تعديل

الأحد، 30 أبريل 2017

خطبة الجمعة مكتوبة 28/4/2017م الغفلة وخطرها


خطبة الجمعة
الغفلة وخطرها

الحمد لله رب العالمين القائل :" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ،ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ،لاهية قلوبهم " اللهم إنا نعوذ بك من أن تموت قلوبنا أو أن  نغفل عن ذكرك وطاعتك ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الديان الذي يحاسب على مثقال ذرة ،وهو سبحانه الذي يحذرنا قائلا :" وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون "أيها الغافلون عن ربكم ودينكم انتبهوا ! أيها الغافلون عن ساعة وقوفكم يوم القيامة للحساب تيقظوا فذاك يوم الحسرة لأهل الغفلة ، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان وهو ضامن للجنة من غير قيام فتقول له السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " أما غفر الله لك


 ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيجيبها :" أفلا أكون عبدا شكورا"،يا  رسول الله أمتك اليوم في غفلة ارتدت على أعقابها ، وجعلت ولاءها لأعدائها ، ويسفك بعضها دم بعض ،وليس لها والله إلا العودة إلى  هديك تعض عليه بالنواجذ ،فاللهم رد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلهم من الراشدين ، اللهم صل وسلم وبارك على حبيبك وحبيبنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين ، وصل اللهم على آله وأصحابه وعلى  التابعين وعلى من سار على هديهم إلى يوم الدين أما بعد: ......أيها المؤمنون: إن الغفلة مرض خبيث يتوجب الحذر منه ، واليوم هو اليوم الأول من شهر شعبان ، وهو شهر الغفلة عند كثير من المسلمين ،ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثره ويقول" ذاك شهر يغفل  الناس عنه ، بين رجب ورمضان" ،وشهر شعبان من أخطر الشهور لأن الله يرفع فيه أعمالك أيها العبد المسلم فلا تجعل طاعة من صيام أو قيام أوصلة رحم أو غير ذلك من الأعمال الصالحات تفوتك في هذا الشهر ،فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن شهر شعبان" وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين  ،فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ".... يا عباد الله : وشهر شعبان شهر يغفر الله فيه الذنوب إلا لصنفين المشرك والمشاحن المقاطع لأخيه المسلم ،يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان  فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن"،فحذار حذار من الشرك



صغيره وكبيره ! وإياكم من التقاطع والتدابر والتخاصم فإنه سبب في عدم مغفرة الذنوب ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ،فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول:" أنظروا هذين حتى يصطلحا " فلا تفسدوا علاقتكم بربكم بالغفلة عن توحيده ، ولا تفسدوا علاقاتكم بإخوانكم بالخصومات ....يا مسلمون يا مرابطون:
كان السلف الصالح لا يغفلون عن شهر شعبان  فقبلون فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن كما تفعلون أنتم في رمضان ، وكانوا يقولون: شهر رجب هو شهر الزرع وشهر شعبان هو شهر سقي الزرع وشهر رمضان هو شهر حصاد الزرع ،فلا تغفلوا عن شهركم هذا وتنافسوا فيه في الطاعات والخيرات كما تتنافسون في رمضان ،فازرعوا فيه الخيرات لتحصدوها في رمضان ،فأعلنوا التوبة النصوح ،واستغفروا من المعاصي والذنوب كي تستقبلوا شهر رمضان بقلوب مؤمنة وألسنة طاهرة ، وجوارح نظيفة
مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gifوَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ المُبَارَكْ...............
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلاً http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gifبِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوارَكْ................. http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْرًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gifوَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ................ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gifبِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مدارك..............
..............عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍhttp://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gifفَخَيْرُ ذَوِي الجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَك
يا مرابطون يا عباد الله: الغفلة في الناس فردية وجماعية ومنها الغفلة عما يرون من أشراط الساعة الدالة على اقتراب يوم القيامة ،


 ومحاسبة الله للخلائق ، ومع أن الله تعالى يقول:" فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها " نرى انتشار الربا والزنا وشرب الخمور والمسكرات والخلاعة والفواحش والمنكرات ، فمتى يتوب هؤلاء ، ويرجعون عن غفلتهم؟؟؟والأمة المسلمة غافلة عن الأولويات والقضايا المصيرية بالشهوات و النساء والمباريات والحفلات والتوافه من الأمور،فلماذا لا تصحو من غفلتها وترجع إلى دينها فبه عزتها ، أين الوحدة بدل الفرقة ؟ أين التحاكم إلى شرع الله بدل اتباع المناهج الضالة؟ أين إعادة العزة والسيادة للأمة بدل الذل والصغار الذي ترزح تحته؟أين همّة الفاروق عمر بدل خساسة أبي رغال ؟أين الورع والتقوى بدل مقارفة المعاصي ؟أين نصرة الحق بدل نصرة الباطل؟أين اتباع هدي السلف الصالح بدل التقليد الأعمى للكفرة والفساق؟إن علاج غفلتنا في قوله تعالى :" وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم (" فالاعتصامُ بالله ورسوله نجاةٌ للأمَّة من طوق الغفلة، وهدايةٌ لها إلى الطريق الصحيح، فلا الْتواءَ ولا اعوجاج، ولا زيغَ ولا انحراف، ولا بِدعَ ولا أهواء). ...يا مسلمون يا مؤمنون:  أمة العرب والمسلمين اليوم غافلة عن دينها ،وغافلة عن مصيرها ، وغافلة عن حقوقها ، وغافلة عما يكاد لها ، وشعبنا الفلسطيني مثلها في الغفلة ،غافل عن قضيته ونصرتها بانشغاله بانقسامه على نفسه



