تعديل

الجمعة، 6 يناير 2017

من فقه القرآن : خطبة الجمعة


خطبة الجمعة

الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي

إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك

الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

WWW.ALGANTAN.COM

 

قال الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" سورة الجمعة:9

فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:

 المسألة الأولى: خطبة الجمعة وصلاتها  شعيرة من شعائر الله المعظّمة، وعبادة من أهم عبادات المسلمين ،فهي  فريضة تؤدي ،وشعيرة تظهر استجابة لأمر الله عزّ وجلّ:" يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم غن كنتم تعلمون"،قال ابن كثير عند الآية الكريمة:"أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال:" فاسعوا إلى ذكر الله" أي : اقصدوا واعملوا واهتموا في مسيركم إليها ، وليس المراد بالسعي هاهنا المشي السريع وإنما هو الاهتمام بها "،قال الحسن:" أما والله ما هو بالسعي على الأقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ، ولكن بالقلوب والنية والخشوع" وقال قتادة:" أن تسعى بقلبك وعملك "،وعلق القرطبي في تفسيره على قولي الحسن وقتادة فقال: " وهذا حسن فإنه جمع الأقوال الثلاثة " ،وهي الأقوال التي ذكرها القرطبي في معنى السعي في الآية المذكورة وهي: الأول: القصد ,والثاني: العمل ، والثالث: السعي على الأقدام.

المسألة الثانية:  وخطبة الجمعة إحدى أهم وأرقى وسائل الدعوة إلى الإسلام ، فهي عامة ودائمة ومتجددة ومضبوطة بأحكامها وآدابها الشرعية ، ولا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إنها وسيلة مرئية ومسموعة تأثريها لا ينتهي ولا يجف ، فإذا أنهى الخطيب خطبته لا تمر إلا أيام قلائل حتى يعود ويخطب من جديد ، فيجمع قلوب المسلمين ، ويثير عواطفهم ، وينير عقولهم ،كل ذلك بشكل متواصل فتظل النفوس متيقظة والأرواح مشرأبة لطاعة الله ، وبذلك تحفظ القلوب من فساد الاعتقاد وتحفظ الجوارح من المشين والمغضب لرب العالمين ، فيظل المجتمع المسلم بأفراده ومجموعاته محفوظا قائما على أمر الله ، وهي والله أهم وظائف خطبة الجمعة في حياة المسلمين ، أضف إلى ذلك الجو الإيماني الذي يغذي القلوب والأرواح حيث يجتمع المسلمون في ساعة مباركة ن ساعات الله تعالى وفي بيت من بيوته ، تغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده كما أخبر بذلك الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال:"وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده"

المسألة الثالثة :ومما يدل على أهمية خطبة الجمعة في حياة المسلمين وتأثرها في حياتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الإنصات فيها لما يقوله الخطيب وحذر من الانشغال عنها ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت"ووجوب الإنصات من المسلمين للخطيب يوم الجمعة هو قول عامة العلماء كما قال النووي.

المسألة الرابعة: ولأهميتها في حياة المسلمين فقد اهتم العلماء بها قديما وحديثا فأعطوها حقها من البحث في أحكامها من حيث الحكم والفضل والشروط والسنن والآداب وغير ذلك في مصنفاتهم الفقهية والوعظية ،لأنهم عرفوا منزلتها في الشريعة كشعيرة وفريضة وأدركوا أثرها في حياة المسلمين المتجددة يوما بعد يوم فاستحقت إفرادها بيوم من الأيام حيث تكرر كل أسبوع مرة لتكون وسيلة دائمة غير منقطعة للتذكير بالمعاد والجنة والنار وما يجب على المسلم في حياته  فعله أو اجتنابه كي يعمر الأرض بمنهاج الله تعالى لتتحقق له  السعادة في الداري

 

