تعديل

السبت، 16 سبتمبر 2017

من فقه القرآن : وقفات مع فريضة الحج


من فقه القرآن
 وقفات مع فريضة الحج
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
WWW.ALGANTAN.COM
 
قال الله تعالى :" الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من  خير يعلمه الله وتزودوا فغن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب"سورة الحج آية :197

  في ظلال الآية التي تتحدث عن فريضة الحج نقف عدة وقفات وهي :

  الوقفة الأولى:  كنا  في شهر ذي القعدة ويليه شهر ذي الحجة وشهر محرم وهي من الأشهر الحرم ، وقد جمع الله لكم فيها شرف الزمان وشرف المكان وشرف الأعمال الصالحات وشرف المكانة والانتساب إلى هذا الدين وشرف علو المقام في الدارين، فمن مثلكم في الأمم  فطيروا فرحا بهذا الشرف كله وتمسكوا به وعضوا عليه بالنواجذ فأنتم والله من دون الأمم الأحق أن تسودوها  وتقودوها ليسعد البشر بشريعتكم بعد أن أشربوا ظلم العلمانية وجورها ، وبعد أن تطاولت عليهم الاشتراكية ببغيها وحقدها وبعد أن اجتمعت عليكم أمم الأرض كافرها ومنافقها تسفك دماءكم وتستخرب بلادكم وتنتهك أعراضكم وتأكل خيراتكم وهذا واقعكم  خير مثال لتكالبهم عليكم ف:"يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون"....

 الوقفة الثانية : أما شرف الزمان فمنه الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها:"أفضل أيام الدنيا فقيل:ولا مثلهن في سبيل الله؟قال:"ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفَّر وجهه بالتراب " ، ومن شرف الزمان للمسلمين أن كل يوم من الأيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة ، ومن شرف الزمان الذي خصّكم الله به يوم عرفة وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار  ويوم النحر وهو يوم الحج الأكبر فيه يقدم المسلمون هداياهم  وأضاحيهم تقربا إلى الله تعالى ، ويتزامن يوم النحر في زماننا هذا مع تقديم المسلمين في شتى بقاع الأرض أرواحهم ودماءهم ابتغاء رضوان الله تعالى ،  فاللهم تقبل من المسلمين تضحياتهم وامنن  عليهم بالتمكين في الأرض واجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين...

 الوقفة الثالثة: والعجب كل العجب من كثير من المسلمين أنهم يغفلون عن هذه الأيام وفضلها مع أن العاقل من المسلمين يتعامل مع هذه الأيام كما يتعامل مع شهر رمضان في الاجتهاد بالعبادة والطاعات وعمل الخيرات ، ثمّ إنّ أعجب العجب أن نرى فئات من المسلمين يبادرون إلى معصية الله والمجاهرة في هذه الأيام ومنها المجاهرة بإقامة الحفلات الموسيقية في حفلات الزواج والأفراح وغيرها ينفقون عليها الأموال الطائلة  ،فهل ينتظر هؤلاء ومن يسكت عليهم أو يشاركهم فيها إلا المسخ والخسف ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"يكون في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ قالوا يا رسول الله  ومتى ذاك"قال إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان - أي المغنيات - وشرب الخمور"  ، وإني والله لأعجب من شعبنا كيف لا يرجع إلى ربه ليرفع عنه ما هو فيه من عذاب الخوف والجوع والظلم !!   وأعجب من الصالحين فينا كيف لا يهزهم قول النبي صلى الله عليه وسلم "يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف قالت عائشة راوية الحديث :يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟قال:نعم إذا ظهر الخبث " ،فالهلاك يعم الصالح والطالح والمسخ يكون حقيقيا أو معنويا فالحقيقي: أن يصير صاحب الذنب خنزيراً حقيقياً أو قرداً حقيقياً، ثم يموت بعد ذلك بزمن يسير، وأما المسخ المعنوي: فأن تصبح أخلاق الممسوخ أخلاق القرود، وأشهر أخلاقها التقليد الأعمى، وأخلاق الخنازير، وأشهر أخلاقها عدم الغيرة على الأنثى، وهذا واقع في بعض العصاة  اليوم، فأفيقوا من غفلتكم وارجعوا إلى دينكم وتوبوا إلى الله توبة نصوحا فان التوبة النصوح هي التي تكون توبة من كل الذنوب ، فاللهم ارزقنا التوبة والأوبة إليك ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ...