، وغافل عن عودته لدينه والتمسك به وهو يعلم أنه إن لم ينصر الله باتباع شرعه فإن الله لن ينصره ، وغافل عن نصرة الأسرى في السجون الذين اضطروا إلى إعلان الإضراب عن الطعام لنيل بعض حقوقهم الإنسانية التي تكفلها لهم جميع الشرائع السماوية والبشرية ، وهذه الغفلة عن نصرة الأسرى تتمثل في أنهم لا زالوا أسرى مع أن القانون الدولي يوجب إطلاق سراحهم بمجرد توقف الحرب وإبرام معاهدات سلام ، فما قيمة معاهدات السلام وأبناؤنا أسرى ؟؟وما هو موقف القيادات السياسية الفلسطينية من ذلك؟؟؟إن الأسير الفلسطيني إنسان له كرامته وحريته ، وعليه فإننا نطالب كافة الجهات الدولية والإقليمية العمل على استجابة مطالبهم الإنسانية العادلة ، وعلى  إطلاق سراحهم وإنهاء معاناتهم ،فالإسلام  جعل حكم الأسير يدور بين حالين إما إطلاق السراح والمن ، وإما الفداء وهو التبادل فقال :"فإما منّا بعد وإما فداء ".... فاللهم  ثبت أسرانا على الحق ، وانصرهم ،واحفظهم ، وكن معهم ، وأطلق سراحهم أعزاء مكرمين يا رب العالمين.....يا عباد الله يا مؤمنون: ومن الغفلة غفلة المسلمين عن نصرة المسجد الأقصى خاصة في هذا الوقت الذي هو أخطر الأوقات التي يمر بها مسجدنا المبارك ، فلا توجد شاردة ولا واردة من ألوان الانتهاكات والاعتداءات على المسجد الأقصى إلا  وفعلت فيه ، ولا عذر للعرب والمسلمين في التفريط ببيت المقدس  مهما كانت ظروفهم فإن المسجد الأقصى أساس عزة المسلمين ورمز وجودهم إن حافظوا عليه ،وإلا كان


 ضياعهم وانفراط عقدهم بين الأمم ، ومن سهل عليه التفريط في المسجد الأقصى سهل عليه التفريط في المسجد الحرام "فاعتبروا يا أولي الأبصار....يا مرابطون:والغفلة عن المسجد الٌأقصى والرباط فيه يقع فيها كثير من أبناء بيت المقدس وأكنافه، فهؤلاء غافلون عن أن رباط يوم وليلة في المسجد الأقصى خير من صيام شهر وقيامه ، بل وخير من الدنيا وما فيها ،إن كثيرا من أبناء القدس وأكنافها غافلون عن فضيلة الرباط في المسجد الأقصى ،وفضيلة شد الرحال إليه ، وفضيلة مضاعفة أجر الصلاة فيه ، فاربطوا قلوبكم وأنفسكم وجوارحكم  هنا في المسجد الأقصى ،ولا تنشغلوا عنه وأنتم جيرانه وأهله ، ألم يقل الله تعالى لكم :" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" ،فاصبروا على طاعة الله ولا تغفلوا عنها واصبروا عن المعاصي واحذروها واصبروا على ما يصيبكم من لأواء ، وصابروا لكي تحققوا الرباط وتنالوا فضيلته ،واعلموا هداني الله وإياكم لكل خير أن رباطكم في المسجد الأقصى في هذا الزمان أفضل من مقامكم في مكة المكرمة والمدينة المنورة ،فلا تغفلوا عن أقصاكم والرباط فيه ، وتذكروا وصية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل ذي الأصابع :" عليك ببيت المقدس لعل الله أن يرزقك ذرية تغدو إليه وتروح"......عباد الله : كونوا مع الله ولا تغفلوا عن طاعته ، الثبات الثبات على دينكم ! والعودة العودة إلى كتاب ربكم وهدي رسولكم صلى الله عليه وسلم ! إذا خفتم فاجعلوا خوفكم من الله ، وإذا أمنتم فاعلموا أن ذلك بفضل الله ، كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم

يتخوف منهم ،فكتب إليه عمر:" أما بعد فإنه لن يغلب عسر عسرين ،وإن الله تعالى يقول:" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" فيا أسرانا صبرا صبرا ففرجكم قريب ونصركم عاجل ،ويا شعبنا كونوا يدا واحدة واعتصموا بالله وبحبله المتين ،اللهم اجعلنا من الصابرين ، وارزقنا الرباط وأجر المرابطين ، وانصرنا على من عادانا  ،اللهم أطلق سراح أسرانا ،وردهم إلى ذويهم سالمين أعزاء مكرمين ،كن معهم ولا تكن عليهم ، وانصرهم على من بغى عليهم ، وأنتم يا عباد الله توبوا إلى الله واستغفروه فإن الله تواب غفور رحيم وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، لا ربّ لنا سواه ، ولا نشكو ضعفنا إلاّ له  ، اللهم أنت  حسبنا ومولانا ونعم الوكيل ، نشهد أنك لا  إله  إلا أنت ، سبحانك إنا  تبنا إليك ، وإنا من المسلمين  ، ونشهد أن محمدا عبدك ورسولك ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ،اللهم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ،أما بعد:..........((يا مسلمون يا مؤمنون))
 يجب أن لا نغفل عن نصرة أسرانا ،فلأسرانا علينا حق نصرهم وهم في السجون وبعد تحريرهم منها، ومن ذلك نطالب وسائل الإعلام أن لا يجعلوا قضية إضراب الأسرى قضية إضراب أسير واحد ، وكذلك نطالب



