تعديل

الأربعاء، 26 مارس 2025

ليلة القدر

ليلة القدر
رقائق إيمانية
 الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
ليلة القدر هي ليلة مباركة ، قال الله تعالى في سورة الدخان آية "3" : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ)، والليلة المباركة هي ليلة القدر التي نزل فيها القرآن الكريم بوساطة الوحي جبريل عليه السلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن 16/126" : ( ولها أربعة أسماء : الليلة المباركة ، وليلة البراءة ،وليلة الصكّ ، وليلة القدر ، ووصفها بالمباركة لما ينزل فيها على عباده من الخيرات والبركات والثواب ) ، وفي هذه الليلة  المباركة وهي ليلة القدر ، يفرق الله فيها كل أمر حكيم ، كما خبر في الآية الرابعة من سورة الدخان فقال سبحانه : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)،  فليلة القدر هي ليلة العمر كله ، من رزق خيرها فهم مكرم محظوظ ، ومن حرم خيرها فاته الخير الكثير ، وليلة القدر تعني:ليلة الحكم التي يقضي فيها ربنا عز وجل قضاء السنة كلها وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ، قال:نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمع،وقال الحسن في شأن ليلة القدر :"فيها يفرق كل أمر حكيم " : فيها يقضي الله كل أجل وعمل ورزق إلى مثلها ،واختلف العلماء في معنى قوله تعالى"ليلة القدر خير من ألف شهر" على أقوال,قال القرطبي "وأشبه الأقوال بظاهر التنزيل قول من قال:عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر" ،  وقوله تعالى"تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" الصواب من أقوال المفسرين في معنى الآية الكريمة:أن الملائكة في هذه الليلة تتنزل وجبريل معهم وهو "الروح"بإذن ربهم من كل أمر قضاه الله في تلك السنة من رزق وأجل وغير ذلك ، وقوله تعالى"سلام هي حتى مطلع الفجر" أي :أن ليلة  القدر سلام من الشر كله من أولها إلى طلوع الفجر من ليلتها، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء حسبهن فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة " ،ومن الأمور التي يغفل عنها المسلمون اليوم أن التشاجر بينهم والأحقاد والضغائن سبب في رفع الخير والبركة عنهم,فقد روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحي رجلان من المسلمين فقال :"خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحي فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خير لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحيي العشر الأواخر من رمضان ، وهذه هي سنّته التي علينا أن نحرص عليها فعن عائشة رضي الله عنها قالت :" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"، ويستفاد من قول عائشة رضي الله عنها أن النبي  صلى الله عليه وسلم وأسرته كانوا يقومون الليالي العشر من رمضان فعلى رب الأسرة أن يكون قدوة لهم فيشد مئزره أي لا ينشغل بالدنيا ومتاعها من النساء وغيرهن ،ويجتهد في العبادة ، وإذا عرفنا ما تقدم ذكره عن ليلة القدر وفضلها وجب على المسلمين ما يلي: أولا : الإقبال على هذه الليلة بالإحياء ويشمل الإحياء كل عمل صالح من صلاة وتلاوة للقرآن ومدارسة العلم النافع وذكر الله تعالى ثانيا:وعلى المسلمين أن ينتهوا عن المنكرات والمعاصي التي يحدثونها في العشر الأواخر من رمضان وبخاصة في ليلة القدر كالمفرقعات وإضاعة الوقت في القيل والقال والغيبة والنميمة وغير ذلك فإنها بضاعة كاسدة للرجل الفارغ ، ثالثا:ليحرص كل مسلم على الدعاء في ليلة القدر بالخير له وللمسلمين ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة أن تدعوا  قائلة:"اللهم انك عفو تحب العف فاعف عني وهذا دعاء عظيم النفع لأن عفو الله تعالى سبب سعادة المرء في الدنيا والآخرة ، فيا رب انك عفو تحب العفو فاعف عني وعن المسلمين ، رابعا : نرى أهمية الليل في حياة المسلم ، وبخاصة في رمضان ، وعلى  الأخص في ليلة القدر ، فكما أن للمسلم وظيفة في نهاره ، من خلالها يعمر الكون بمنهج الله وطاعته ، فكذلك هذه الوظيفة تشمل ليله ، فاليوم وهو النهار وليلته في حياة المسلم هو للإنتاج ، وللعمل إرضاء الله تعالى ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه  وسلم في رمضان يحيي الليل كله ، ويعزف نفسه عن ملذات الدنيا ، وكذلك في غير رمضان كان ليله صلى الله عليه وسلم للقيام وقراءة القرآن وتلاوته ، ولأهمية الليل في حياة  المسلم فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن السهر في الليل من غير حاجة ملّحة ، ومن غير ضرورة ، ولم تكن ليالي رمضان خاصة للسهرات والغناء وعصيان الله تعالى ، كما رأينا وشاهدنا على وسائل التواصل الاجتماعي ، فهذا كله مخالف لتعاليم ديننا الحنيف ، ومخالف لمقصد الصيام وهو تحقيق التقوى في شهر رمضان ، في ليله ونهاره ، وهذا من كبائر الذنوب التي سوف يسلط الله تعالى على مرتكبيها وعلى من يسكت عنها العذاب الشديد، وما نراه حولنا سينزل بنا إن لم نبادر إلى التوبة :(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)سورة غافر آية " 44" 
والحمد لله رب العالمين

