من فقه القرآن
المسلم بعد الحج
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
قال الله تعالى : ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ، فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق . ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ألئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ) سورة البقرة 200ـ 202
فقه الآيات الكريمات وفوائدها في المسائل الآتية :
المسألة الأولى : قوله تعالى : ( قضيتم ) أي أديتم وفرغتم من مناسك الحج . وهي مأخوذة من قضى : إذا أدى الشيء وفرغ منه ، ومنه قوله تعالى : ( فإذا قضيتم الصلاة ) : أي إذا أديتم الصلاة .
المسألة الثانية : ويعبر بالقضاء عما فعل المسلم من العبادات خارج وقتها المحدود لها ، كمن ينشغل عن الصلاة ، أو يتهاون بها ، ثم يتوب إلى الله ويقوم بقضاء ما فاته ، وكذلك كما في ترك الصيام وغيره من العبادات .
والواجب على المسلم أداء الصلوات وسائر العبادات في أوقاتها وعلى الوجه المشروع الذي شرعه الله تعالى ، وهذا يفهم من قوله ( قضيتم ) في الآية ، أي أديتم مناسك الحج في أوقاتها ، وهو أمر جلي وواضح في الدين ، دلت عليه آيات شريفة وأحاديث نبوية عديدة ..
المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( مناسككم ) شعائر الحج ومنها الذبائح وذبح الهدي .
المسألة الرابعة : قوله تعالى ( فاذكروا الله ) ، في هذا الأمر الرباني للحجاج ، دليل على وجوب استقامة الحاج بعد أدائه فريضة الحج على طاعة الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه . والمعنى : إذا فعلتم مناسك الحج وانتهيتم من أدائها ، فاذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم على نعمه وآلائه .
المسألة الخامسة : وهذه الآية دعوة للحاج إلى أن يجعل حجه مبرورا ، وذلك بأن يرجع بعد أدائه فريضة الحج أفضل مما كان عليه قبل ذلك ، ايمانا وطاعة لربه ، واجتنابا لمعاصيه .
المسألة السادسة : والحاج بعد أدائه فريضة الحج ، والمسلم غير الحاج أيضا ، يجب على كل واحد منهم ، ذكرا كان أم أنثى ، أن يذكر الله كذكر الطفل الصغير أمه وأباه : أمه أبّه .. وهذا قول ابن عباس وعطاء والضحاك والربيع في معنى قوله تعالى ( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا )
المسألة السابعة : وذكر الطفل أباه وأمه يدل على :
أولا : ضعفه الشديد ، وحاجته الشديدة إليهما لأنه لا يستطيع القيام بشؤون نفسه بدونهما .
ثانيا : التصاقه الدائم بهما ، وارتباط حياته بحياتهما .
ثالثا : حبه المطلق لأبويه ، فلا شيء أحب إلى الطفل منهما .
وإذا عرفنا هذا كله ، وجب على المسلم أن يكون مع ربه عز وجل الذي خلقه على هذه الحال ، من الضعف الشديد ، والحاجة إليه سبحانه ، وتعلقه بالله تعالى بدوام الطاعة له ، وحبه المطلق له عز وجل ..
المسألة الثامنة : وقد كان من عادة العرب إذا وقفوا عند رمي الجمرة ، التفاخر بآبائهم وما لهم من مآثر ، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالتزام ذكر الله أكثر من التزامهم ذكر آبائهم في الجاهلية
المسألة التاسعة : وللمفسرين أقوال أخرى في تأويل قوله عز وجل ( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) وهذه الأقوال هي :
أولا : اذكروا الله وعظموه وذبّوا عن حرمه وادفعوا من أداء الشرك في دينه ومشاعره ، كما تذكرون آباءكم بالخير إذا غضّى أحد منهم ، وتحمون جوانبهم وتذبّون عنهم وعلى هذا المعنى ، فالمسلم مطالب دائما بما يلي :
- محاربة الشرك ومظاهره
- حماية شعائر الله وحرماته ، بأدائها ، وعدم الاعتداء عليها ، والإنكار على من لم يعظمها أو انتهك حدودها .
- تعظيم الله تعالى بالخوف منه في كل قول وعمل .
- الاستحياء من الله تعالى على كل حال فالتعظيم استحياء العبد أن يفعل شيئا لا يرضاه الله من العبد وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تعظيم الله تعالى بصورة عملية ، وهي أننا كما نستحي من رجل كبير صالح في العشيرة أن نفعل أمامه شيئا يغضبه ولا يرضاه ، فالله أولى أن نعظمه ـ ولله تعالى المثل الأعلى ـ
- ذكر الله تعالى دائما ، وذكر الله لا يقتصر على الشفاه بتحريكها بالتسبيح والتحميد والاستغفار والحوقلة ، بل يشمل الذكر استخدام كل عضو رزقك الله كاليد والرجل والعين والأذن والبطن والفرج ، في طاعة الله ، فلا يكون منه إلا الخير والاستقامة .ثانيا : وأن ذكر الله يعني أن نغضب لله تعالى إذا عصي أشد من غضبنا لأبوينا إذا شتما ..والمسلمون اليوم يعيشون نقيضى هذه الحالة ، فإذا شتم أباه أو أمه أمامه ثار وغضب وهدد ووعد وأرغى وأزبد ، ولكن إذا شتم الله أو الدين أو الرسول أمامه كأن أمرا لا يعنيه ..وهذه من ضعف الايمان ، ومخالف لما أمر الله به في هذه الآية الكريمة .المسألة العاشرة : قوله تعالى ( فمن الناس من يقول آتنا في الدنيا .. والله سريع الحساب ) بيان لأصناف الناس ، فالمسلم يسأل الله من خير الدنيا وخير الآخرة . وأما الكافر أو الرجل الطالح فلا يسأل إلا خير الدنيا ويغفل عن خير الآخرة وهو النعيم المقيم في الجنة ، والعمل لهذا الخير في الدنيا ..وللمؤمن ثواب الحج أو ثواب الدعاء وللكافر عقاب شركه لحصر همه في الدنيا ( أولئك لهم نصيب مما كسبوا )..
0 التعليقات:
إرسال تعليق