 المسئولين  عن أسرانا المحررين بعدم التمييز بين الأسرى المحررين في الوظائف والامتيازات المستحقة لكل أسير محرر ، ونطالب بإطلاق سراح الأسرى الأطفال وعدم  سلبهم حرية طفولتهم ،ونؤكد على أن أسرانا في المعتقلات يضربون عن الطعام والشراب ، لأنهم يكرهون  الذل ويطالبون بكرامتهم التي ضمنها الله لكل إنسان ،ولهذا ندعو إلى  الاستجابة لمطالبهم العادلة لأنها مطالب إنسانية ومشروعة لهم ، وكما أن أسرانا لم يغفلوا عن المطالبة بحقوقهم العادلة ومنعوا أنفسهم من الطعام لينالوها ننبه   المسلمين إلى أن يمنعوا أنفسهم من الشبهات والمعاصي  والمنكرات ؟  فراجعوا دينكم، وانظروا أين الخلل في واقعكم الذي تعيشونه ، أصلحوا ما فسد ، وكونوا كالجسد، تناصروا لحماية أقصاكم وأسراكم ، والتفوا حول بعضكم  للحفاظ على قدسكم ومقدساتكم ، غيروا ما بأنفسكم ، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر كي تتقوا غضب الله  ، امنعوا المنكرات في الأسواق والبيوت والطرقات وتفقدوا أبناءكم وبناتكم وزوجاتكم بالصلاح والإصلاح ولا تغفلوا عنهم ، واخلعوا الشحناء والبغضاء والقطيعة ، فكل ذلك من  الغفلة  ومن موانع المغفرة ، فمن كان عاقا لأبويه ، ومن كان قاطعا لرحمه ، ومن كان مؤذيا لجيرانه وللمسلمين ، ومن كان يطلب الرزق بالمال الحرام ، كل أولئك عليهم ان يبادروا إلى تطهير قلوبهم  ونفوسهم وجوارحهم وأبدانهم من المعصيات والشبهات،


واعلموا أن  الحرص على المال والحرص على العمر من الغفلة ،فمن عمل للدنيا  وحدها فهو من الذين قال الله فيهم :" ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل  فسوف يعلمون" ، و من أعرض منكم عن الله كان غافلا، ومن سوّف في التوبة كان غافلا ،والانغماس في الدنيا وشهواتها ونسيان الآخرة غفلة فاحذروا الغفلة وأهلها ومواطنها وأسبابها ، ولا تغفلوا عن الآخرة الباقية بالدنيا الفانية ، ولا تغفلوا وتجمعوا المال من حلاله وحرامه وتنسوا الرزق الحلال ، لا تستصغروا المحرمات وتتهاونوا بها  فالمؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، والفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا وهكذا "، ومن ضيع وقته في غير فائدة كان غافلا خاسرا ، فاحذروا واتعظوا بما قاله عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه:" ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي "،اللهم ربنا لا تجعلنا من الغافلين  ، وردنا إلى طاعتك ردا جميلا ، اللهم وحد صفنا ،واجمع كلمتنا لإعزاز الدين ، وانصرنا على القوم الكافرين ، اللهم بلغنا رمضان سالمين ،وارزقنا الصيام والقيام فيه آمنين ، وتقبله منا ومن سائر المسلمين ، اللهم أنج أسرانا ، وانصرهم على عدوهم ، وارزقهم إطلاق سراحهم ، واجمعهم بأهلهم وذويهم أحرارا سالمين ،


 اللهم اجعلنا وذرارينا في هذه الأرض من المرابطين ،واجعلنا من الظاهرين ، اللهم احفظ المسجد الأقصى بحفظك ،وتوله برعايتك ، وارزقنا الغدو والرواح إليه في كل وقت وحين ، اللهم انصر المسلمين في بورما والصين وفي كل مكان ، ومكنهم من رقاب المشركين والملحدين ، اللهم انصر الإسلام وأعل كلمته ومكّن للمسلمين ، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمن لهم حق علينا ، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع  مجيب الدعاء . وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة:"إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون".



الخطبة فيديو بالأسفل




الخميس، 13 أبريل 2017

من فقه القرآن : فضائل المعراج (1)


من فقه القرآن

فضائل المعراج (1)

الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي

إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
قال الله تعالى : ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) سورة النجم آية 10

فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية :

المسألة الأولى : هذه الآية الكريمة جاءت في أوائل سورة النجم في الآيات التي تخبر عن معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى في رحلة الإسراء والمعراج .

المسألة الثانية : وقد أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أمورا عديدة منها أنه فرض عليه الصلاة في معراجه أليه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فأوحى الله إلى ما أوحى ، وفرض علي في كل يوم وليلية خمسين صلاة (

المسألة الثالثة : وفرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته معه ومن بعده في ليلة المعراج ، بيان لأهميتها وأنها أوكد شعائر الإسلام ، فهي الفريضة الوحيدة التي فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم من غير وساطة الوحي جبريل عليه السلام

المسألة الرابعة : والقارئ والدارس لمعجزة الإسراء والمعراج كما وردت في مصادرها الصحيحة من كتب السنة الشريفة والحديث الشريف ، يجد أن الصلاة احتلت مساحة واسعة ، وكانت حاضرة بشكل فاعل في إسرائه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، وفي معراجه إلى السموات العلى من المسجد الأقصى المبارك .

المسألة الخامسة : أما في المعراج فقد روى أنس قال : " فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين ، ثم نقصت حتى جعلت خمسا ، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ، وأن لك بهذه الخمس خمسين ) وفي الحديث الطويل الذي يرويه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم ذهبت إلى سدرة المنتهى ، فإذا أوراقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمارها كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها ، فما يستطيع أحد من خلق الله أن يصفها من حسنها ، قال : فأوحى الله إلي ما أوحى وقد فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فأن أمتك لا تطيق ذلك ، وإني قد بلوت بني اسرائيل وخبرتهم .. وظل النبي صلى الله الله عليه وسلم يرجع بين ربه عز وجل وبين موسى ويحط عنه خمسا خمسا حتى قال : يا محمد هنّ خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة .. "

