوله سبحانه " إحسانا" مصدر ناب مناب الفعل ، وعليه يكون المعنى: أحسنوا بالوالدين إحسانا ، وفي هذا نكتة بيانية وهي أن الأمر بالإحسان إلى الوالدين يفيد النهي عن ضده وهو الإساءة إليهما فكانت الإساءة إلى الوالدين هي المقصودة بالتحريم ، قال المفسرون:" وإنما عدل عن الإساءة غلى الأمر بالإحسان اعتناء بالوالدين لأن الله سبحانه أراد برهما ، وبرهما إحسان ، والأمر بالإحسان يتضمن النهي عن الإساءة إليهما بطريق فحوى الخطاب" .
 
المسألة الثالثة: وكما ترى أخي القارىء الكريم فقد ذكرت الآية الإحسان إلى الوالدين ضمن المحرمات لأنه كما أشرت سابقا الأمر بالشيء نهي عن ضده ، قال أبو السعود في تفسيره:" والسر في ذلك المبالغة والدلالة على أن ترك الإساءة إليهما غير كاف في قضاء حقوقهما " .
 
 المسألة الرابعة: والوصية الثانية من الوصايا العشر هي الوصية بالوالدين ،والإحسان إلى الوالدين أيها الابن الحبيب لا يكون إحسانا إلا إذا اتصف بصفات وهي:
أولا : أن يكون إحسانا شاملا لكل إحسان فإن كان إحسانا ناقصا كان الولد مسيئا لأبويه ،فإحسان الأبوين  إلى الولد كان تاما وشاملا ويدل على هذا أن الولد كان لا يستقل بشؤون نفسه  فكان إحسان أبويه له كاملا حينئذ ، والإحسان يقابل بالإحسان فمن أنقص منه شيئا كان مسيئا.
ثانيا: ألا يتوانى الولد أو يتكاسل أو يبخل بجهده في بذل إحسانه لوالديه فإن فعل شيئا من ذلك كان إحسانه لهما ناقصا .
ثالثا:أن يترك كل إساءة لوالديه مهما ظنها صغيرة فإن الله تعالى يقول :" ولا تقل لهما أف" وهي أقل الإساءات وهو منهي عنها ،فإن أساء الولد لوالديه أي إساءة كانت لم يكن محسنا  إليهما.
 رابعا: ولن تكون محسنا حقا لأبويك حتى يكون الإحسان منك إليهما فطرة أعني أن يكون الإحسان منك إلى أبويك سجيّة وخلقا فيك لا تكلف فيه ، فإن كان فيه تكلف فقد يحصل منك من غير رضا ولا نيّة فكيف تؤجر عليه حينئذ وكيف تكون طائعا لله في والديك بالإحسان إليهما وأنت تحسن إليهما مكرها ؟؟؟
 
المسألة  الخامسة: والإحسان في لغة العرب يتعدى بحرفين الأول: الباء تقول: أحسن بعلي مثلا ، ويتعدى بإلى  تقول: أحسن إلى عليّ، وتعدية الإحسان بالباء أبلغ في لغة العرب ، وقد تعدى في الآية الكريمة بالباء لسببين ،الأول : لأنه أبلغ كما قلنا ، والثاني لأنه أليق بالأبوين لأن الباء للإلصاق ، فأبواك اللذان تحسن  بهما هما من يتصل بهما برك و تلتصق بهما مباشرة من غير انفصال عنك ، قال محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار :" وَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِي التَّنْزِيلِ إِلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وَلَوْ غَيْرَ مُكَرَّرٍ لَكَفَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِ عِنَايَةِ الشَّرْعِ بِأَمْرِ الْوَالِدَيْنِ، بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الصِّيغَةُ وَالتَّعْدِيَةُ، فَكَيْفَ وَقَدْ قَرَنَهُ بِعِبَادَتِهِ وَجَعَلَهُ ثَانِيهَا فِي الْوَصَايَا، وَأَكَّدَهُ بِمَا أَكَّدَهُ بِهِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ، كَمَا قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ فِي وَصِيَّةِ سُورَةِ لُقْمَانَ فَقَالَ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) .
 
المسألة السادسة: ويستفاد مما ذكرناه آنفا عدة فوائد أهمها:
 أولا: أن الواجب على الأبوين وبخاصة الأب أن يربيا ابنهما على حبهما فيكبر طائعا لهما ومحسنا إليهما عن حب ، وما نراه من قسوة بعض الآباء على الأبناء في الصغر بحجة أن لهما عليه حق الطاعة غير مقبول لا شرعا ولا عرفا ، وعلى سبيل المثال بعض الآباء  يحبس ابنه في البيت فلا يسمح له بالخروج إلا إلى المدرسة ، وبعض النساء تمنع الأولاد من شرب الشاي وكافة المشروبات خوفا عليهم  من الأمراض ، وبعض الآباء يضرب ابنه ضربا مبرحا بذريعة أنه يريد تربيته ،وهذا كله يجعل الولد عاقا في كبره والمسؤولية وقتئذ على الأبوين لا على الولد.
                                                          
ثانيا: على الأولاد أن يستحضروا في نفوسهم وفي قلوبهم وفي واقعهم  أن الإحسان إلى الأبوين عبادة يؤجرون عليها إن  هم قاموا بها خير قيام ، ويعاقبون على تركها إن هم قصروا فيها ، فكما أن توحيد الله تعالى وعدم الشرك به من أعظم العبادات فكذلك الإحسان إلى الوالدين  .
 
ثالثا : مهما أحسن الولد إلى أبويه فإحسانه لهما لا يكافىء  إحسانهما  إليه ، وإذا علم الولد هذا المر وجب عليه ألا يتوانى أبدا في الإحسان إلى أبويه.
 
رابعا: لا تقدم أيها الولد طاعة زوجتك على طاعة أمك أو أبيك إذا كان في ذلك إيذاء  لهما ، وعلم زوجتك  حب أبويك والإحسان إليهما من غير إكراه فذاك أدعى إلى استجابتها إلى الإحسان إليهما والرفق بهما ، واعلم أنك أنت المأمور بالإحسان إلى أبويك وأن زوجتك مأمورة بالإحسان إليك ولا يتم ذلك إلا بالإحسان إلى أبويك ، وكما تريد من زوجتك الإحسان إلى أبويك فأحسن إلى أبويها ،  وبدل أن يكون لك أو لزوجتك أما واحدة  أو أبا واحدا ، فاجعلاهما أبوين أو أمّين حتى يعين كل منكما صاحبه على بر أبويه ، ومن الإحسان إلى أمّك أيها الولد إذا كنت متزوجا أن تعرّفها أنك أنت القوّام على زوجتك لا أمك ، وأنك أنت المؤول عن زوجتك لا هي ، فلكل منزلة و مقام لا ينبغي تجاوزه داخل الأسرة الممتدة  ليظل الإحسان يزين كل فرد فيها ..
والحمد لله رب العالمين
 

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More