تعديل

الجمعة، 11 نوفمبر 2016

من فقه القرآن : الوصايا العشر (3)


من فقه القرآن
الوصايا العشر (3)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
 الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

قال الله تعالى :" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم وبالوالدين إحسانا...."سورة الأنعام :151
 فقه المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية:
 المسألة الأولى: قوله تعالى " وبالوالدين إحسانا " معطوف على جملة "ألا تشركوا به شيئا" ، وفائدة العطف تظهر في الآتي:
 أولا: لأن إيجاد الإنسان من  عدم أعظم نعم الله تعالى على العبد فوجب توحيده التوحيد الخالص من الشرك شكرا على نعمة الإيجاد التي هي أساس النعم ، ولما كان الأب والأم سببين في إيجاد الابن  اقتضى العطف ليقوم الإبن بنعمة شكر أبويه اللذين كانا سببين في إيجاده .
ثانيا: لأن الله تعالى يستحق العبادة والشكر والحمد لتربيته العباد بنعمه الجمّة التي لا تعد ولا تحصى كما قال سبحانه :" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا أحصي ثناء عليك" ، فاقتضى العطف لأن الأبوين يحفظان الولد بحضانته وتربيته والشفقة عليك وتدبير شؤؤنه كلها فوجب على هذا الولد  أن يقابل الإحسان بالإحسان ، كما وجب على العبد أن يقابل تربية الله له  بالنعم بالعبادة والتوحيد.
ثالثا: لما كان أكثر العرب في الجاهلية يشركون بالله تعالى في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته ، ولما كانوا يتصفون بالجلافة  والغلظة مع آبائهم فلا يوقرون أبا أو أما إذا ضعفا أو كبرا ، عطف الله الأمر بالإحسان إلى الوالدين بالنهي عن الشرك به .
رابعا: لبين الله تعالى كما أن الشرك به كبيرة من الكبائر ومن أعظم الذنوب فإن الإساءة إلى الوالدين تضاهي الشرك بالله في عظم الذنب والمعصية  وذلك ليكون أدعى إلى اجتنابه .
  المسألة الثانية: قوله سبحانه " إحسانا" مصدر ناب مناب الفعل ، وعليه يكون المعنى: أحسنوا بالوالدين إحسانا ، وفي هذا نكتة بيانية وهي أن الأمر بالإحسان إلى الوالدين يفيد النهي عن ضده وهو الإساءة إليهما فكانت الإساءة إلى الوالدين هي المقصودة بالتحريم ، قال المفسرون:" وإنما عدل عن الإساءة غلى الأمر بالإحسان اعتناء بالوالدين لأن الله سبحانه أراد برهما ، وبرهما إحسان ، والأمر بالإحسان يتضمن النهي عن الإساءة إليهما بطريق فحوى الخطاب" .
 
المسألة الثالثة: وكما ترى أخي القارىء الكريم فقد ذكرت الآية الإحسان إلى الوالدين ضمن المحرمات لأنه كما أشرت سابقا الأمر بالشيء نهي عن ضده ، قال أبو السعود في تفسيره:" والسر في ذلك المبالغة والدلالة على أن ترك الإساءة إليهما غير كاف في قضاء حقوقهما " .
 
 المسألة الرابعة: والوصية الثانية من الوصايا العشر هي الوصية بالوالدين ،والإحسان إلى الوالدين أيها الابن الحبيب لا يكون إحسانا إلا إذا اتصف بصفات وهي:
أولا : أن يكون إحسانا شاملا لكل إحسان فإن كان إحسانا ناقصا كان الولد مسيئا لأبويه ،فإحسان الأبوين  إلى الولد كان تاما وشاملا ويدل على هذا أن الولد كان لا يستقل بشؤون نفسه  فكان إحسان أبويه له كاملا حينئذ ، والإحسان يقابل بالإحسان فمن أنقص منه شيئا كان مسيئا.
ثانيا: ألا يتوانى الولد أو يتكاسل أو يبخل بجهده في بذل إحسانه لوالديه فإن فعل شيئا من ذلك كان إحسانه لهما ناقصا .
ثالثا:أن يترك كل إساءة لوالديه مهما ظنها صغيرة فإن الله تعالى يقول :" ولا تقل لهما أف" وهي أقل الإساءات وهو منهي عنها ،فإن أساء الولد لوالديه أي إساءة كانت لم يكن محسنا  إليهما.
 رابعا: ولن تكون محسنا حقا لأبويك حتى يكون الإحسان منك إليهما فطرة أعني أن يكون الإحسان منك إلى أبويك سجيّة وخلقا فيك لا تكلف فيه ، فإن كان فيه تكلف فقد يحصل منك من غير رضا ولا نيّة فكيف تؤجر عليه حينئذ وكيف تكون طائعا لله في والديك بالإحسان إليهما وأنت تحسن إليهما مكرها ؟؟؟
 