الثلاثاء، 25 مارس 2025

كن رجلا يا رجل

كن رجلا يا رجل
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
 خطيب المسجد الأقصى المبارك
الرجولة صفة إنسانية أناطها الله تعالى بالذكر دون الأنثى ، ليس احتقارا للأنثى ، ولكن لأن من حكمته سبحانه أن خصص لكل من الذكر والأنثى وظائف يقوم بها في حياته من أجل أن يعمرها بشريعة الله تعالى ، وفق هذه الخصائص ، فكان من نصيب الذكر صفة الرجولة ليحمل الرجل أعباءها من التكاليف الشرعية ، فكان الأنبياء والرسل رجالا ، لأنهم أقدر على حمل الرسالة والنبوة ، وكان الالتزام بالصلوات الخمس جماعة في المسجد من نصيب الرجل لأن من خلالها لها دور اجتماعي وإنساني مهم ، وكانت الدعوة بمختلف أشكالها وبكافة أساليبها أليق بالرجل وأنسب لكونه أقدر من ألأنثى عليها ، ولقد خلق الله تعالى الذكر ليكون رجلا ، لأنه أقدر على تحمل المشاق في وقت الأزمات ، ولأن هدف الرجولة بشكل عام هو إعمار الكون بمنهاج الله تعالى ، وإن كانت الأنثى تشاركه في هذا الإعمار ، إلا أن مشاركتها تبقى في حدود أنوثتها التي خلقها الله تعالى عليها ، فلا يغرّ الذكر صفة الرجولة التي امتنّ الله بها عليه ، لأن لها تبعات وأعباء كثيرة ومتعددة ، ومن هنا جاء القرآن الكريم يخبرنا عن الرجولة ، وصفاتها ، ومعالمها ، ووظيفتها ، في عديد الآيات والسور القرآنية ، وعلى سبيل المثال قوله تعالى في سورة النور "37" : (رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ)، فانظر رعاك الله كيف أثنى الله على الرجال لأنهم عرفوا وظيفتهم في الحياة والتي منها إعمار المساجد بالصلاة والذكر وطاعته سبحانه ، وإذا علمت أخي الفاضل أن ذكر الله من الرجال ، والوارد في هذه الآية الكريمة ، يكون في المسجد الأقصى المبارك ، كما ورد هذا التفسير عن الحسن البصري " الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، 12/265" ،غلب على ظنك وأنت تتلو هذه الآيات الكريمة ، أنك أنت أيها المسلم في فلسطين عامة ، وفي بيت المقدس خاصة ، هو المقصود من الخطاب بالذات منها ، وأولى من غيرك من التمثل والعمل بها ، ولهذا ولما سبق ذكره من مواصفات ووظائف للرجل قلت لك في عنوان هذه المقالة " كن رجلا يا رجل " ، فإثبات الرجولة له صوره ومواطنه وما نراه من بعض الشباب في القرى والمخيمات والمدن والتجمعات الفلسطينية من إطلاق النار من البنادق في المناسبات وغير المناسبات وفي الشجارات وغير الشجارات هو مباهات و"عنترة"، وكله يدل على حقيقة واحدة لا لبس ولا جدال فيها وهي أنهم لا يملكون من مقومات الرجولة أدناها ولن يملكوا أعلاها بسلاحهم فهم أقل من ذلك وأدنى ، بل يدل إطلاقهم الرصاص على عدة أمور أهمها: الأول : إما أنهم جهلاء لأن العاقل لا يستخدم السلاح في كل الحالات التي ذكرناها قبل قليل ، ثانيا :أو أن شخصياتهم ضعيفة وممسوخة فيريدون إثبات شخصياتهم ووجودهم بإطلاق الرصاص من بنادقهم ، ثالثا: أو أنهم يريدون إثبات قوة العائلة والعشيرة وإرهاب من حولهم وهذه قمة السخافة والطيش لأن قوة العشيرة أو العائلة بين العشائر والعائلات يكون بمدى التزامها بالقيم والعادات النابعة من تعاليم الشريعة الإسلامية ، ويكون بمدى إظهار انتمائهم لشعبهم ووطنهم وقضيتهم ، رابعا: وإما أن يكون من يطلق الرصاص مدفوعا من جهة معادية ، وإلا كيف يسمح له باقتناء السلاح وإطلاق الرصاص دون محاسبة أو متابعة ؟؟؟!!! ، خامسا: وأما إطلاق الرصاص بمناسبة الأفراح فهو رعونة وطيش وخفة عقل ، لأنه بالتجربة أدى هذا الأمر إلى إزهاق أرواح بريئة بغير حق ، ولأن فيه إنفاق للمال في غير محله ومكانه وهذا من التبذير والإسراف الذي نهى الله عنه بقوله :" ولا تبذر تبذيرا " ثم وصف الله المبذر ب"الشيطنة" فقال:" إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا"، فهذا الذي يطلق الرصاص يبذر ماله في غير حق وهو تبذير في الحرام ويكفيه أن الله وصفه بالكفر والذي يعني هنا جحود النعمة ، وهذا الجحود لنعمة وهب نعمة المال دفعه للزهو والبطر فلو طلب من مطلق الرصاص أن يتبرع بقيمة الرصاص للفقراء ولا يقوم بإطلاقه لرفض وهو بهذا يكون متبعا لشهوته ولطيشه ولرعونته، ولأن إظهار الفرح بالزواج أو بالنجاح أو بغيره يكون بما ينفع الناس وبما لا يضرهم ويؤذيهم ، ولأن في إطلاق الرصاص إخافة وترويع للصغار ولكبار السن ولطلاب العلم وقد نهى رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يروع مسلم مسلما ، ولأن إطلاق الرصاص يؤدي إلى نشوب النزاعات والثارات الجاهلية ودفع الديات وتمزيق اللحمة بين أبناء المجتمع الفلسطيني والتي نحن في أمس الحاجة إليها في ظل الظروف التي نحياها ، وبناء على ما تقرر سابقا فإن من يشتري أو يبيع سلاحا أو يستخدمه فيما أشرنا إليه من حالات فهو خارج عن قيم المجتمع الفلسطيني وأعرافه النابعة من تعاليم الدين الحنيف ، وهو أيضا خارج عن الصف الوطني لأن الفلسطيني الوطني هو الذي يحفظ أمن وطنه ويعمل ليل نهار على راحتهم وتوفير سبل الخير لهم ، وهو بكل تصرفاته المذكورة الطائشة الرعناء خارج أيضا عن وصف ( الرجولة) ، فإن أراد أن يعيد لنفسه رجولتها فليق سلاحه وما فيه من رصاص في حاوية القمامة ،ثم ليعلم أنه إن أصر على طيشه ورعونته فلن يخيف أحدا ولن يقيم له الناس اعتبارا ولا وزنا.
والحمد لله رب العالمين