المسألة السادسة : وإذا كان المعراج وثّق صلة النبي صلى الله عليه وسلم بالله تعالى أكثر من ذي قبل ، حيث وصل إلى سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قوب قوسين وأدنى ، فإن الصلاة تؤكد قرب العبد من ربه وقربه منه عز وجل ، فإذا نوى المسلم وكبّر تكبيرة الإحرام وقال : الله أكبر ، ودخل في صلاته كان ذلك منه عروجا إلى ربه عز وجل ، وصلة منه به سبحانه ، منقطعا عن عالم الدنيا بما فيه شهوات وفتن ومغريات ومضّلات ، وإذا أردت التمثيل لهذه المسألة فإني أشبهها بالهاتف المحمول ( البلفون ) فالواحد منا يضغط على أزرار الهاتف المحمول وفي لحظات يتكلم مع غيره من البشر ولو كان في أقصى الأرض ، وهكذا الصلاة ، فهي مناجاة وكلام من العبد مع الله تعالى ، فهي تسبيح وحمد وثناء واستغفار وشكر وذكر

المسألة السابعة : والمعراج له ثلاث منازل وهي :

من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى

ومن المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى

ومن سدرة المنتهى إلى قاب قوسين وأدنى

فأن الصلاة هي معراج العبد المسلم إلى الله تعالى بثلاث منازل أيضا وهي : القيام ، والركوع ، والسجود . والسجود هو أقرب منازل المسلم من ربه تعالى ، فإذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم برتبته ومنزلته إلى قاب قوسين وأدنى ، فإن العبد المسلم بصلاته أثناء سجوده يصل إلى أقرب مقام من ربه ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ولهذا القرب فقد حثّ النبي عليه الصلاة والسلام المسلم أن يستغل سجوده وهو قريب من ربه بالدعاء وقال ( فاجتهدوا بالدعاء ـ يعني في السجود ـ فقمنى ـ حري ـ أن يستجاب لكم ) ، فلحظات السجود هي لحظات الاتصال مع الله تعالى من غير وساطة أو ترجمان

المسـألة الثامنة : وإذا كان الإسراء والمعراج تسلية وتسرية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من أذى واضطهاد من الكفار والمشركين ، فإن الصلاة أيضا هي تسلية وتسرية للمسلم عما يلاقيه من عناء الدنيا وهمّها ونكدها ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) فالصلاة هي موطن راحة البال ، وموطن سكن النفس وطمأنينتها ، وهي سبب لسكون الأعصاب وهدوئها ، فلا عجب إذن حين نسمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول ( وجعلت قرة عين في الصلاة )

فالصلاة هي إسراء المسلم إلى ربه ، وهي معراجه إليه عز وجل

المسألة التاسعة : ومصور الصلاة بشكل واسع ، وفاعل ومؤثر في إسراء النبي ومعراجه ، يؤكد ما ذكرته من معان ودلالات ، فصلاة الفريضة ، وصلاة النافلة ، وصلاة الجماعة ، وشعائر الصلاة من اذان وإقامة وإمامة وما يترتب على ترك الصلاة والتشاغل عن بعضها من عقوبة ، كل ذلك كان حاجزا في رحلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وفي معراجه أيضا .

المسألة العاشرة : أما صلاة الفريضة فقد ذكرت الحديث الوارد في فريضتها مباشرة دون وحي ، والمسلمون يجمعون على أن الصلاة هي الركن الثاني بعد الشهادتين ، وهي عمود الإسلام ، وهي فريضة محكمة ، على كل مسلم ، بالغ عاقل أن يؤديها ، ويكفر تاركها جحودا وتكاسلا على الصحيح من قول إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه فالتفريط فيه تفريط في الدين ، وقد كان عمر بن الخطاب يقول : لا إيمان لمن لا صلاة له ، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي جاء من بني سليم بعد أن أسلم قال له : ( الحمد لله الذي هداك لهذا الدين الذي يعلو ولا يعلى ، لا يقبله الله إلا بالصلاة ) وقد أجمعت الأمة على فريضة الصلاة ، وأن المسلم يؤديها على الوجه الذي يستطيع به أداءها ، وإذا فقدت وضاعت ضاع الدين كله .

المسألة الحادية عشرة : وفي معراجه صلى الله عليه وسلم رأى عقوبة الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها ، فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ، لا يضّر عنهم من ذلك شيء ، فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال جبريل : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة وقد توعد الله بالعذاب في واد في جهنم اسمه ( ويل ) لمن أخرّ الصلاة حتى يخرج وقتها فقال سبحانه ( ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وتوعد بالعذاب في واد ( غيّ) في جهنم لمن ترك الصلاة بالكلية فقال : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .

المسألة الثانية عشرة : وأما صلاة النافلة في رحلة الإسراء ، فصلاها جبريل عليه السلام ، وصلاة النبي محمد ، وموسى وعيسى وإبراهيم والأنبياء كلهم ، عليهم الصلوات والتسليمات وقد ورد ذلك في عديد من الروايات منها : رواية البيهقي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( .. حتى أتيت بيت المقدس أنا وجبريل فصلى كل واحد منا ركعتين ) وفي رواية مسلم ( ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ) وفي رواية لمسلم أيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مررت ليلة أسري بي بموسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ) وفي رواية أخرى لمسلم ( .. وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي ) ( وإذا إبراهيم قائم يصلي )

المسألة الثالثة عشرة : وأما صلاة الجماعة والأذان والإقامة والإمامة ، ففي رواية ابن مسعود رضي الله عنه

قال النبي : ( ثم دخلت المسجد ـ أي المسجد الأقصى ـ فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ، ثم أذن مؤذن ، فأقيمت الصلاة ، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فصليت بهم ) وفي رواية أبي أمامة عند الطبراني ( ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية مسلم ( فحانت الصلاة فأممتهم )