المسألة الرابعة خطيب الجمعة:لم أجد تعريفا لخطيب الجمعة ،وأعرفه فأقول:"هو المسلم الذكر البالغ العاقل العالم بالسنّة القدوة القادر على أداء الخطبة على الوجه الأكمل". والإمامة في الجمعة كالإمامة في الصلاة ولهذا اشترطت فيه هذه الشروط ، فيجب أن يكون خطيب الجمعة مسلما لأن الإمامة لا تصح من كافر بالاتفاق،وكذلك لا تصح الخطبة من غير العاقل لأنه ليس مكلفا ،والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي  حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق " وأما البلوغ فلأن إمامة الصبي المميز لا تصح عند الجمهور،ولأن الصبي ليس من أهل الكمال ولا يؤمن عليه من الإخلال بالخطبة والصلاة،وأما كونه ذكرا فلأن إمامة المرأة للرجال منهي عنها ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا تؤمن امرأة رجلا ،وأما العلم بالسنّة فهو أن يكون متخصصا في العلوم الشرعية ،فلا يصحّ أن يعظ الناس ويعلمهم بما يجهله، وفاقد الشيء لا يعطيه ،عدا عن كون العلم بالسنّة من شروط الإمامة للصلاة ، وأما القدوة فلآن الفاسق تكره إمامته وخطبته وقال الحنابلة:" لا تصح إمامة فاسق مطلقا ،سواء كان فسقه بالاعتقاد أو بالأفعال المحرمة.

المسألة الخامسة:وأذهب إلى ما ذهب إليه الحنابلة من حرمة صحة خطابة الفاسق وذلك للأدلة الآتية: أولا: قول الله تعالى :" أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون" ،فالله سبحانه لم يسوّ بين المؤمن والفاسق ،فكيف يعطى الفاسق مكانة لا يستحقها ولا تليق به ... ثانيا: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إمامة الفاجر حيث قال:" لا تؤمن امرأة رجلا ، ولا أعرابي مهاجرا، ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره سلطان بخوف سوطه وسيفه".ثالثا: لأن الفاسق إذا كان  فاسد الاعتقاد ومبتدع لا يؤمن عليه من الترويج لبدعته وهذا ما نراه اليوم ممن يعتلون المنابر بغير حق من أهل البدعة والضلال. رابعا:لأن الفاسق بأفعاله ليس قدوة للناس وذكرنا شرط القدوة أنفا ، وكيف يأمر الناس بأمر ولا يأتيه ، وينهاهم عن أمر ويفعله ،فمثل هذا مذموم عند الله تعالى ، وقد وبّخ الله بني إسرائيل على هذه الصفة فقال لهم :" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون" (1)، فالاستفهام في الآية للتوبيخ والمراد به علماء بني إسرائيل، (2) وأما اشتراط القدرة على أداء الخطيب الخطبة على  الوجه الأكمل فهو شرط له وجاهته ، فلا بدأن يكون الخطيب كذلك حتى تؤتي خطبته أكلها وتؤثر في جموع المصلين .

المسألة السادسة: للمسلمين أعياد ثلاثة  شرع الله في كل عيد منها صلاة وخطبة يجتمع المسلمون فيها ويذكرهم الإمام الخطيب بما ينفعهم في حياتهم ومعادهم ، فالعيد الأول هو عيد الفطر من صيام شهر رمضان حيث يصلي المسلمون صلاة العيد ويخطب فيهم الإمام ،فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :"إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة " ، والعيد الثاني هو عيد الأضحى حيث يصلي الإمام صلاة  عيد الأضحى ويخطب فيهم ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة ،فإذا صلى صلاته قام فأقبل على الناس....." ، وأما العيد الثالث فهو يوم الجمعة قال النبي صلى الله عليه وسلم   عن يوم الجمعة:" إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين ..." ،وفي هذا اليوم يصلي المسلمون صلاة الجمعة بعد أن يستمعون قبلها للخطبة ،ولأهمية خطبة الجمعة وصلاتها فإن الملائكة تشهدها ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك:"فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ،وتأتي أهمية خطبة الجمعة وصلاتها في حياة المسلمين  من مكانة يوم الجمعة في الإسلام فهو سيد الأيام وله خصائص ومميزات عديدة ومن ذلك إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله:ط خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها خيرا إ أعطاه الله إياه"، وذكر ابن القيم  أن من خصائص يوم الجمعة "الخطبة فيه التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتذكر العباد بأيامه وتحذيرهم من باسه ونقمته ، ووصيتهم بما يقربهم إليه وإل جنانه ، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره ،فهذا مقصود الخطبة والاجتماع لها."

والحمد لله  رب العالمين


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More