الاثنين، 24 مارس 2025

العبرة بالخواتيم

العبرة بالخواتيم
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي 
خطيب المسجد الأقصى المبارك 
ثبت في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الأعمال بالخواتيم) ، وهاتان كلمتان صادرتان عن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وهما من الوحي غير المتلّو ، الذي على كل مسلم خاصة ، أن يقف عنده ، ويعمل بما جاء به ، أمرا أو نهيا ، وهاتان كلمتان تقرعان القلوب ، وتهزان الوجدان ، لأنهما تقرران المصير الأبدي في الحياة الآخرة ، إما إلى جنة ، جعلنا الله وإياكم منها ، وإما إلى نار جهنم ، أعاذنا الله منها ، وكم بكى الصالحون قبلنا خوفا من سوء الخاتمة رغم صلاهم ، فهذا سفيان الثوري ، يبكي ليله كله ، وحين يُسأل عن سبب بكائه يقول : ( وإنما أبكي خوفا من سوء الخاتمة ) ، فماذا نقول نحن عن أنفسنا ؟ وماذا نفعل ؟ ونحن مقصرون ، ونحن في غفلة ، ونحن لا نحسن طاعة ربنا عزّ وجلّ على أكمل وجه ؟ ولقد نبهنا ابن القيم أن الخوف من سوء الخاتمة من أعظم الفقه ، أن يخاف المسلم أن تخذله ذنوبه عند الموت ، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى ، ومن المبشرات بحسن الخاتمة ، والنجاة من سوئها ، أن يوفق الله المسلم على العمل الصالح قبل موته ويموت عليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله خيرا بعبد استعمله )، قيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : ( يوفقه لعمل صالح قبل الموت ) ، ومن أجمل ما قرأت ونحن نقف على عتبات توديع شهر رمضان ما قاله ابن الجوزي : ( إن الخيل إذا بلغت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق ، فلا تكن الخيل أفضل منك ، فإنما الأعمال بالخواتيم ) ، ومثله قال ابن تيمية : ( العبرة بكمال النهايات ، لا بنقص البدايات ، وقديما قال الشاعر : ولو أنا إذا متنا تركنا ، لكن الموت راحة كل حيّ ، ولكنا إذا متنا بعثنا ، ونُسأل بعده عن كل شيء، وقد علمنا من سبقنا من السلف الصالح أن ندعو ونقول : ( اللهم اجعل خير عملي خاتمته ، وخير عمري أخره ) ، لأن العبرة بالخاتمة ، فهي التي ستلاقي ربك عليها ، وهي التي يذكرها الناس لك بعد موتك ، وهي التي تمحو ما قبلها ، ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظروا بما يُختم له ) ، وإذا كانت هذه خطورة الخواتيم ، ومصير النهايات ، فتعالوا نتذكر أننا في نهاية شهر رمضان ولم يبق منه إلا يوما أو يومين فالعاقل منا من يدرك نفسه وينقذها من عذاب النار قبل رحيل هذا الشهر الذي فيه كل ليلة عتقاء من النار فلا تيأس إن كنت مقصرا مع ربك تعالى ، ولا تقنط إن كنت من أهل الفجور والمعاصي ، فربك رحمن رحيم فاتح أبواب توبته ومغفرته لك ينتظرك أن تلج وتدخل ، هيا عجل ولا تسّوف في التوبة والرجوع ، حتى لو كنت منتهكا لحرمة الشهر كله فأمامك متسع للتوبة ، وأنت أيها الصائم الحبيب الذي أمضى نهاره في شهر رمضان صائما وفي ليله قائما حذار حذار أن تغتر بعملك فتهلك ،أو أن تظن نفسك عبدت الله حق عبادته فتجهل ، الطريق أمامك طويل ،فعبادة الله ليست في شهر رمضان بل هي في العمر كله فأنت مخلوق لعبادته سبحانه ومنذ أن بلغت وأنت عاقل فقد وجبت عليك العبادة لله وصرت مكلفا تحاسب على الصغيرة والكبيرة ، وعلى الفرض والحرام ، فكن ممن يعمل لآخرته في حياته كلها ، واعلم يا من أسرفت على نفسك في شهر رمضان وعصيت الله ربك ، ويا من أطعت الله في رمضان وأحسنت أن العبرة لكليكما بالنهاية ( بالخاتمة) وليس في البداية ،فلينظر كل منكما كيف تكون خاتمته فعليها يتوقف المصير في الآخرة ، فيا من عصيت ربك وأسرفت على نفسك من الذنوب أسرع فقد تسبق الطائع في شهر رمضان إن أحسنت الأوبة والتوبة بخاتمتك ، وأنت يا من أطعت الله في رمضان بالصلاة والصيام لا يغرنك صومك وصلاتك فالعبادة صوم وصلاة وصلة رحم وأخلاق حسنة وأمر بمعروف ونهي عن نكر وغير ذلك من أفعال الخير فهل حصّلتها كلها ؟ إن لم تحصّلها كلها فلا زال أمامك من العمر بقية فكن جامعا لخصال الخير في شر رمضان وفي أشهر السنة حتى إذا فجأك الموت كنت على خاتمة حسنة ، وأذكرك وأذكر كل مسلم طائع وعاص بقول ابن تيمية :" العبرة ليست بنقص البدايات وإنما العبرة بكمال النهايات فأصلح فيما بقي يغفر لك ما قد سلف ، وكما ذكرنا سابقا قول ابن الجوزي:" إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق فلا تكن الخيل أفطن منك فإنما الأعمال بالخواتيم ،فإذا لم تحسن الاستقبال لعلك تحسن الوداع " ،فخواتيم الأعمال أنت الذي يصنعها ويحددها فاجعل من عيدك عيدين ،عيد فطر من الصيام ، وعيد عزم على طاعة الله على الدوام ، وانتظر بعد ذلك جائزتك في الدنيا بتوفيق الله لك ، وفي الآخرة برضوان الله عنك.
والحمد لله رب العالمين