المسألة الرابعة عشرة : ومن خلال الروايات السابقة نرى حضور الصلاة وأهميتها في رحلة الإسراء والمعراج ، ويمكن أن نخلص إلى مجموعة من الفوائد مما سبق بيانه وذكره وهي :

أولا : أهمية الصلاة وأنها من أهم شعائر الإسلام حيث فرضت مباشرة من غير وحي

ثانيا : وجوب الصلوات الخمس في كل يوم وليلة

ثالثا : مضاعفة أجر الصلوات الخمس إلى أجر خمسين صلاة ، فإذا أضفنا هذه المضاعفة إلى مضاعفتها بخمسمائة صلاة في المسجد الأقصى نرى كم هو كرم الله وعطاؤه ورحمته بالمسلم المصلي

رابعا : تقديم الأتقى والأعلم للإمامة في الصلاة

خامسا : من التقوى ترك الإمامة لمن وجد من هو أحق منه بها

سادسا : ترك الصلاة يوجب العقوبة

سابعا : الصلاة فرض ونافلة
 

ثامنا : النافلة تصلى فرادى والفريضة تصلى جماعة

تاسعا : الأصل في الجماعة أن تصلى في المسجد

عاشرا : فضيلة شد الرحال إلى المسجد الأقصى وفضل الصلاة فيه

الحادي عشر : النبيون كلهم تبع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يسع اتباعهم إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 

الجمعة، 7 أبريل 2017

من فقه القران : العفّة أكرم الأخلاق

من فقه القران

العفّة  أكرم الأخلاق

الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي

إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك

الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس


 

قال الله تعالى: (ولما بلغ أشده أتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين).. إلى قوله (إنه  من عبادنا المخلصين)... سورة يوسف (22-24)

 

فقه الآيات الكريمات وفوائدها في المسائل الآتية :

 

المسألة الأولى : الآيات تتحدث عن يوسف النبي الشاب الكريم ، الذي ينبغي أن يكون قدوة لكل شاب مسلم .

المسألة الثانية : قوله تعالى : ( ولما بلغ أشده) أي : بلغ ثلاثا وثلاثين سنة . والأشد : بلوغ الحلم ، وسن استكمال القوة

المسألة الثالثة : فينبغي لكل شاب مسلم ، أن يعلم أنه في سن الرجولة واكتمال القوة والعقل أنه مسؤول عن ذلك كله  في يوم الاخرة ، كما جاء في الحديث الشريف : (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع .. وذكر منها : وعن شبابه فيم أبلاه)

المسألة الرابعة : (أتيناه حكما وعلما) : والحكم والعلم نعمتان ، يمن الله بهما أو بإحداهما على من يشاء من الشباب التقي النقي الذي يخاف ربه في السر والعلن ، ولهذا ختم الله الآية بقوله ( وكذلك نجزي المحسنين ) أي : الشباب المؤمنين الصابرين .

المسألة الخامسة : وإذا أنعم الله على الشاب المسلم بالعقل والفهم (الحكم والعلم ) وجب عليه استخدامهما في طاعة الله .

المسألة السادسة : قوله تعالى ( وراودته التي هو في بيتها ) : أي امرأة العزيز ، طلبت منه أن يزني بها .

المسألة السابعة : وقد سلكت امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام كل سبل الإغواء . فالمراودة هي الطلب برفق ولين ، والمراودة وهي الرفق في طلب الزنا له صور عديدة في هذا الزمان ، تقوم على المكر والخديعة والاحتيال  على الفتيات ، فليحذر الشاب المسلم ، وليكن كيوسف عليه  الصلاة والسلام .

المسألة الثامنة : ويوسف عليه السلام قابل المراودة  وهي أول طرق الإغواء ، بقوله تعالى (معاذ الله ) ! فطلب العون من الله واستجار به .. فالشاب المسلم التقي إذا راودته خبيثة أو فاجرة رجع مباشرة إلى ربه عز وجل واستجار به .

المسألة التاسعة : وثاني طرق الإغواء تغليق الأبواب ، كما فعلت امرأة العزيز  (وغلقت الأبواب ) ، وتغليق الأبواب ، يعني تهيئة  الفرصة لفعل الفاحشة بالخلوة التي لا يخاف الزاني فيها أحدا لاتخاذ كافة الأسباب في ذلك .

المسألة العاشرة : وقد قابل يوسف عليه السلام طريق الإغواء الثاني هذا ، بقوله ( إنه ربي ) أي زوج امرأة العزيز (أحسن مثواي ) أكرمني . فكيف أخون رجلا في أهله وفي بيته ، وقد أكرمني ، وهذا من مكارم الأخلاق ، فيوسف في الإغواء الأول أعلن خوفه من الله تعالى ، وفي الإغواء الثاني أعلن أنه لا يخون رجلا في بيته ! فيا ليت أصحاب النفوس الضعيفة من الرجال والنساء يتعلمون مكارم الأخلاق والخوف من الله  من فعل يوسف عليه السلام وسلوكه .

المسألة الحادية عشرة : وأما طريق الإغواء الثالثة والأخيرة ، فهي فيما فعلته امرأة العزيز وصرحت به حيث قالت ( هيت لك ) ، أي تهيأت  وتزينت وتحسنت له ، فهي تحثه على الإقبال إلى مواقعتها بكل جرأة ووقاحة .

وقد قابل يوسف عليه السلام هذا الإغواء بقوله ( إنه لا يفلح الظالمون ) أي الذي يعصي الله بالزنا ظالم ولا فلاح له ولا نجاة .

المسألة الثانية عشرة : والشاب المسلم يقابل إغواء المتبرجات والعاريات من النساء اليوم ، بتذكر أن النظر إليهن ظلم للنفس ، وإذلال لها ، فكيف بمن ذهب إلى أبعد من ذلك ،فحينئذ يكون خاسرا وهالكا .

