تعديل

الأحد، 19 مارس 2017

من فقه القرآن : عقد النكاح (1)


من فقه القرآن
عقد النكاح (1)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

قال الله تعالى:"وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" سورة البقرة(221)
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية :
المسألة الأولى: الآية الكريمة فيها نهيان يتعلقان بنوع واحد من الأنكحة وهو النكاح من المشركين والمشركات ، وفيها إغراء لمن يرغب في نكاح المشركات أو ترغب في نكاح المشرك بخيرية المسلم والمسلمة على غيرهما من أهل الشرك ، وبيان عواقب هذه الخيرية وهي الفوز بالمغفرة والجنة ببناء الأسرة على اتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ، و الخطاب في بداية الآية الكريمة للمسلمين وأما في نهايتها فشمل الناس جميعا لأنها تتحدث عن علاقة المسلم والمسلمة بغيرهما من غير المسلمين ، فجاءت تبيانا لحكم نكاح المسلم للمشركة أو نكاح المسلمة للمشرك وتذكيرا لهم جميعا كي يعرفوا ما ينفعهم وما يضرهم في الدين والدنيا والآخرة .
المسألة الثانية:والآية الكريمة تنهى عن نكاح المسلم المشركة ونكاح المسلمة المشرك ، والمقصود بالنكاح هنا "عقد الزواج" لآن لفظ النكاح في لغة العرب يطلق على العقد على المرأة فهو حقيقة في العقد، وبعض الفقهاء أطلقه على الوطء كالشافعية ولكنه قول ضعيف ، فهو يستعمل في الوطء كناية ،وورد لفظ النكاح في القرآن بمعنى العقد ، وحتى في قوله تعالى :" فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره " وهو هنا المطلقة ثلاثا التي لا يحل لمطلقها الزواج منها ثانية إلا بعد الزواج من آخر ووطئها فإن لفظ النكاح هنا بمعنى العقد وليس الوطء وأما شرط البناء بالزوجة حتى تحل لمطلقها إن طلقها الزوج الثاني فهذا بينته السنة النبوية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ".
المسألة الثانية: وعقد النكاح له أحكامه وآثاره ،ومن الأمور التي ينبغي التنبيه لها هنا ما يلي: أولا: أن عقد النكاح يفرق بينه وبين السفاح فأي علاقة بين رجل وامرأة من غير عقد تكون سفاحا أي زنا ،ثانيا: إذا كان العقد غير صحيح فهو عقد باطل أو فاسد ، أما العقد الباطل فينبغي التفريق بينهما قبل الدخول وبعده ولا تترتب عليه آثاره قبل الدخول وبعده ، وأما العقد الفاسد في النكاح فيفرق بينهما لكن إذا حصل به دخول ترتبت عليه بعض الآثار مثل ثبوت نسب الولد ، ووجوب العدة على المرأة ، وحرمة المصاهرة ، واستحقاق المرأة للأقل من المهر المسمى أو مهر المثل ،ثالثا:ويكون العقد باطلا في حالات منها : أن يتزوج المسلم بغير كتابية وهو ما نصت عليه الآية التي بين أيادينا،وأن تتزوج المسلمة بغير المسلم لقول الله تعالى :" لا هن حل لهم وهم يحلون لهن" ، ومن حالات العقد الفاسد زواج المتعة والزواج المؤقت ، رابعا : الخطبة من غير عقد تعتبر وعدا ولا تعتبر عقدا وهذا ما يتغافل عنه الناس أو يجهلونه فيتعامل الخاطب مع مخطوبته غير المعقود عليها كأنها زوجته فيخلوا بها ويسافر معها وهذا كله منكر عظيم لأن المخطوبة من غير عقد أجنبية