الأحد، 23 مارس 2025

فضائل سورة الفاتحة

فضائل سورة الفاتحة 
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
لأن سورة الفاتحة تكرر عديد المرات في اليوم ، وعديد المسلمين لا يحسنون تلاوتها خصوصا في الصلوات الخمس، ولا يحسنون التدبر في آياتها ، أكتب هذه المقالة في فضائل سورة الفاتحة ، حتى يقبل المسلمون على تعلمها ، وإتقان تلاوتها ، وهذه جملة من فضائلها : خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: (أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ" اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ ثُمَّ قال) إِنِّي لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ،وفي الحديث الشريف : (مَا فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلُ أُمِّ الْقُرْآنِ)، المعنى : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعْطِي لِقَارِئِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ من الثواب مثل يُعْطِي لِقَارِئِ أُمِّ الْقُرْآنِ ،إِذِ اللَّهُ بِفَضْلِهِ فَضَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ ، وَأَعْطَاهَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى غَيْرَهَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِهِ، وَهُوَ فَضْلٌ مِنْهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، ومَعْنَى قَوْلِهِ: (أَعْظَمُ سُورَةٍ) أَرَادَ بِهِ فِي الْأَجْرِ، لَا أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ ، وَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ وَكَثْرَتِهَا، لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ، وَفِي الْفَاتِحَةِ مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِيهَا، وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ كَلِمَةً تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ شَرَفِهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَسَّمَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ،وَلَا تَصِحُّ الْقُرْبَةُ إِلَّا بِهَا، ولا يَلْحَقُ عَمَلٌ بِثَوَابِهَا، وَبِهَذَا المعنى صارت أم القرآن العظيم،َمَا صَارَتْ" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، إِذِ الْقُرْآنُ تَوْحِيدٌ وَأَحْكَامٌ وَوَعْظٌ، وَ" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" فِيهَا التَّوْحِيدُ كُلُّهُ ، وأَسْمَاء سورة الفاتحة، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ اسْمًا: الْأَوَّلُ الصَّلَاةُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ)، (الثَّانِي): [سورة] الْحَمْدُ، لِأَنَّ فِيهَا ذِكْرَ الْحَمْدِ، كَمَا يُقَالُ: سُورَةُ الْأَعْرَافِ، وَالْأَنْفَالِ، وَالتَّوْبَةِ، وَنَحْوِهَا،(الثَّالِثُ): فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تُفْتَتَحُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِهَا لَفْظًا، وَتُفْتَتَحُ بِهَا الْكِتَابَةُ فِي الْمُصْحَفِ خَطًّا، وَتُفْتَتَحُ بِهَا الصَّلَوَاتُ، (الرَّابِعُ): أُمُّ الْكِتَابِ، وَفِي هَذَا الِاسْمِ خِلَافٌ، جَوَّزَهُ الْجُمْهُورُ، وَكَرِهَهُ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ. قَالَ الْحَسَنُ: أُمُّ الْكِتَابِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ" وَقَالَ أَنَسٌ وَابْنُ سِيرِينَ: أُمُّ الْكِتَابِ اسْمُ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ، الْخَامِسُ): أُمُّ الْقُرْآنِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا، فَجَوَّزَهُ الْجُمْهُورُ، وَكَرِهَهُ أَنَسٌ وَابْنُ سِيرِينَ، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ تَرُدُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي) قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ: وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا أَوَّلُهُ وَمُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ عُلُومِهِ، (السَّادِسُ): الْمَثَانِي، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَة،. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَمْ تَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهَا ذُخْرًا لَهَا. (السَّابِعُ): الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَضَمُّنِهَا جَمِيعَ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عز وجل بِأَوْصَافِ كَمَالِهِ وَجَلَالِهِ،وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْعِبَادَاتِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهَا،وَالِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِإِعَانَتِهِ تَعَالَى ، وَعَلَى الِابْتِهَالِ إِلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَكِفَايَةِ أَحْوَالِ النَّاكِثِينَ، وَعَلَى بَيَانِهِ عَاقِبَةَ الْجَاحِدِينَ ، (الثَّامِنُ): الشِّفَاءُ، رَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شفاء من كل سم)، (التَّاسِعُ): الرُّقْيَةُ، ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلرَّجُلِ، الَّذِي رَقَى سَيِّدَ الْحَيِّ: (مَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ) فَقَالَ: يا رسول الله شي أُلْقِيَ فِي رَوْعِي، الْحَدِيثَ. خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِه،(الْعَاشِرُ): الْأَسَاسُ، شَكَا رَجُلٌ إِلَى الشَّعْبِيِّ وَجَعَ الْخَاصِرَةِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَسَاسِ الْقُرْآنِ فَاتِحَةِ الكتاب، سمعت ابن عباس يقول: لكل شي أَسَاسٌ، وَأَسَاسُ الْكُتُبِ الْقُرْآنُ، وَأَسَاسُ الْقُرْآنِ الْفَاتِحَةُ، وَأَسَاسُ الْفَاتِحَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِذَا اعْتَلَلْتَ أَوِ اشْتَكَيْتَ فَعَلَيْكَ بِالْفَاتِحَةِ تُشْفَى ، (الْحَادِي عَشَرَ): الْوَافِيَةُ، قَالَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، لِأَنَّهَا لَا تَتَنَصَّفُ وَلَا تَحْتَمِلُ الِاخْتِزَالَ، وَلَوْ قَرَأَ مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ نِصْفَهَا فِي رَكْعَةٍ، وَنِصْفَهَا الْآخَرُ فِي رَكْعَةٍ لَأَجْزَأَ، وَلَوْ نُصِّفَتِ الْفَاتِحَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُجْزِ،(الثَّانِي عَشَرَ): الْكَافِيَةُ: لِأَنَّهَا تَكْفِي عَنْ سِوَاهَا وَلَا يَكْفِي سِوَاهَا عَنْهَا. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضًا)، وإِنَّ مَوْضِعَ الرُّقْيَةِ مِنْهَا إنما هو" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ"، وَقِيلَ: السُّورَةُ كُلُّهَا رُقْيَةٌ، لِقَوْلِهِ عليه السلام لِلرَّجُلِ لَمَّا أَخْبَرَهُ: (وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ) وَلَمْ يَقُلْ: أَنَّ فِيهَا رُقْيَةً، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ السُّورَةَ بِأَجْمَعِهَا رُقْيَةٌ، لَيْسَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِالْمَثَانِي وَأُمِّ الْكِتَابِ مَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْمِيَةِ غَيْرِهَا بِذَلِكَ، قَالَ الله عز وجل:" كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ" ، فَأَطْلَقَ عَلَى كِتَابِهِ: مَثَانِيَ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تُثَنَّى فِيهِ،وَقَدْ سُمِّيَتِ السَّبْعَ الطُّوَلَ أَيْضًا مَثَانِيَ، لِأَنَّ الْفَرَائِضَ وَالْقَصَصَ تُثَنَّى فِيهَا، والْمَثَانِي جَمْعُ مَثْنَى، وَهِيَ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَ الْأُولَى، وَالطُّوَلُ جَمْعُ أَطْوَلَ. وَقَدْ سُمِّيَتِ الْأَنْفَالُ مِنَ الْمَثَانِي لِأَنَّهَا تَتْلُو الطُّوَلَ فِي الْقَدْرِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَزِيدُ آيَاتُهَا عَلَى الْمُفَصَّلِ وَتَنْقُصُ عَنِ الْمِئِينَ، "منقول بتصرف من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
والحمد لله رب العالمين

