تعديل

الخميس، 13 أبريل 2017

من فقه القرآن : فضائل المعراج (1)


من فقه القرآن

فضائل المعراج (1)

الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي

إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
قال الله تعالى : ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) سورة النجم آية 10

فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية :

المسألة الأولى : هذه الآية الكريمة جاءت في أوائل سورة النجم في الآيات التي تخبر عن معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى في رحلة الإسراء والمعراج .

المسألة الثانية : وقد أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أمورا عديدة منها أنه فرض عليه الصلاة في معراجه أليه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فأوحى الله إلى ما أوحى ، وفرض علي في كل يوم وليلية خمسين صلاة (

المسألة الثالثة : وفرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته معه ومن بعده في ليلة المعراج ، بيان لأهميتها وأنها أوكد شعائر الإسلام ، فهي الفريضة الوحيدة التي فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم من غير وساطة الوحي جبريل عليه السلام

المسألة الرابعة : والقارئ والدارس لمعجزة الإسراء والمعراج كما وردت في مصادرها الصحيحة من كتب السنة الشريفة والحديث الشريف ، يجد أن الصلاة احتلت مساحة واسعة ، وكانت حاضرة بشكل فاعل في إسرائه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، وفي معراجه إلى السموات العلى من المسجد الأقصى المبارك .

المسألة الخامسة : أما في المعراج فقد روى أنس قال : " فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين ، ثم نقصت حتى جعلت خمسا ، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ، وأن لك بهذه الخمس خمسين ) وفي الحديث الطويل الذي يرويه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم ذهبت إلى سدرة المنتهى ، فإذا أوراقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمارها كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها ، فما يستطيع أحد من خلق الله أن يصفها من حسنها ، قال : فأوحى الله إلي ما أوحى وقد فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فأن أمتك لا تطيق ذلك ، وإني قد بلوت بني اسرائيل وخبرتهم .. وظل النبي صلى الله الله عليه وسلم يرجع بين ربه عز وجل وبين موسى ويحط عنه خمسا خمسا حتى قال : يا محمد هنّ خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة .. "

المسألة السادسة : وإذا كان المعراج وثّق صلة النبي صلى الله عليه وسلم بالله تعالى أكثر من ذي قبل ، حيث وصل إلى سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قوب قوسين وأدنى ، فإن الصلاة تؤكد قرب العبد من ربه وقربه منه عز وجل ، فإذا نوى المسلم وكبّر تكبيرة الإحرام وقال : الله أكبر ، ودخل في صلاته كان ذلك منه عروجا إلى ربه عز وجل ، وصلة منه به سبحانه ، منقطعا عن عالم الدنيا بما فيه شهوات وفتن ومغريات ومضّلات ، وإذا أردت التمثيل لهذه المسألة فإني أشبهها بالهاتف المحمول ( البلفون ) فالواحد منا يضغط على أزرار الهاتف المحمول وفي لحظات يتكلم مع غيره من البشر ولو كان في أقصى الأرض ، وهكذا الصلاة ، فهي مناجاة وكلام من العبد مع الله تعالى ، فهي تسبيح وحمد وثناء واستغفار وشكر وذكر

المسألة السابعة : والمعراج له ثلاث منازل وهي :

من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى

ومن المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى

ومن سدرة المنتهى إلى قاب قوسين وأدنى

فأن الصلاة هي معراج العبد المسلم إلى الله تعالى بثلاث منازل أيضا وهي : القيام ، والركوع ، والسجود . والسجود هو أقرب منازل المسلم من ربه تعالى ، فإذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم برتبته ومنزلته إلى قاب قوسين وأدنى ، فإن العبد المسلم بصلاته أثناء سجوده يصل إلى أقرب مقام من ربه ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ولهذا القرب فقد حثّ النبي عليه الصلاة والسلام المسلم أن يستغل سجوده وهو قريب من ربه بالدعاء وقال ( فاجتهدوا بالدعاء ـ يعني في السجود ـ فقمنى ـ حري ـ أن يستجاب لكم ) ، فلحظات السجود هي لحظات الاتصال مع الله تعالى من غير وساطة أو ترجمان

المسـألة الثامنة : وإذا كان الإسراء والمعراج تسلية وتسرية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من أذى واضطهاد من الكفار والمشركين ، فإن الصلاة أيضا هي تسلية وتسرية للمسلم عما يلاقيه من عناء الدنيا وهمّها ونكدها ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) فالصلاة هي موطن راحة البال ، وموطن سكن النفس وطمأنينتها ، وهي سبب لسكون الأعصاب وهدوئها ، فلا عجب إذن حين نسمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول ( وجعلت قرة عين في الصلاة )

فالصلاة هي إسراء المسلم إلى ربه ، وهي معراجه إليه عز وجل

المسألة التاسعة : ومصور الصلاة بشكل واسع ، وفاعل ومؤثر في إسراء النبي ومعراجه ، يؤكد ما ذكرته من معان ودلالات ، فصلاة الفريضة ، وصلاة النافلة ، وصلاة الجماعة ، وشعائر الصلاة من اذان وإقامة وإمامة وما يترتب على ترك الصلاة والتشاغل عن بعضها من عقوبة ، كل ذلك كان حاجزا في رحلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وفي معراجه أيضا .

