تعديل

الجمعة، 7 مارس 2025

كن مباركا كرمضان

رقائق إيمانية
كن مباركا كرمضان
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
تعلمنا منذ صغرنا أن التشبه بأهل الصلاح أساس النجاح والفلاح ، وهذا صحيح لأن القرين يقتدي بقرينه ، والصاحب يتأثر بصاحبه ، فيشرب منه خلاله من غير أن يدري ويشعر ، أيّا كانت هذه الخلال خيرا أو شرا ، وصاحبنا رمضان أنعم به من صاحب ، فهو رمضان المبارك بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم له بهذا الوصف ، ومظاهر بركته كثيرة ، فهو شهر الفتح لأبواب الجنة بفتح باب الطاعة والخير ، وهو شهر إغلاق أبواب الجحيم ، باعتزال ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو شهر تغلق فيه أبواب الشرّ ودواعيها ، فتصفّد فيه الشياطين التي ديدنها الدعوة إلى المنكرات ، والصدّ عن المعروف والطاعات ، ومن بركات صاحبنا رمضان أن شهر العتق من النار ، بل بركته هذه في كل ليلة من لياليه ، ومن أعظم بركات رمضان أن فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغفلة عنها أو التهاون في قيامها فقال : ( من حرم خيرها فقد حرم ) ، ومن البركات التي نمارسها في رمضان صلة الأرحام ، والصدقات ، وإخراج الزكاة ، والعفو عن الزلات ، والتكافل بعديد صوره ومظاهره ، وحين تجتمع هذه البركات لهذا الصاحب المبارك رمضان لا بدّ من الاحتفال بها ، وهذا ما شرعه لنا ديننا الحنيف ، حيث نختم هذه البركات ، ببركة ظاهرة ومميزة لشهر رمضان وهي الاحتفال بالفطر منه في يوم نسميه ( عيد الفطر) ، وحتى عيد الفطر هو نفسه ظاهر البركة لتأثره ببركات رمضان ، فهو شهر تقام فيه الصلوات ، وتزار فيه الأرحام ، ويفرح ببركته الصغار والكبار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهل رأيت أخي الحبيب بركة أعظم من بركة صاحبنا رمضان ، فلماذا لا نقتدي به ، ونأخذ من بركته ، نتزود بها سائر أيام السنة وسائر شهورها ؟ أليس من الواجب على الصائم لرمضان المبارك أن يكون مباركا مثله ؟ إذن تعال نتعرف مع بعضنا البعض على صفات الرجل المبارك ، وهي صفات تشمل المرأة ، وإنما قلنا " الرجل" بناء على التغليب في الخطاب كعادة العرب ، لأن البركة تشمل كل مسلم يصاحب شهر رمضان ، صائما له إيمانا واحتسابا ، سواء كان رجلا أو امرأة ، صغيرا كان أو كبيرا ، فإن البركة إذا حلّت في شيء أو مكان ، عمت ذلك المكان أو الشيء كله ، فما هي صفات المسلم المبارك ؟ ومن هو الرجل المبارك الذي نريده فينا ؟إن الرجل المبارك هو الذي يجري الله تعالى على يديه منافع في الدين ، ويكون داعيا إلى الإسلام ، ومعلما من معالم الدين والدعوة ، وهو الرجل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، الذي يرشد من ضلّ عن سبيل الهدى ، وينصر المظلوم ويقف معه ، وهو الذي يغيث الملهوف ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وصف شهر رمضان بأنه شهر مبارك فقال : ( أتاكم رمضان شهر مبارك) ، وكان من بركات شهر رمضان ، إظهار معالم الدين وإشهارها بين المسلمين ، وحرص المسلمين أثناء صيامهم في شهر رمضان على البعد عن المنكرات ، والإقبال على الطاعات والواجبات الشرعية ، وإغاثة الفقراء والمعوزين والمحتاجين ، فكذلك الرجل يكون مباركا بامتثاله الصفات التي ذكرتها آنفا ، وهذه الصفات هي من صفات سيدنا عيسى بن مريم حيث قال الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام : (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ)، قال ابن القيم:كيف يكون الرجل مباركا ؟ قال: ( فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حلّ ، ونصحه لكل من اجتمع به ) ، فيكون الرجل معلما للخير ، داعيا إليه ، وعليه فأنت أيها المسلم وأنت أيتها المسلمة ، كونوا مثل شهر رمضان مباركين ، وذلك بما يلي : أولا : في بيوتكم كونوا ناصحين ودعاة إلى الخير مع زوجاتكم وأزواجكن ، ومع أولادكم وبناتكم وأهل بيتكم ، ثانيا : كونوا مباركين في أماكن عملكم ، تؤدونه بإخلاص ، ولا تغشون ، وتنصحون من حولكم بالخير ، ثالثا : كونوا مباركين في الشارع ، والمسجد ، والأماكن العامة ، وفي الحافلات ، وفي الأسواق ، وأينما حللتم وكنتم ، لتظهر بركتكم بصلاحكم ، وإصلاح من حولكم ، بالدعوة إلى الدين وتعاليمه السمحة ، وبالخلق الحسن ، واللسان اللين الذي لا ينطق إلا حقا ، ولا يقول إلا صدقا ، وبنصرة المظلوم ، ورد المظالم إلى أهلها ، فمن سكت عن الحق ، وخرس لسانه عن الدعوة إلى الخير ، ومن أكل أموال الناس ، واعتدى على أعراضهم ، واتسخت يده بدمائهم ،فهذا رجل غير مبارك ، نعوذ بالله منه ومن أمثاله ، وأما من كان سلما وأمنا للمسلمين ، ومن كان مفتح خير مغلاق شر، ومن كان ناصحا بالحق ، رجّاعا إليه ، ووقّافا عنده ، وكان آمرا بالمعروف ، وناهيا عن المنكر ، وكان يألف ويؤلف ،إذا دخل بيته أو أي مكان استبشر الناس بقدومه ، وإذا غاب عن بيته وعمن يعرفه ، اشتاقوا إليه ، فمثل هذا هو المبارك ، رجلا كان أو امرأة، فكونونا مباركين.
والحمد لله رب العالمين