السبت، 22 مارس 2025

خصال الخير

خصال الخير 
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
الأنبياء عليهم الصلوات والتسليمات قدوة للخلق وقد جمعوا خصال الخير،فحريّ بالعاقل أن يقتدي بهم ، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام قد جمع هذه الخصال خصال وأثنى الله عليه بها فقال سبحانه في سورة النحل "120" : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام التي تتحدث الآية عن صفاته هو من أولي العزم من الرسل,وأولو العزم هم: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ونوح,وقد سماهم الله (أولو العزم) لشدة ما لقوا من أذى الكافرين,ولصبرهم وثباتهم على الإيذاء والبلاء ، وجدير بالمسلمين من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم أن يقتدوا بأولي العزم فيصبروا على الإيذاء والابتلاء الذي يصيبهم وذلك بالثبات على دينهم,وبالعمل من اجل نصرته هذا من جهة ، وأن يحاول كل مسلم منا أن يكون في حياته ( أمّة) كما كان إبراهيم (أمّ) (إن إبراهيم كان امة) ،فلماذا نفقد في مجتمعاتنا المسلمة الرجل (الأمّة) والمرأة (الأمّة) ؟ وبخاصة من حملة الشريعة الإسلامية فالرجل إذا كان عالماً جامعاً لخصال الخير ومعلماً للخير يسمى أمة، فالعالم المسلم الجامع لخصال الخير والعامل بها هو (أمّة) وهو العالم الرباني الذي يذهب إليه الناس ويتبعونه ليأخذوا منه أحكام دينهم أقوالا وسلوكاً,وأحكاما وعملاً ،فتعساً لعالم لا يكون قبلة للناس! وتعساً لعالم لا يقتدي به! وتعساً لعالم يتخذ الدين مطية للدنيا ولشهواتها ، وشهر رمضان الذي نستظل في ظلاله الوارفة بالخير يدعونا إلى أن يكون كل منا (أمّة) من دون الناس ، وهو أمر مقدور عليه لو عزم أحدنا على تحقيقه في حياته بدوام الطاعة لله عز وجل,وهي صفة القنوت التي امتدح الله بها إبراهيم عليه السلام ووصفه بها ، والمسلم الصائم حين يجمع خصال الخير لا بد أن يحقق خصلة شكر نعم الله عليه كبيرها وقليلها بقلبه ولسانه وبجوارحه كلها ، وهو مع هذا الشكر بهذه الصفة مقصر في شكر نعم الله عليه ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها ( سورة النحل " 18" ، وشكر نعم الله من العبد عدا عن كونها عبادة فهي أدب يتأدب به العبد مع ربه ومن جمع خصال الخير فكان عالماً عاملاً بعلمه مطيعاً لربه في كل أحواله وشاكراً له سبحانه على نعمائه ولا يميل عن الإسلام إلى غيره من الملل الباطلة فان الله يجتبيه ويهديه ويرزقه الذرية الصالحة كما أكرم الله إبراهيم حيث اجتباه وهداه، والاجتباء كما يكون للأفراد يكون للمجتمعات أما الفرد فيجتبيه ربه بأن يرفع منزلته في الدنيا ويرزقه الذرية الصالحة ويذكر اسمه في مجامع الخيرات،وأما الأمم الجامعة لخصال الخير هذه فان الله يمكن لها في الأرض ، وهي متحققة إن شاء الله تعالى في كل مجتمع مسلم يلتزم بهذه الصفات