المسألة الثالثة عشرة : وعلى النساء أي يكن عاقلات ، لا يتبعن الأهواء والشهوات ، وليكن ما فعلته امرأة العزيز درسا للفاسقات منهن ، حيث كان مصير ما فعلته هو الفضيحة في الدنيا ، ثم الندم على تلك الفعلة القبيحة .

والعاقل هو الذي لا يعمل عملا يندم عليه أو يجعل الناس يشيرون إليه بإصبع الاتهام . 

المسألة الرابعة عشرة : وقد ورد في الخبر صورة من صور مراودة امرأة العزيز ليوسف ، نوثقها في هذا المقام لفائدة الشباب والشابات ..

فقد ورد أن امرأة العزيز قالت ليوسف : ما أحسن صورة وجهك !

قال يوسف : في الرحم صورني ربي

قالت : ما أحسن عينيك !

قال : بهما أنظر إلى ربي

قالت : ارفع بصرك فانظر في وجهي

قال : إني أخاف العمى في آخرتي

قالت : أدنو منك وتتباعد مني

قال : أريد بذلك القرب من ربي 

قالت : يا يوسف المخدع فرشته لك فادخل معي ، فاقضي حاجتي

قال : إذا يذهب من الجنة نصيبي

 

اللهم احفظ شبابنا وشاباتنا من كل سوء

وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم


من فقه القرآن : وراثة الأرض


من فقه القرآن
وراثة الأرض 
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
امام خطيب المسجد الأقصى المبارك
الامين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

قال الله تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) سورة الأنبياء : 105
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية
المسألة الأولى : الأرض أرضان ، أرض الدنيا وهي التي يعيش البشر عليها ، وأرض الآخرة وهي أرض الجنة .
المسألة الثانية : أرض الدنيا خلقها الله للإنسان لتكون له دار ابتلاء ، وأرض الآخرة وهي الجنة خلقها الله لمن يؤمن به ويعمل صالحا ويتبع دين الإسلام ، فهي دار جزاء .
المسألة الثالثة : وأرض الدنيا خلقها الله للناس جميعا ، فاستخلفها عليهم ، ليعمروها وفق دينه ومنهاجه ، لتحيا البشرية في أمن وسعادة وسلام في ظل منهج الله تعالى ، كما قال عز وجل ( وهو الذي جعلكم خلائق الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم )
المسألة الرابعة : والواجب على الناس جميعا ، أن يعبدوا ربهم بالإسلام ، وأن يلقوا بالمناهج الأرض وراء ظهورهم ، لأن هذه المناهج هي التي تورثهم الفساد وسفك الدماء والجوع والفقر والأمراض ، ولهذا كان تعجب الملائكة  حين أخبرهم الله سبحانه أنه سيجعل في الأرض بشرا (  خليفة ) يعيشون عليها ، فسألوه سبحانه قائلين له :(اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء),وما نراه اليوم من حروب ودمار ,وتآمر على الانسان بقتله وسجنه وطرده وتجويعه انما هو بسبب تنكرهم للهدف الذي خلقوا له وهو عباده الله تعالى ،كما قال سبحانه (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)
المسأله الخامسه : ولقد جعل الله تعالى الارض وطنا للناس ، فحيثما ولد الانسان ونشأ كانت ارضه ووطنه ،وفي بدايه الخلق كانت الارض لآدم وحواء وذريتهما ، قال الله تعالى لآدم وحواء :( اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم بالارض مستقر ومتاع الى حين)، فالحياه بين الناس على هذه الارض هي حياه صراع بين الحق والباطل ، وبين من يريد تحكيم شرع الله وبين من يريد اتباع الاهواء والشهوات ، وهذا يفهم من حكمه خلق الله للناس ، ومن آيات عديده ، منها قوله سبحانه (بعضكم لبعض عدو).
المسأله السادسه : وبعد آدم وحواء وذريتهما ، صار لكل قوم ارضا تكون لهم وطنا ، وقد كانت مكه المكرمه  ارضا ووطنا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث قال عز وجل( وان كادوا ليستفزونك من الارض  ليخرجوك منها واذا لا يلبثون خلافك الا قليلا) .
المسألة السابعة : وقد أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من أرضه مكة المكرمة ، وقال وهو خارج منها " لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت " لأن الأرض غالية على المسلم ، ولأنها وطنه التي يعبد الله فيها .
المسألة الثامنة : وكل إنسان يعتدي على الآخرين ، باحتلال أرضهم ، وأخذها بالقوة ، وطردها منهم ، هو عند الله ظالم ، وع
المسألة الثامنة : وكل إنسان يعتدي على الآخرين ، باحتلال أرضهم ، وأخذها بالقوة ، وطردها منهم ، هو عند الله ظالم ، وعلى المظلوم ينتصر لأرضه ، وأن يعمل لاسترداد حقه بالرجوع إلى داره وأرضه التي أخرج منها ، وهذا قرار من رب العالمين حيث يقول عز وجل ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع صلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) .