المسألة  الخامسة: والإحسان في لغة العرب يتعدى بحرفين الأول: الباء تقول: أحسن بعلي مثلا ، ويتعدى بإلى  تقول: أحسن إلى عليّ، وتعدية الإحسان بالباء أبلغ في لغة العرب ، وقد تعدى في الآية الكريمة بالباء لسببين ،الأول : لأنه أبلغ كما قلنا ، والثاني لأنه أليق بالأبوين لأن الباء للإلصاق ، فأبواك اللذان تحسن  بهما هما من يتصل بهما برك و تلتصق بهما مباشرة من غير انفصال عنك ، قال محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار :" وَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِي التَّنْزِيلِ إِلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وَلَوْ غَيْرَ مُكَرَّرٍ لَكَفَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِ عِنَايَةِ الشَّرْعِ بِأَمْرِ الْوَالِدَيْنِ، بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الصِّيغَةُ وَالتَّعْدِيَةُ، فَكَيْفَ وَقَدْ قَرَنَهُ بِعِبَادَتِهِ وَجَعَلَهُ ثَانِيهَا فِي الْوَصَايَا، وَأَكَّدَهُ بِمَا أَكَّدَهُ بِهِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ، كَمَا قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ فِي وَصِيَّةِ سُورَةِ لُقْمَانَ فَقَالَ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) .
 
المسألة السادسة: ويستفاد مما ذكرناه آنفا عدة فوائد أهمها:
 أولا: أن الواجب على الأبوين وبخاصة الأب أن يربيا ابنهما على حبهما فيكبر طائعا لهما ومحسنا إليهما عن حب ، وما نراه من قسوة بعض الآباء على الأبناء في الصغر بحجة أن لهما عليه حق الطاعة غير مقبول لا شرعا ولا عرفا ، وعلى سبيل المثال بعض الآباء  يحبس ابنه في البيت فلا يسمح له بالخروج إلا إلى المدرسة ، وبعض النساء تمنع الأولاد من شرب الشاي وكافة المشروبات خوفا عليهم  من الأمراض ، وبعض الآباء يضرب ابنه ضربا مبرحا بذريعة أنه يريد تربيته ،وهذا كله يجعل الولد عاقا في كبره والمسؤولية وقتئذ على الأبوين لا على الولد.
                                                          
ثانيا: على الأولاد أن يستحضروا في نفوسهم وفي قلوبهم وفي واقعهم  أن الإحسان إلى الأبوين عبادة يؤجرون عليها إن  هم قاموا بها خير قيام ، ويعاقبون على تركها إن هم قصروا فيها ، فكما أن توحيد الله تعالى وعدم الشرك به من أعظم العبادات فكذلك الإحسان إلى الوالدين  .
 
ثالثا : مهما أحسن الولد إلى أبويه فإحسانه لهما لا يكافىء  إحسانهما  إليه ، وإذا علم الولد هذا المر وجب عليه ألا يتوانى أبدا في الإحسان إلى أبويه.
 
رابعا: لا تقدم أيها الولد طاعة زوجتك على طاعة أمك أو أبيك إذا كان في ذلك إيذاء  لهما ، وعلم زوجتك  حب أبويك والإحسان إليهما من غير إكراه فذاك أدعى إلى استجابتها إلى الإحسان إليهما والرفق بهما ، واعلم أنك أنت المأمور بالإحسان إلى أبويك وأن زوجتك مأمورة بالإحسان إليك ولا يتم ذلك إلا بالإحسان إلى أبويك ، وكما تريد من زوجتك الإحسان إلى أبويك فأحسن إلى أبويها ،  وبدل أن يكون لك أو لزوجتك أما واحدة  أو أبا واحدا ، فاجعلاهما أبوين أو أمّين حتى يعين كل منكما صاحبه على بر أبويه ، ومن الإحسان إلى أمّك أيها الولد إذا كنت متزوجا أن تعرّفها أنك أنت القوّام على زوجتك لا أمك ، وأنك أنت المؤول عن زوجتك لا هي ، فلكل منزلة و مقام لا ينبغي تجاوزه داخل الأسرة الممتدة  ليظل الإحسان يزين كل فرد فيها ..
والحمد لله رب العالمين
 