الوقفة الرابعة:  وأما شرف المكان ففي بيت الله الحرام والمشاعر العظام منى ومزدلفة وعرفة والمسجد النبوي والمدينة المنورة والمسجد الأقصى وبيت المقدس ، أما مكة والمدينة فقد حرم الله فيهما القتال وجعلها آمنين ونسال الله تعالى أن يحفظهما من كل باغ وملحد ظالم ، وأما المسجد الأقصى فقد جعله الله أرض رباط إلى يوم القيامة ولا يزال المسجد الأقصى يتعرض إلى الظلم والعدوان بدءا باحتلاله ومرورا بحرقه قبل سبعة وأربعين عاما والى الآن بشتى أنواع الاعتداءات ، والحقيقة التي يتجاهلها الظالمون أن المسجد الأقصى لا يقبل القسمة على طرفين وتستحيل فيه الشراكة بين دينين ولا يرتضي غير ولاية المسلمين عليه ولاية عامة تامة شاملة ، ومع كل هذه الحقائق فما يتعرض له مسجدنا الأقصى من انتهاكات لرحابه ومبانيه مخالف للقانون الدولي والأعراف والشرائع والأخلاق ... وعلى كل حال فنحن راضون بسنّة الله فينا حتى يأتي أمر الله مصداقا لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم فينا نحن أهل بيت المقدس:"لا يضرهم من مخالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " ،فيا ربنا ويا مولانا احفظنا للمسجد الأقصى واحفظ المسجد الأقصى لنا ...

الوقفة الخامسة:  ومن الشرف الذي جمع لهذه  الأمة شرف الانتماء لهذا الدين والولاء والبراء فيه وله  ، فينشىء في نفوس معتنقيه انتماء يتخطى الحواجز المكانية والزمانية  ، ويتجاوز الخلافات السياسية والمادية تحت اسم"الأمة الإسلامية" فيلفظ العربي الفصيح والأعجمي "لا اله الا الله محمد رسول الله" ،


 وتصطف صفوف الصلوات الخمس خلف إمام واحد يصلون لرب واحد ، ويقتطع المسلم الغني زكاة ماله لإخوانه الفقراء ويمسك أكثر من مليار من البشر عن الأكل والشرب في شهر واحد وتبعث كل أمة بوفدها إلى بلد واحد في شهر واحد لأداء نسك واحد على صعيد واحد لباسهم واحد يلبون لرب واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد فيتجلى أحد مقاصد الدين ألا وهو تحقيق الموالاة بين المؤمنين وشعورهم برابطة الإخوة الإيمانية قال الله تعالى:"إ نما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون  ،وقال:"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" ، وهذه الموالاة تفرض حقوقا وحرمات جسدها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة عرفات وبين يديه مائة ألف أو يزيدون حين قال :" إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"، فماذا نقول للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين معه وبعده الذين حققوا تلك الوحدة وشرف الانتماء لهذا الدين والولاء والبراء فيه ونحن نسفك دماء بعضنا بعضا و متفرقين إلى دويلات ،وولاؤنا للكافرين ، فاللهم ألف بين قول المسلمين واجمع كلمتهم ووحد صفهم وانصرهم على من بغى عليهم ...

 الوقفة السادسة: وأما شرف الأعمال والطاعات فلا تغفلوا عنها في الأشهر الحرم وبخاصة في العشر الأوائل من ذي الحجة التي ستدخل عليكم بعد أيام ، ويجمع هذه الطاعات المتابعة والانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم:"وعبادة الحج يتجلى فيها الانقياد التام والمتابعة المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالحاج يتقلب في مناسك متنوعة وينتقل بين مشاعر متعددة لا يعقل لكثير منها معنى سوى الامتثال لأمر الله والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم  فهو يقبل حجرا تارة ويرمي حجرا تارة أخرى وهو يتجاوز مشعرا ليصل إلى آخر ثم يعود إلى الأول وهو يطوف سبعا ويسعى سبعا ويرمي بسبع دون أن يدرك معنى خاصا للعدد فكونوا كالصحابة  رضي الله عنهم فهذا عمر رضي الله عنه يقبل  الحجر الأسود قائلا:" إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" 

 الوقفة السابعة: ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في المناسك ولا في غيرها أواجب هذا أو سنة بل كانوا يعظمون سنّته ولا  يماكسون فيها ولا يتتبعون الرخص والشاذ من الفتاوى كما يصنع الناس اليوم ويعلمون بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم :"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"،  فلا تكونوا يا عباد الله من الذين إن عملوا ما نهوا عنه قالوا : سيغفر لنا فإنا لم نشرك بالله شيئا ، وإن قصّروا عما أمروا به قالوا إن الله غفور رحيم فهؤلاء أمرهم كله طمع ليس معه صدق ولا ورع، فاللهم ارزقنا تعظيم حرماتك والنشاط في طاعتك ومرضاتك  ...
 
 الوقفة الثامنة: كان موسم الحج الميدان المناسب لإعلان البراءة  من الكفار على اختلاف أصنافهم ومللهم زمانا ومكانا حيث أنزل الله تعالى صدر سورة براءة :"براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهر خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير  معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم" ، وقرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه البراءة من الجاهلية وأهلها في خطبة عرفة حين قال:"ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وربا الجاهلية موضوع وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتابَ الله "... أيها المسلمون :.....إن الدرس العظيم الذي ينبغي أن يرجع به كل مسلم حجّ أو لم يحجّ أن يعلم أنه من أمة مصطفاة خُيّرت على سائر الأمم وهديت لأفضل السبل ، وأن ليس ثّمّ إلا إسلام أو جاهلية ،هدى أو ضلالة ، طاعة أو معصية ، صبغة الله أو  صبغة الذين لا يعلمون ، وقد قال ربنا عزّ وجلّ  " ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون"....
والحمد لله رب العالمين
 
 

 
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More