المسألة العاشرة : أما صلاة الفريضة فقد ذكرت الحديث الوارد في فريضتها مباشرة دون وحي ، والمسلمون يجمعون على أن الصلاة هي الركن الثاني بعد الشهادتين ، وهي عمود الإسلام ، وهي فريضة محكمة ، على كل مسلم ، بالغ عاقل أن يؤديها ، ويكفر تاركها جحودا وتكاسلا على الصحيح من قول إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه فالتفريط فيه تفريط في الدين ، وقد كان عمر بن الخطاب يقول : لا إيمان لمن لا صلاة له ، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي جاء من بني سليم بعد أن أسلم قال له : ( الحمد لله الذي هداك لهذا الدين الذي يعلو ولا يعلى ، لا يقبله الله إلا بالصلاة ) وقد أجمعت الأمة على فريضة الصلاة ، وأن المسلم يؤديها على الوجه الذي يستطيع به أداءها ، وإذا فقدت وضاعت ضاع الدين كله .

المسألة الحادية عشرة : وفي معراجه صلى الله عليه وسلم رأى عقوبة الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها ، فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ، لا يضّر عنهم من ذلك شيء ، فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال جبريل : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة وقد توعد الله بالعذاب في واد في جهنم اسمه ( ويل ) لمن أخرّ الصلاة حتى يخرج وقتها فقال سبحانه ( ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وتوعد بالعذاب في واد ( غيّ) في جهنم لمن ترك الصلاة بالكلية فقال : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .

المسألة الثانية عشرة : وأما صلاة النافلة في رحلة الإسراء ، فصلاها جبريل عليه السلام ، وصلاة النبي محمد ، وموسى وعيسى وإبراهيم والأنبياء كلهم ، عليهم الصلوات والتسليمات وقد ورد ذلك في عديد من الروايات منها : رواية البيهقي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( .. حتى أتيت بيت المقدس أنا وجبريل فصلى كل واحد منا ركعتين ) وفي رواية مسلم ( ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ) وفي رواية لمسلم أيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مررت ليلة أسري بي بموسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ) وفي رواية أخرى لمسلم ( .. وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي ) ( وإذا إبراهيم قائم يصلي )

المسألة الثالثة عشرة : وأما صلاة الجماعة والأذان والإقامة والإمامة ، ففي رواية ابن مسعود رضي الله عنه

قال النبي : ( ثم دخلت المسجد ـ أي المسجد الأقصى ـ فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ، ثم أذن مؤذن ، فأقيمت الصلاة ، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فصليت بهم ) وفي رواية أبي أمامة عند الطبراني ( ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية مسلم ( فحانت الصلاة فأممتهم )

المسألة الرابعة عشرة : ومن خلال الروايات السابقة نرى حضور الصلاة وأهميتها في رحلة الإسراء والمعراج ، ويمكن أن نخلص إلى مجموعة من الفوائد مما سبق بيانه وذكره وهي :

أولا : أهمية الصلاة وأنها من أهم شعائر الإسلام حيث فرضت مباشرة من غير وحي

ثانيا : وجوب الصلوات الخمس في كل يوم وليلة

ثالثا : مضاعفة أجر الصلوات الخمس إلى أجر خمسين صلاة ، فإذا أضفنا هذه المضاعفة إلى مضاعفتها بخمسمائة صلاة في المسجد الأقصى نرى كم هو كرم الله وعطاؤه ورحمته بالمسلم المصلي

رابعا : تقديم الأتقى والأعلم للإمامة في الصلاة

خامسا : من التقوى ترك الإمامة لمن وجد من هو أحق منه بها

سادسا : ترك الصلاة يوجب العقوبة

سابعا : الصلاة فرض ونافلة
 

ثامنا : النافلة تصلى فرادى والفريضة تصلى جماعة

تاسعا : الأصل في الجماعة أن تصلى في المسجد

عاشرا : فضيلة شد الرحال إلى المسجد الأقصى وفضل الصلاة فيه

الحادي عشر : النبيون كلهم تبع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يسع اتباعهم إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More