ويجعلها من صفاته الأصيلة التي يقيم حياته عليها، ومن خصال الخير التي يغفل عنها المسلمون في رمضان التوبة النصوح ، وكما قيل : درهم وقاية خير من قنطار علاج ، ودرهم توبة خير من قنطارصيام لا يتوب فيه المسلم عما حرّم الله عليه ،لأن الأصل في المسلم أن يكون تقياً,أي:مؤدياً للفرائض,ولا يقترف المعاصي, ولأن ابن ادم بطبعه خطاء,فقد أرشده الإسلام إلى التوبة,ومن خطوات التوبة أن يحدث المسلم عند كل ذنب أذنبه,طاعة وحسنة، وطرق الخير وخصاله كثيرة,فتعالوا نتعرف إلى بعضها,لنبادر إلى العمل بها,ولأننا في بيت المقدس بحاجة ماسة إليه: أولاً : كيف الشر عن الناس,فهذا باب من أعظم أبواب الخير,وهو باب من أبواب الصدقات التي تنفعك قال أبو ذر رضي الله عنه,قلت : يا رسول الله أرأيت ان ضعفت عن بعض العمل؟ - يعني العمل الصالح – قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك " متفق عليه، ثانياً : لقاء الناس بوجه طليق,فبادر أيها المسلم الحبيب,إلى ملاقاة غيرك من المسلمين,بوجه مبتسم,متهلل لرؤيته ولو كنت في شحناء معه,لتصفو القلوب,ولكي تحابب النفوس,فالابتسامة لا تكلف شيئاً إلا قبض وجهك بالانشراح لأخيك المسلم,فسارع إلى هذا الخلق الرفيع,لنشر المودة بيننا, فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول " لا تحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق "، تذكروا أيها الصائمون أنكم في شهر رمضان,شهر الحب,والتعاون,والتسامح والتواصل، ثالثاً:إماطة الأذى عن طرقات المسلمين,وألوان الأذى كثيرة في مجتمعنا المقدسي,ومن الأمثلة عليها :
1- إلقاء النفايات في الشوارع وإمام بيوت الجيران.
2- نزول السائق من سيارته وتركها في الشارع ، والتسبب في إرباك حركة المرور.
3- الاستطالة في البنيان على الجيران من غير وازع يردع,ولا خلق يمنع، وما تبقى من ألوان الأذى,فأنتم تعيشونها وتعرفونها,فكونوا في شهر رمضان من أهل الصدقات,بإماطة الأذى عن طرقات المسلمين,فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " وتميط الأذى عن الطريق صدقة " متفق عليه، وهذا نداء لكم جميعا قبل أن يحمل رمضان رحاله ويرحل ، تعالوا لنوحد قلوبنا ،تعالوا لنجمع أيادينا وجهودنا، تعالوا إلى دخول سوق الخيرات ، فالكلمة الطيبة صدقة،وتعين الرجل في دابته تحمله عليها,وترفع له عليها متاعه صدقة،وتعدل بين الاثنين صدقة، وتعين ذا الحاجة الملهوف صدقة،وتمسك عن الشر صدقة،وتعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة وعظماً,تزحزح نفسك عن النار،هكذا قال رسولنا صلى الله عليه وسلم،وهكذا علمنا،وكل ما ذكرته لكم هي نماذج لخصال الخير وخصاله، وهي لا تخفى عليكم ، وكل هذه من وجوه الصدقات التي أنتم في رمضان تتنافسون في الصدقات ، مع العلم أن الصدقة لا تقف عند المال ، فكل خصلة من خصال الخير صدقة فبادروا إليها.
والحمد لله رب العالمين 