المسألة التاسعة : وجعل الله الحق للمسلمين أن ينعموا بأوطانهم ، وأن يقيموا فيها شعائر دينهم ، لأن هذا هو واجبهم حين يملكونها ، ويأمنون عليها من الأعداء ، وقد قال الله تعالى ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) .
المسألة العاشرة : وإذا أردنا أن يثبتنا الله فوق أراضينا ، ويطرد عنها الأجنبي المحتل ، فما علينا إلا أن نتصف بالصفات الأربعة المذكورة في الآية السابقة ، وهذه الصفات هي :
الأولى : الأمر بالمعروف
الثانية : النهي عن المنكر
الثالثة : إقامة الصلاة
الرابعة : إيتاء الزكاة
والثالثة والرابعة هما أول ما يكون من المعروف بعد الشهادتين
ونحن في أرضنا مقصرون في هذه الأربعة ، وبخاصة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولو فهمنا المعنى الحقيقي لهما ، وجزاء الأمر وعاقبة النهي ، لعلمنا لماذا نعيش فوق أرضنا وفي وطننا مغربين مضطهدين كالغرباء .
المسألة الحادية عشرة : قوله تعالى ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) المقصود بالصالحين هنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال سفيان الثوري : هم أهل الصلوات الخمس ، ولهذا ذكر الله بعد هذه الآية قوله عز وجل ( إن في هذا لبلغا لقوم عابدين ) ليؤكد أن الأرض لا يرثها إلا من كان عابدا مطيعا لربه ، وقال ابن عباس : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان .
المسألة الثانية عشرة : وفي معنى الأرض في قوله تعالى ( إن الأرض يرثها .. ) أقوال لأهل التأويل وهي :
القول الأول : أن الأرض المقصودة في الآية الكريمة هي أرض الجنة ، وقد رجح القرطبي في تفسيره هذا القول ، فقال : أحسن ما قيل أنه يراد بها أرض الجنة كما قال سعيد بن جبير ، لأن الأرض في الدنيا قد ورثها الصالحون وغيرهم ، ودليل هذا التأويل قوله تعالى ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث يشاء )
القول الثاني : أنها الأرض المقدسة ، أرض فلسطين ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما
القول الثالث : أنها أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح . والقول الثالث أكدته فتوحات المسلمين من قبل لبلاد فارس والروم وغيرها ، حين أخرجوها من الضلال إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإسلام ، وهذه  هي سنة الله مع أهل الإسلام ، أن يعيشوا في الأرض آخذين بسنة ( الدفع والمرافقة ) لدحر الظالم ، ونصرة المظلوم ، وإبطال الباطل ، وإظهار الحق ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ( ولن تجد لسنة الله تحويلا )
المسألة الثالثة عشرة : وهذا الذي قلناه آنفا ، هو قدر الله في البشرية الذي كتبه في الزبور كما قالت الآية ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) .. والمقصود بالزبور في الآية الكريمة التوراة والإنجيل والقرآن ، وهو سعيد بن جبير ، والمقصود ( بالذكر ) اللوح المحفوظ ، فوراثة الأرض التي في الدنيا سيكون للمسلمين ، والله تعالى يقول ( والعاقبة للمتقين ) ووراثة الأرض التي في الآخرة وهي الجنة ، ستكون للمسلمين من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ..
المسألة الرابعة عشرة : وعليه يمكن أن نبين حال المسلمين على الأرض في الدنيا بما يلي :
أولا : أنهم في اختبار وابتلاء مع أعدائهم
ثانيا : أنهم يذمون ويبتلون في أراضيهم طردا وقتلا ونفيا حين يبتعدون عن دينهم والعمل بأحكامه
ثالثا : أنهم في أوطانهم وأراضيهم يعيشون بين الإستقرار وعدمه ، بحسب بعدهم أو قربهم من ربهم ودينهم
رابعا : أنهم مطالبون بالصبر والثبات
خامسا : أن مصدر سعادة البشرية يكون بعلو المسلمين في الأرض ، ومصدر شقائها يكون بقدر استضعافهم .
سادسا : أن ما يجري لنا على أرضنا ، وما يحصل مع المسلمين في كافة أرجاء الأرض هو قدر مكتوب .
المسألة الخامسة عشرة : وبمناسبة يوم الأرض فعلينا نحن أهل فلسطين واجبات عديدة غير الذي أسلفنا ذكره وبيانه ، وأهم هذه الواجبات :
أولا : المحافظة على الأرض وعدم تسريبها للاحتلال بأي نوع من أنواع التسريب ، سواء كانت أرض فرغة من العمران ، أو أرض عليها عقارات .
ثانيا : مقاطعة كل من يعتدي على الأرض بالتفريط فيها وهذه أقل عقوبة له .
 ثالثا : إحياء الأرض بالعمران إن أمكن ،وإلا   فبزراعتها ،وخير ما يأكل الإنسان من زراعة يده وفي أرضه.
رابعا : بيع الشقق السكنية بربح ومعقول ,هذا الكلام موجه خصيصا لتجار العقارات من أبناء القدس ، وليس من التقوى والدين ومن الوطنية في الوقت الحاضر بيع الشقق السكنية بمئات الآلآف من الدولارات وبربح مضاعف ،فهذا يزيد من غربة القدس ،وفرص تهويدها .
 