الجمعة، 4 نوفمبر 2016

من فقه القرآن : الوصايا العشر (2)


من فقه القرآن
الوصايا العشر(2)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

  قال الله تعالى :" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا.....ألخ"
فقه هذا المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية:
المسألة الأولى:قلنا هذه  الوصايا التي أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأمر رسله من قبل بتلاوتها على مسامع المكلفين لأن بها نظام حياتهم وعقد وجودهم وبدونها يخلعون ثوب الإنسانية وعباءة التكريم لهم بوصفهم بشرا مكرمين من الله تعالى .
المسألة الثانية : والوصية في لغة العرب هي أن تتقدم إلى غيرك طالبا منه العمل قارنا طلبك له بالوعظ ،وقد جاءت الوصية في القرآن الكريم للناس بصور عديدة ،فأحيانا جاءت عامة للمسلمين وغيرهم من أهل الكتاب مثل قوله تعالى :" ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " ، وأحيانا جاءت خاصة للمؤمنين مثل :" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين"....
المسألة الثالثة: فالوصية تكون بين طرفين الموصي والموصى له ، والعادة في الوصية أن الموصى له منتفع بها دائما سواء كانت وصية مالية أو وصية أدبية ومعنوية أو غير ذلك ، وواجب الموصى له أن يأخذ الوصية على محمل الجدّ والاهتمام وأن يعمل بها كما جاءت ما دامت   لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، هذا إذا كانت الوصية من إنسان  إلى إنسان فكيف إذا كانت الوصية من الله تعالى إلى المخلوق ،فحري حينئذ أن يعضّ عليها بالنواجذ.
المسألة الرابعة: والوصية الأولى من الوصايا العشر هي الوصية بتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك بكل ألوانه وأشكاله فقال سبحانه:" ألا تشركوا به شيئا" ،و كانت هذه الوصية هي أولى الوصايا لأن بالعمل بها يكون الصلاح للناس فهي مفتاحه في الدنيا وهي مفتاح النجاة في الأخرة.
المسألة الخامسة:  وهذه الوصية أصل في خلوص الأعمال لله تعالى وخلوصها من شائبة الرياء وغيرها  ففِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ). وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عن أنس بن مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصُحُفٍ مُخْتَمَةٍ فَتُنْصَبُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ أَلْقُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ وَعِزَّتِكَ مَا رَأَيْنَا إِلَّا خَيْرًا فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- وَهُوَ أَعْلَمُ- إِنَّ هَذَا كَانَ لِغَيْرِي وَلَا أَقْبَلُ الْيَوْمَ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهِي)، وقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي شَرِيكًا فَهُوَ لِشَرِيكِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا مَا خَلَصَ لَهُ وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ فَإِنَّهَا لِلرَّحِمِ وَلَيْسَ لله منها شي ...)
المسألة السادسة:قال القرطبي في تفسيره الجامع :"اذا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ: الشِّرْكُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ وَكُلُّهُ مُحَرَّمٌ وهي:  المرتبة الأولى:اعْتِقَادُ شَرِيكٍ لِلَّهِ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَهُوَ الشِّرْكُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ شِرْكُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).  المرتبة الثانية: اعْتِقَادُ شَرِيكٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْفِعْلِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَوْجُودًا مَا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَقِلُّ بِإِحْدَاثِ فِعْلٍ وَإِيجَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ كَوْنَهُ إِلَهًا . المرتبة الثالثة: الْإِشْرَاكُ فِي الْعِبَادَةِ وَهُوَ الرِّيَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِفِعْلِهَا لَهُ لِغَيْرِهِ. ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ)، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نتذاكر المسيخ الدَّجَّالَ فَقَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عليكم عندي من المسيخ الدَّجَّالِ؟) قَالَ: فَقُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ)، وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أن أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهْوَةً خَفِيَّةً) ،وعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ فَقَالَ: (هُوَ الرَّجُلُ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ يُحِبُّ أَنْ يُجْلَسَ إِلَيْهِ).
المسألة السادسة: وقَالَ سهل بن عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرِّيَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا:أَنْ يَعْقِدَ فِي أَصْلِ فِعْلِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَيُرِيدَ بِهِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ لِلَّهِ، فَهَذَا صِنْفٌ مِنَ النِّفَاقِ وتشكك في الإيمان.   والثاني: إذا دْخلَ فِي الشَّيْءِ لِلَّهِ فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ نَشِطَ.
الثالث:أن يدَخَلَ فِي الْعَمَلِ بِالْإِخْلَاصِ وَيخَرَجَ بِهِ لِلَّهِ فَعُرِفَ بِذَلِكَ وَمُدِحَ عَلَيْهِ وَسَكَنَ إِلَى مَدْحِهِمْ، فَهَذَا الرِّيَاءُ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ سَهْلٌ :قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: الرِّيَاءُ أَنْ تَطْلُبَ ثَوَابَ عَمَلِكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا عَمَلُ الْقَوْمِ لِلْآخِرَةِ. قِيلَ لَهُ: فَمَا دَوَاءُ الرِّيَاءِ؟ قَالَ كِتْمَانُ الْعَمَلِ، قِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ يُكْتَمُ الْعَمَلُ؟ قَالَ: مَا كُلِّفْتَ إِظْهَارَهُ مِنَ الْعَمَلِ فَلَا تَدْخُلْ فِيهِ إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ، وَمَا لَمْ تُكَلَّفْ إِظْهَارَهُ أَحَبُّ أَلَّا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: وَكُلُّ عَمَلٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ فَلَا تَعُدُّهُ مِنَ الْعَمَلِ. وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: مَا هُوَ بِعَاقِلٍ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْرِفَ مَكَانَهُ مِنْ عَمَلِهِ "انتهى  المنقول عن القرطبي"
المسألة السابعة: والشرك في الدين نوعان  الأول: إثبات شريك لله تعالى وذلك أعظم كفر. قال تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ" وقال: "وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً"
وقال: "سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا" . والثاني: الشِّرْكُ الصّغير وهو الرّياء والنّفاق كما قال الله تعالى:"وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«الشّرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النّمل على الصّفا»
المسألة الثامنة : بعد كل ما علمت أخي القارىء الكريم من الشرك وخطورته  يتبين لك أن قوله تعالى :" ألا تشركوا به شيئا جاء  في موضع نصب والمعنى تعالوا أتلو عليكم ألا تشركوا أي أتل عليكم تحريم الإشراك ، وقد تكون منصوبة على الإغراء فيكون المعنى : عليكم ترك الإشراك ، وفي كلا الحالتين فإن المكلف مأمور بالتوحيد ونبذ الشرك بالنهي عنه، تارة وبالإغراء تارة أخرى.
المسألة التاسعة : ويمكننا الخروج بالفوائد الآتية بعد  الذي قدمناه عن الشرك :
 