خطبة الجمعة للدكتور محمد سليم محمد علي من المسجد الاقصى المبارك 7 رمضان

 خطبة الجمعة للدكتور محمد سليم محمد علي من المسجد الاقصى المبارك 7 رمضان




الخميس، 6 مارس 2025

البرنامج اليومي للمسلم في رمضان

البرنامج اليومي للمسلم في رمضان
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أيام شهر رمضان هي أيام تدريب عملي للمسلم على المنهج الذي يستخدمه في قضاء ساعات أيام عمره ، التي كل لحظة منها إما أن تسجل في ميزان حسناته ، أو تسجل في ميزان سيئاته ، والمسلم عادة يبدأ يومه بذكر الله تعالى بعد الاستيقاظ من نومه ، فإذا كان ناويا للصيام فريضة كصوم رمضان أو غيره ، فمن السنّة النبوية أن يتناول طعام سحوره ، لأن في تناوله تعبّدا لله تعالى ، فهو يعمل بالسنّة النبوية ، ويخالف أهل الكتاب في صيامهم لأنهم لا يتسحرون ،وينال دعاء الملائكة له ، لأن الملائكة تصلي على المتحسرين ، يعني : تدعو لهم ، تقول : اللهم ارحمهم ، الله اغفر لهم ، وبالسحور يتعود المسلم على الاستجابة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، واتباع سنته ، والمبادرة إليها ، عدا عن أنه بتقوى سائر يومه على طاعة الله ، والقيام بأعماله ،وبعد تناول السحور ، يحرص على أداء صلاة الفجر جماعة ، ثم بعد ذلك يقرأ ورده الصباحي من الأذكار ، سواء جلس في مصلاه ، أو خرج بعد ذلك لطلب الرزق ، وإن كان موظفا ، أو عاملا ، خرج لعمله ، حافظا لسمعه ، وبصره ، ولسانه ، ويده ، وقدمه ، من كل ما نهى الله عنه وحرّمه عليه ، فإن كان فارغا من العمل ، وقد كفاه الله مؤنة الكسب ، شكر الله تعالى على هذه النعمة ، فيجلس ، ويصلى صلاة الضحى التي هي صلاة الأوابين ، وأقلها ركعتان ، وتكفيان المسلم عن شكر الله تعالى على نعمة الخلق الذي خلقه عليه ، وهذا كل صباح ، ولا ينسى ورده من القرآن الكريم ، فيقسم الورد القرآني إلى قسمين ،الأول : قراءة القرآن ، ويحرص على ختم القرآن في شهر رمضان أكثر من مرة ، والثاني : تلاوة القرآن ، وهذه التلاوة هي قراءة القرآن بالتدبر والتفكر في معانيه ، ومحاولة التخلق بأخلاق القرآن الكريم ، وهذه التلاوة لا يشترط فيها ختم " الختمة" ،بل هي للتدبر ، والعمل بأحكام القرآن الكريم ، ثم يحرص المسلم على الصلوات الخمس جماعة في المسجد ، ولا يتقاعس عن خدمة أهله في بيته ، ويحفظ سلوكه ، وأخلاقه معهم ، فلا يؤذيهم بقول أو فعل بحجة أنه صائم ، ولا يطلب منهم أكثر مما يجب عليهم ، وأكثر مما يطيقون ، فهم مثله صائمون ، وهم مثله فيما يجب عليهم فعله في أيام رمضان ، وأفضل أخلاق