خامسا: وحدة أبناء الشعب الفلسطيني مهما اختلفت أفكارهم واتجاهاتهم ، فأقل ما تريده الأرض منهم في هذا الوقت وحدنهم ليحافظوا عليها.


من فقه القرآن : عقد النكاح (2)


من فقه القرآن 
عقد النكاح (2)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 

قال الله تعالى:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن...ألخ الآية " سورة البقرة 121

فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:

المسألة الأولى: باتفاق العلماء فإنه  يحرم النكاح من المشركات ،وإذا نكح مسلم مشركة فلا يجوز استدامة إمساكها في عصمته لآن النكاح باطل ، وكذلك يحرم زواج المسلمة من كافر ومن الأدلة على هذا التحريم قول الله تعالى :" لا هنّ حل لهم ولا هنّ يحلون لهنّ"، ومن المصائب التي تدل على جهل بعض المسلمات وضعف إيمانهن زواجهن من الكفار ، وهي مصيبة مردودها  وخيم على المسلمات في الدنيا وفي الآخرة .

المسألة الثانية: نكاح المسلم الكتابة الباقية على ملتها فيه أقوال أرجحها والله أعلم الجواز مع الكراهة ،أما الجواز فلأن الله قال في سورة المائدة " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان" ، وأما الكراهة فللأسباب الآتية:أولا:وذلك حتى لا ينكح المسلم المومسات من الكتابيات فهذا لا يليق به ولا ينبغي له، والذي يبدو لنا في هذا الزمان أن الزنا عند الكتابيات لا حرج فيه مع حرمته في شريعتهن ، وقد أمر عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان بتطليق كتابية تزوجها ،فسأله حذيفة: أحرام ؟ قال عمر : لا ، ولكن أخشى نكاح المومسات منهن ، ثانيا : أن من حكم إباحة نكاح الكتابية هو رجاء إسلامها ، وهذه الحكمة معدومة مطلقا في زماننا ، وكم من مسلم تزوج من كتابية وبخاصة الأوربيات ثم أغرت زوجها بضلالها فترك دينه أو كاد بسلوكه المخالف لشرائع الإسلام بل وأخذت أولادها منه وهربت إلى بلادها أو رفعت أمرها إلى القضاء وأخذت أولادها منه عنوة وربتهم على دينها وأخرجتهم من دين الإسلام .ثالثا: أن الكتابية تربي أولادها على تعاليم دينها ولها تأثير عليهم أكثر من أبيهم بصفتها أم ،  وكذلك تغذوهم بما هو محرم في شريعة الإسلام ، وهذا كله حرام لأن الواجب تربية الأبناء على تعاليم الإسلام وعلى آدابه ، رابعا : أن المسلمين اليوم يعيشون في حالة ضعف شديد بين الأمم وهم تبع لها ويقلدوهم في كل شيء ، وأن  نكاح المسلم للكتابية في دار الإسلام يختلف عن نكاحها في مثل أوضاعنا ، ففي دار الإسلام لا نخاف على الأولاد منها بل ونرجو إسلامها ، وأما اليوم فالأمر خطير وفيه ضياع للزوج ولأولاده منها .

المسألة الثالثة: نكاح الكتابية الحربية حرام ، والكتابية الحربية هي النصرانية أو اليهودية التي بيننا وبينهم حرب وقتال فهذه من أهل الحرب ويحرم الزواج منها مطلقا وهي على هذه الحالة وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وبه أقول أيضا ،لأن مآلاته على المسلمين  فيه ضرر كبير ،فهي لا يؤمن جانبها ، وربما يعطي من تزوجها ولاءه لأهل الحرب من الكتاب ، ولأن أبناءه منها  سيظلون على دينها بحكم الواقع والقانون الوضعي ، فلكل هذه المآلات  وغيرها التي كلها شر محض يحرم على المسلم نكاح الكتابية الحربية ، وعلى المسلمين التحذير من هذا والتناهي والبعد عنه  .

المسألة الرابعة :قوله تعالى " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا" فيه دليل على بطلان النكاح من غير الولي ،فالولي شرط في صحة عقد النكاح لهذه الآية الكريمة ولعديد الأدلة النقلية ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم " لانكاح إلا بولي" ,ولقوله أيضا:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل"، وعليه فإن من صور الزواج العرفي  النكاح بغير ولي ،فهذا النكاح باطل ،ويجب على الفور التفريق بينهما ، ونحذر الفتيات من مغبة التغرير بهنّ ممن لا أخلاق ولا دين عنده من الشباب.

المسألة الخامسة:والحكمة من اشتراط الولي في النكاح كله راجع لمصلحة المرأة ، فالمرأة تحفظ كرامتها عندما تكون مطلوبة لا طالبة للزوج ، وتحفظ مصلحتها من التغرير بها بالزواج من غير الكفؤ أو بأقل من مهر المثل ،وإذا تزوجت بغير الكفؤ كان الزواج عارا عليها وعلى أهلها ، وكذلك إذا تزوجت بأقل من مهر مثيلاتها فإنها تعيّر بهذا هي ووليها وأهلها ، والولي في الشريعة الإسلامية ليس كما تظن بعض النساء أنه لإجبارها على الزواج بل الولي هو لإرشادها ونصحها باختيار من ستعيش معه عمرها فهي ولاية إرشاد لا ولاية استبداد .

المسألة السادسة:قوله تعالى "ولأمة مؤمنة خير من مشركة" ليس المقصود بالأمة هنا المرأة المسلمة الحرة بل المقصود الأمة التي هي الرقيق  غير الحرة ، والمعنى أن المسلمة ولو كانت أمة أفضل من الحرة المشركة ،وإن كانت المشركة الحرة يرجى منها نفع دنيوي فإن ما يرجى من المسلمة الأمة التي هي دون الحرة منزلة أفضل وخير لأن ما يرجى منها هو نفع ديني وأخروي .

المسألة السادسة : وإذا كانت هذه الخيرية حاصلة من نكاح أمة مسلمة  غير حرة ،فإن الخيرية أيضا تكون في زواج المسلم من امرأة مسلمة ذات خلق ودين بغض النظر عن جمالها ومالها وحسبها ، وهذا حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" تنكح المرأة لأربع :لمالها ولجمالها ولحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"، لأن الزواج من ذات الدين يبقى أثره  النافع في الدنيا والآخرة فهو نفع دائم ،أما الجمال والنسب والمال فهو نسبي فقد تكون جميلة ثم تصبح دميمة مع تقدم العمر وقد تكون ذات مال أو نسب فيزول المال ويذهب النسب لفعل مشين يقوم به بعض أفراد العائلة .

المسألة السابعة:قوله تعالى :"أولئك يدعون إلى النار" يعني المشركين والمشركات يدعون إلى أسباب النار والمسلم مأمور باجتناب كل فعل وقول يؤدي إلى النار ،وهذا أيضا من حكم تحريم النكاح من المشركات كما ذكرت ابتداء في هذا المقال ، والعاقل من يتقي النار ويجتنبها ويبعد عن أسبابها ولو كان في هذه الأسباب نعيم وخير له في الدنيا فإن هذا النعيم والخير يقابله العذاب والشر والخزي والعار في الآخرة.
نسأل الله العفو والعافية والحمد لله رب العالمين


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More