الجمعة، 21 مارس 2025

رقائق إيمانية

رقائق إيمانية
عيد ألأم
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
الأم لها مكان الصدارة في ديننا الحنيف ، فهي مقدمة على الأب لأنها حملت بالابن ولأنها أرضعته ، ولأنها قامت برعاية ولدها وحضانته ، قال الله سبحانه في سورة الأحقاف "15" : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)، وأكد صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة للأم بهذه الاعتبارات الثلاثة فقال في الحديث الذي يرويه البخاري (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال:أمك ، قيل : ثم من ؟ قال: أمك،قيل ثم من؟ قال :أمك . قيل ثم من؟ قال: أبوك)، ولعلوّ مكانة الأم في الإسلام جعلها من المحرمات على ابنها على التأبيد ، فقال سبحانه في سورة النساء"23":(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)، والأم كما قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ( كل أنثى لها عليك ولادة) "5/108" ، والأم ترضعك حبها وحنانها ما لبانه الذي ترضعك إياه ، ولهذه الاعتبارات وغيرها فقد أمر القرآن الكريم وأمرت السنة النبوية الشريفة بالبرّ بها والإحسان إليها ، ونهى عن عقوقها ، فقال تعالى في سورة الإسراء "23" : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً )، فجعل الله سبحانه الإحسان إلى الأم وإلى الأب قضاء ملزما وواجبا ، وهو قضاء على سبيل الأمر الواجب تنفيذه من الولد ، وجعل برّ الأم والأب مقرونا بتوحيده ، وقرن شكرهما بشكره ، وكما أن الله تعالى خلقك وأوجدك من العدم بعد أن لم تكن شيئا ، فكذلك أمك ثم أبوك كانا سببا بوجودك من خلال زواجهما ، وكما أن الله سبحانه أنعم عليك بنعمه التي لا تُعدّ ولا تحصى فأوجب عليك شكره ، فكذلك أمك وأبوك قاما برعايتك وبذلا كل ما في وسعهما لبذل كل عطاء لك ، فكان من الواجب عليك شكرهما بالإحسان إليهما ، كما كان من الواجب عليك عبادة الله شكرا على ما أنعم عليك ، وهذا ما أكدت سورة الإسراء ، آية " 23-24" ، حين قال الله عزّ وجلّ: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً)، وكان صلى الله عليه وسلم شديد البرّ بأمه ، حتى استأذن الله تعالى أن يستغفر لها فلم يأذن له ، واستأذنه في زيارتها فأذن له ، وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، وبناء على ما تقدم فالإسلام كان سبّاقا لغيره في معرفة منزلة الأم ، وما الدعوة إلى ما يسمى ب" عيد الأم " إلا دليل على الإفلاس القيمي والديني عند الغرب أما نحن أهل الإسلام فلنا أعياد ثلاثة وهي : عيد الفطر ، وعيد الضحى ، ويوم الجمعة ، وكلها أعياد مربوطة بالعبادات ، فعيد الفطر يأتي مباشرة بعد صيام شهر رمضان ، وعيد الأضحى يأتي مباشرة بعد أداء فريضة الحج ، ويوم الجمعة قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين ،فمن جاء الجمعة فليغتسل ) ، ونلاحظ أن أعيادنا الثلاثة ينفق المسلم وقتها فيها في الطاعات ، كصلوات الجمعة ، وصلاتي عيدي الفطر والأضحى ، وكأعمال البر والصلة ، من صدقات وصلة رحم ، وأما بالنسبة " لعيد الأم " فليس في الإسلام عيدا يسمى عيد أم ولا غيره من الأعياد التي ذكرناها ، لكن لماذا نتشنج في الفتوى ، ونحرم بر الأم وصلتها في هذا اليوم بذريعة أنه " بدعة " ، وأنه ليس في ديننا " عيد أم" ؟ نعم لا نقول عن هذا اليوم يوم عيد ، ولكن لا نحرم صلة الأم وبرها في هذا اليوم ، بل قد يكون هذا اليوم تذكير للعاقين من الأبناء والبنات أن يبروا بأمهاتهم وآبائهم في هذا اليوم ، إذن نؤصل لهذا ونقول : "عيد ألأم " ليس عيدا من أعياد الإسلام ، لكن لا مانع أن نتذكر في هذا اليوم أمهاتنا بمزيد من البر والصلة ، ولا مانع أن نذكر كل من هو عاق في هذا اليوم ليتوب من عقوقه ، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها ، فبر الأم وصلتها والإحسان إليها ، كل ذلك مشروع وله أصل في ديننا ، فليكن هذا اليوم يوما :أولا: نتذكر فيه أن الله أكمل لنا ديننا ، ومن ذلك حصر أعيادنا في ثلاثة أعياد فقط ، ثانيا : أن نعمل على بر أمهاتنا في أل 365 يوما من أيام السنة ، وليس في يوم واحد فقط ، ثالثا : أن نستغل هذا اليوم بالتوبة من العقوق ، وبمزيد البر والإحسان لأمهاتنا ، رابعا : أن تشمل توبتنا وبرنا أمهاتنا وآباءنا ، رابعا: أن نتفقه في أحكام البر والإحسان لنعمل بهما ، وأن نتفقه في أحكام العقوق لنجتبها ، خامسا : أن يكون برنا وإحساننا لأمهاتنا وآبائنا شاملا وعاما ، للبر والإحسان المادي كالنفقة والهدية ، وللبر والإحسان المعنوي والذي جمعه قول الله سبحانه (وَقَضى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً)، فإلى البر والإحسان لوالدينا..
والحمد لله رب العالمين

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More