المسلم في رمضان خاصة الصبر ، فلا يجهل إذا جهل عليه الآخرون ،ويعفو ويصفح ، ولا يرفث ، ولا يصخب ، فهذه تيجان الصائم الذي يقبل الله منه صيامه ، وإذا كان في المسجد وفيه مجلس علم ، فالأفضل الاستماع إلى درس العلم ، لأن درس العلم وقته محدود وينتهي ، وأما تلاوة القرآن والذكر ،فلديه وقت طويل للتلاوة ، ثم يستثمر المسلم يومه في صلة الرحم ، بتفطير الصائمين ، وبرّهم بما يقدر عليه من أنواع البر والصلة لهم ، وهو قبل ذلك كله ، يعلن توبته النصوح إلى ربه تعالى ، من حقوق الله عليه ، ومن حقوق العباد التي لا يغفرها الله إلا برد هذه الحقوق لأصحابها ،فإذا حان وقت الإفطار ، جلس مع أهل بيته ، متحببا إليهم ، ومشفقا عليهم ، ويحرص أن لا يملأ بطنه ، بل كما جاء في الحديث ، ثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه وهوائه ، وحين يخرج لصلاة العشاء والتراويح ، لا يخرج من صلاة التراويح قبل صلاة ثماني ركعات على الأقل ، فبعض الناس يصلى أربع ركعات تراويح ، فهذا يكون قد أساء ، لأن التراويح لا تقل عن ثماني ركعات ،وإن كان يجزىء أقل من هذه الركعات ، ثم يصلى مع الإمام حتى ينتهي الإمام من صلاته ، فإذا صلى في أحد المساجد الثلاثة خاصة ، يحرص على الاستزادة من ركعات التراويح حيث يصلي معهم الركعات المتعارف على صلاتها فيها ، فإذا رجع إلى بيته ، لا يخلط العمل الصالح بالعمل المحرم ، كالسهر من غير ضرورة ، أو يجلس في مجالس أحاديثه دنيوية ، فيها لغط ولغو كثير ، ولا يمضي ليله متنقلا من فضائية إلى أخرى ، متابعا البرامج التمثيلية ، وغير ذلك مما هو منكر ، ولا ينسى أن يُبيّت النية لصيام اليوم التالي ، لأن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة ، ويحتاج إلى نيّة مستقلة ،ولأن كل عبادة لا تقبل إلا بالنية ، وهذا البرنامج يشمل الرجل والمرأة ، إلا أن المرأة لها خصوصية ، تجعلها تقوم على خدمة أهل بيتها نهار رمضان وليله ، وهذا العمل لها أجرها عليه عند الله سبحانه ، وبهذا يكون أجر المرأة الصائمة في نهار رمضان خاصة ، والتي تقوم بإعداد الطعام وغير ذلك من أمور الأسرة ، أكثر من أجر الرجل ، وإذا ابتلى الله الزوجة بزوج سيء الخلق في شهر رمضان ، كثير الطلبات ، ثم صبرت هذه الزوجة على هذا الزوج ، تضاعف أجرها ، وزاد ثوابها ، وأخيرا فالعمل الصالح في أيام رمضان لا يقتصر على الصوم ، والصلاة ، وتلاوة القرآن ، فالمسلم العامل ، والموظف ، هو أيضا في علمه ، ووظيفته ، يقوم بعمل صالح ، إن كان عمله مشروعا ، وهو يتقي الله فيه.
والحمد لله رب العالمين