الفائدة الأولى:الشرك شركان شرك أكبر وهو عبادة غير الله تعالى ، وشرك أصغر والرياء جزء منه ،وكلاهما طريق إلى الخسران وغضب الله على العبد وحرمانه من رحمته ،وقد قال الله تعالى في الحديث القُدسي: ((أنا أغْنَى الشُّركاء عنِ الشرك، مَن عمِل عملاً أشْرَك معي فيه غيري تركتُه وشِرْكه)، فالنجاة باجتناب الشرك بأنواعه كلها.
الفائدة الثانية:من المحرمات المتعلقة بالشرك:زيارة قبور الصالحين والأولياء بقصد التوسل والاستغاثة وهذا شرك أكبر يقع به العوام وبخاصة النساء ،وفي الحديث الشريف:" واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلا بشيء قد كتَبَه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفَّتِ الصُّحُف"، والحلف بغير الله تعالى كالحلف بالشرف والعرض والأم والشوارب والكعبة والنفس وغيرها وقد جاءت عديد الأحاديث تنهى عنها مثل : إن الله ينهاكم أن تحلِفوا بآبائكم، فمَن كان حالفًا فليحلفْ بالله أو ليصمت"
و"من حلف بالأمانة ليس منّا"، ومن المحرمات الشركية تعليق التمائم وهي الخرزات التي يزعم العوام أنها تذهب شر العين والجن والحسد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" من علق تميمة فقد أشرك"، والمحرمات الشركية عديدة السلامة اجتنابها والتحذير منها ...
والحمد لله رب العالمين




Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More