عن خاطبها لا يحل له منها شيء لا نظرة ولا خلوة ولا سفر معها ولا غير ذلك ، ولهذا فإن ما يسمى حفل الخطوبة الذي يقوم به الناس من غير عقد هو من أكبر المنكرات وهو كله مقدمات للزنا فالخاطب يجلس مع خطيبته على المنّصة وهي متبرجة ويرقص معها وغير ذلك أمام الناس والناس يصفقون ويغنون ويرقصون وكل ذلك لا يحل وحرام كيير وعلى الناس أن ينتهوا عنه ،خامسا: وإذا عقد الرجل على المرأة عقدا صحيحا وقبل العرس "الدخلة" خلا بها خلوة صحيحة ثم طلقها فإنها تستحق كامل المهر والنفقة وعليها أن تعتد بمجرد الخلوة الصحيحة وإن لم يحدث بينهما "جماع" أو مقدماته ، فعلى الناس أن يفقهوا هذا الحكم الشرعي ، وعلى الخاطب العاقد على مخطوبته ألا يتعجل بالخلوة بها لما ينبني على هذه الخلوة من الأحكام السابقة ، حيث قضت سنّة الخلفاء الراشدين المهديين أن من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب المهر والعدة والنفقة، سادسا: والخلوة الصحيحة هي" أن يجتمع الخاطب بمخطوبته التي عقد عليها في مكان يأمنان من اطلاع الغير عليهما ولا يمنع فيها مانع من الوطء طبعا ولا شرعا".
المسألة الثالثة: والمرأة لا تستحق المهر إلا بالعقد الصحيح أو الفاسد كما ذكرنا سابقا ، ولهذا لو عدل الخاطب عن الخطبة أو عدلت المخطوبة عنها ولم يكن عقد زواج بينهما وكان الخاطب دفع لها شيئا على حساب المهر فإن عليها أن ترده إليه كله ، وأما هدايا الخطبة فلا ترد إن كان العدول من الخاطب ،وترد الهدايا إلى مخطوبها إن كان العدول منها .
المسألة الرابعة:ومما يحزن القلب ما نراه من الخلاف بين الناس إذا أرادوا إنهاء الخطبة فيطالبون بأشياء حقيرة ويقفون عند أشياء لا ينبغي الوقوف عليها وكأن أهل الخاطبين في معركة مصيرية حياة أو موت ،مع أنهم كانوا قبل الخلاف في محبة وود ، وهذه ليست أخلاق المسلمين ولا عاداتهم ، والمصاهرة قرابة وفي المثل الفلسطيني عندنا " كن نسيب ولا تكن قربب" فلماذا ينسى الناس هذا المثل عند أول خلاف ؟!!
المسألة الخامسة : وعقد النكاح يجب أن يكون صادرا عن الجهة الرسمية في الدولة وهي عندنا المحاكم الشرعية ، وفيه حفظ لحقوق الزوجة وكرامتها وسمعتها وللأولاد، ولا ينبغي لولي امرأة أو امرأة أن يجهلان فيعقدان خارج الحدود الرسمية للعقد .
المسألة السادسة : وقد انتشرت في زماننا أنكحة عديدة هي في جملتها باطلة وينبغي الحذر منها والابتعاد عنها لأنها تقيم العلاقات بين الرجال والنساء على السفاح والحرام ، وهي وسيلة من وسائل هدم الأسرة المسلمة وتخريب البيوت الإنسانية.
المسألة السابعة : وينبغي التنبيه إلى أن النظام العالمي الجديد الذي يزعم نصره للمرأة والوقوف إلى جانب حقوقها أنه يعمل على هدم كيان الأسرة الإنسانية حين أصدر في مؤتمراته العالمية قرارات منها أن الأسرة تجمع بين شريكين ، وهذا نسف للأسرة من أساسها لأن شريكين تعني : رجل وامرأة ،أو امرأة وامرأة ، أو رجل ورجل ،وهذا قمة انحطاط الإنسان المعاصر إذا أخذ به ، ونعوذ بالله العظيم من ذلك كله.
والحمد لله رب العالمين




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More