الأربعاء، 5 مارس 2025

القدس حزينة وتخلو شوارعها من الزينة

القدس حزينة وتخلو شوارعها من الزينة
ليالي رمضان مميزة في مدينة القدس

أعتق رقبتك من النار

أعتق رقبتك من النار
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى
من خصائص ليالي رمضان ، أن كل ليلة منها يكتب الله فيها العتق من النار لكل مسلم ، كتب الله له العتق منها ، وذلك مصداقا لما رواه الترمذي في سننه رقم (682) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (وَلِلهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)،وإذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية لنعرف معاني كلمة " العتق" ، وعلاقتها بالمسلم الصائم في رمضان ، نجد أن العتق للصائم يشتمل على عدة معانٍ كلها – والله أعلم – مرادة من الحديث الشريف الدالّ عليها ، وهي : أولا : العتق في اللغة العربية يعني : الحرية ، وهو أشهر معانيها ، وأول ما يتبادر إلى ذهن سامعها ، والحرية مطلب إنساني لا يتنازل عنه البشر جميعهم ، لأنه أساس الكرامة الإنسانية ، وعليه تقوم الحياة ، ولأجل الحرية يبذل الأفراد والشعوب أرواحهم ،فإذا فقدوها كانت حريتهم أغلى من حياتهم ، ولنا أن نتصور هذا المعنى بالنسبة للمسلم الصائم ، فهو يبذل كل ما يستطيع من ترك شهواته ، ويسهر لياليه ، ويبذل مالهُ ، وينفقه في سبيل الله ، من أجل أن ينال أعظم حرية على الإطلاق ، هذه الحرية زمانها مطلق ، ونعيمها مغدق لا يزول ، وهي حرية الخلود في الجنة ، بعد أن كانت نيران جهنم متقدة ، تنتظره ليسجن فيها أبدا ، ويذوق فيها مرارة الذل ، وشدة الهوان ، ودوام البؤس ، إن هو انتهك حرمة رمضان ، ولم يظمأ نهاره ، ولم يجع بطنه فيه ، ولم يسهر ليله ، استجابة لأمر الله له بالصيام والقيام ، فما أعظم هذه الحرية ! وما أفضل هذا العتق من النار ! ثانيا : ومن معاني العتق في اللغة العربية : الكرم ، والعتق للمسلم الصائم من النار يوم القيامة من أعظم الكرم ، الذي يكرم الله به عباده المؤمنين المتقين ، الذين صاموا نهارهم ، وقاموا ليلهم في شهر رمضان ، وهل هناك كرم أفضل من كرم الحرية ؟ وهل هناك كرم أفضل من العتق من غضب الله على العبد ؟ وهل هناك كرم أنجى للعبد من العذاب في نار تتلظى ؟ والكرم الذي هو من معاني العتق في اللغة العربية ، يدلل على كرم الله المطلق ، وعلى اسم من أسمائه وهو " الكريم " ، وقد أمرنا الله سبحانه إذا دعوناه أن نكثر في دعائنا من قول " يا ذا الجلال والإكرام " ، ثالثا : ومن معاني العتق في اللغة العربية : الجمال ، وكيف لا يكون العتق من نار جهنم جمالا، وبه تصير الوجوه كما أخبرنا الله ( مسفرة ، ضاحكة مستبشرة) ، ولماذا لا تكون ليالي رمضان ليالي الجمال ، وفيها تصفو الروح ، ويقف الجسد في التراويح والقيام مرتاحا من كدر المعصية ، ونقيّا من دَرَن الذنوب ؟ أليس هذا هو الجمال بعينه ؟ أليس هذا هو العتق للروح والجسد من عبودية الدنيا ، والشهوات ، والملذات ؟ ولماذا لا تكون ليالي رمضان ليالي الجمال ، وفيها نزل القرآن ، وفيها تتنزل الملائكة البررة ، وفيها تصدح الحناجر بسور القرآن وآياته ؟ إن هذا لهو العتق الحقيقي للمسلم الصائم من ذل العبودية لغير الله تعالى ، هذا العتق الذي يضفي عليه جمالا في دنياه ، بالحياة المطمئنة ، وفي آخرته بالحرية التامة حين يسرح ويمرح في جنات عدن ، فيكون الجمال الأبدي ، حيث النعيم المقيم ، رابعا : ومن معاني العتق في لغة العرب : الصلاح ، والصلاح ميزان الحرية ، الذي به يوزن العتق للمسلم الصائم القائم ، لأن بالصيام والقيام صلاحه ، أليست حكمة الصيام كما أخبرنا الله بقوله : ( لعلكم تتقون) ؟ والتقوى هي جماع الصلاح كله ، وصلاح المسلم الصائم هو ثمرة صيامه ، وصلاح المسلم القائم في رمضان هو نتاج قيامه ،وهذا الصلاح به يكون المسلم عتيقا من المعصية التي تحبسه ، وبه يكون فكاكه من أسره الذي ينتظره يوم القيامة ، فهل أدركت أيها المسلم الصائم في رمضان ، والقائم في لياليه ، أهمية عتق رقبتك من ذل العبودية في الدنيا ، ومن سوء المصير في الآخرة ؟ إنه تكريم لإنسانيتك ، وجمال لشخصيتك ، وصلاح لذاتك ، ولا يكون عتقك إلا بهذه المعاني ، ولا نجاة لك من النار ، إلا بالقرب من ربك ، بالإيمان الصادق ، والإخلاص في القول والعمل ، وأداء ما فرض الله عليك ، واجتناب ما نهاك الله عنه ، فكن مع شهر رمضان كريما كي تكون عتيقه ، وكن في ليالي رمضان جميلا كي تكون فيها عتيقا ، واتخذ من تقلب نهار رمضان وليله طريقا لصلاحك ، كي تكون العتيق يوم الدين ، فهذا أبو بكر الصديق لقّبه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتيق فقال له : (أنت عتيق من النار)، وكان رضي الله عنه يلقب بالعتيق لجماله أيضا ، فلا تخرج من شهر رمضان إلا وأنت محررٌ من سجن عبوديتك للشهوة والهوى ، فقم وتحرر منها كلها ، وتذكر أن ليالي رمضان ، فرصة لعتق رقبتك ، بكل ما تحمل هذه الكلمة من المعاني ، فقم هذه الليالي ، ولا تنم فيها إلا قليلا .
والحمد لله رب العالمين

الصيام المثمر

الصيام المثمر 
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
 خطيب المسجد الأقصى المبارك
الصيام شجرة ، والمرجوّ منها ثمارها ، فإذا صمنا شهر رمضان فهذا يعني أننا غرسنا شجرته لنقطف منها ثمارها ، ولا يكفي أن تكون هذه الشجرة يانعة خضراء دون أغصان وارفة ، فمجرد الجوع والعطش واعتزال معاشرة الزوجات هو هذه الشجرة ، لكن ما يترتب على هذا الامتناع عن المفطرات الثلاثة التي ذكرتها لا يكفي للحصول على الثمرة ، لأن هذه المفطرات في أصلها مباحة للمسلم المكلف ، وإنما كان مقصد الامتناع عن هذه المباحات أن يمتنع المسلم المكلف بالصيام عن غيرها من المحرمات ، وهذه هي ثمرة الصيام الحقيقية والتي قال الله فيها ( لعلكم تتقون) سورة البقرة:(183)، ومع هذه الثمرة الأصيلة للصيام وهي التقوى وحتى يكون الصيام مثمرا ، ويؤتي أكله ، لا بد من التزام المسلم الصائم عدة أمور ، وهي : أولا : أن تتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام ، وأن تسلك طريقه ، وأن تكون على مجاهدته التي كان عليها أثناء شهر رمضان ، وهذا يتطلب منك أن تفقه صيام النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في سلوكه أثناء صيامه حتى تكون متبعا له صلى الله عليه وسلم ، وهذا أصل من أصول ديننا ، وهو أننا نتبع ولا نبتدع،لأن الأصل في العبادات الوقيف ،قال الله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)سورة آل عمران : (132)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (من أطاعني دخل الجنة،ومن عصاني فقد أبى) ، رواه البخاري في صحيحه ، ثانيا : المسابقة إلى الطاعات والخيرات والتنافس فيها بقدر ما أعطاك الله من قوة بدنية ومالية وعلم وفقه ، وهذا مجاله واسع في شهر رمضان ، وباب مفتوح على مصراعيه ، والأصل فيه قول الله تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)سورة المطففين : (26) ، فالمبادرة إلى كل خير ، والمبادرة إلى اجتناب كل شر ، هو الركن الذي يقوم عليه صيام المسلم في شهر رمضان ، وقال الله تعالى في المسابقة إلى الطاعات : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)سورة آل عمران : (133) ، فلا بد من المسارعة إلى ما يوجب المغفرة ، ويعتق الرقبة من النار ، وهي الطاعة لله تعالى ، والطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، فاستباق الخيرات ثمرة من ثمار الصيام ، فأداء الفرائض ثمرة ، والصبر عن المعاصي ثمرة ، والصبر على أقدار الله ثمرة ، وبقدر ما ينتج صيامك من ثمار يكون صيامك مقبولا ، وطريقا إلى ولوج الجنة المفتوحة أبوابها لك في شهر الصيام ، ثالثا : خلع عادات الجاهلية التي يلبسها كثير من الناس ، فكيف تكون صائما لله إيمانا واحتسابا وأنت تلبس ثياب الجاهلية وتتزين بزينتها ، كالعصبية ، وكراهية التحاكم إلى شرع الله ، والتبرج للمرأة ، واللباس غير المقبول من الرجال اليوم ، وغير ذلك كثير ؟ وأنت بأعمال الجاهلية تناقض إيمانك وصومك فانتبه رعاك الله وكن على حذر ، فكل هذه الأعمال هي كالأغصان اليابسة في شجرة صيامك ، قال ربنا عزّ وجلّ: (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)سورة المائدة : (50)، رابعا : التعاون مع جماعة المسلمين حولك على كل طاعة وبرِ وإحسان ، ولا يكفي أن يجمعنا أذان الفجر لنبدأ صيامنا ، وأن يجمعنا أذان المغرب لننهي صيامنا ، بل يجب أن يجمعنا شهر رمضان على سبيل الحق والتقوى والتناصح والتناصر عليهما ،قال رسولنا صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه النسائي رقم 4210، خامسا : أن تأمر بالمعروف ، وأن تنهى عن المنكر ، فكما أن من الواجب عليك حتى يقبل الله منك الصيام أن تحفظ جوارحك كلسانك وبصرك وسمعك ويدك وقدمك من كل منكر ، وأن تعمل كل هذه الجوارح في طاعة الله تعالى ، فإنه يجب عليك أن تكون آمرا بالمعروف ، وناهيا عن المنكر ، بضوابطه الشرعية ، وهذا جزء لا يتجزأ من عملك اليومي في كل يوم من أيام السنة ، وفي كل يوم وليلة من أيام وليالي رمضان ، لأنه لا يكفي أن تكون صالحا حتى تكون مصلحا ، والآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة كثيرة في وجوب الأمر بالمعروف ووجوب النهي عن المنكر ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة آل عمران : (104) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لتامرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ، أو ليوشكنّ الله يبعث عليكم عذابا منه ثمّ تدعونه فلا يستجاب لكم ) رواه الترمذي 2169، فانظر رعاك الله كيف يكون تركك للأمر بالمعروف ، وإعراضك عن النهي عن المنكر مانعا من استجابة عائك ، وأنت في صيامك لك دعوة مستجابة فلا تغلق الباب في وجهها ، وليكن صومنا مثمرا بثماره الدانية ، بالكف عن الآثام في رمضان ، ثم بأعمال الخير وهي كثيرة ، وثمارها قريبة مثل : صلة الرحم والصدقة وإخراج الزكاة وكفّ الأذى عن المسلمين ،والتعاون على الخير ، والتنادي إلى إغلاق أبواب الشر التي أغلقها الله بإغلاق الجحيم.
والحمد لله رب العالمين

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More