تعديل

السبت، 28 أكتوبر 2017

من فقه القرآن : تفسير سورة الإسراء 1


من فقه القرآن
 تفسير سورة الإسراء
"مقدمات بين يدي  التفسير " (1)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

أولا : تعريف بسورة الإسراء :  هي من سورة مكية التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم  إلا بضع آيات منها، قيل ثلاث وقيل خمس آيات ، والجهور على أنه سورة مكية ، وأن ما ورد فيها من آيات أحكام وتشريع لا يمنع كونها مكية لأن القرآن المكي وإن كان أغلبه يتجه إلى العقائد وأركان الإيمان فلا يمنع أن يكون فيه  آيات تشريع وأحكام ، كما أم القرآن المدني وإن كان أغلبه آيات في الأحكام والتشريعات لا يمنع أن تكون فيه آيات تتحدث في صلب العقيدة وأركان الإيمان .
ثانيا: قالت عائشة رضي الله عنها في فضلها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ سورة بني إسرائيل والزمر "، وقال عبد الله بن مسعود عنها وعن سورة مريم وسورة الكهف:" هن من تلادي وهن من العتاق الأول" ،  والعتاق يعني أول ما نزل ..وأجود  ما نزل بسبب كثرة القصص  التي فيها والتي فيها العبر والعظات والتثبيت للنبي وللمسلمين معه ومن بعده إلى يوم القيامة ،ومعنى قوله "وهن من تلادي " :  يعني من أول حفظي.
 ثالثا: أسماء سورة الإسراء: لها ثلاثة أسماء ، الأول سورة بني إسرائيل ، وهذا الإسم كان مشهورا في حياة الصحابة الكرام،ففي أبواب الدعاء في سنن الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت :" كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل " ،وفي صحيح الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم :"  إنهن من تلادي ، وإنهن من العتاق الأول"، وسميت بني إسرائيل لأنها ذكرت فيها من أحوال بني إسرائيل ما لم يذكر في غيرها من السور ،فتحدثت عن موسى عليه السلام وعن إفساد بني إسرائيل في الأرض وعاقبة كل إفساد ، وذكرت فيه الوصايا العشر لبني إسرائيل ، ثم قبل ختام السورة تحدثت عن موسى عليه السلام وفرعون ، وعما سيؤؤل إليه حال بني إسرائيل في  آخر عهدهم على الأرض وقبل قيام الساعة  ، والإسم الثاني سورة الإسراء  كما صرّح بذلك الألوسي في تفسيره ، وسميت بهذا الإسم لافتتاحها بالإخبار عن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس ، والإسم الثالث للسورة الكريمة هو سورة "سبحان" لافتتاحها بالتسبيح وهو قوله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده...."
 رابعا : لكل سورة من السور آية مركزية تقوم عليها ، وتكون محور الآيات في السورة ، وهذا الأمر لم يذكره أحد قبلي من العلماء ، ولكنه اجتهاد مني بعد طول نظر وتدبر وتأمل ، والآية التي تقوم عليها سورة الإسراء والتي تعتبر الآية المحورية للسورة هي قول الله تعالى :" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ، وهذه الآية الكريمة هي مركز السورة ومحورها  لأن السورة جاءت ترد على تكذيب المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم   حين كذبوا خبر إسرائه وحين طلبوا منه  لكي يصدقوه أن يفجر الله لهم مكة أنهارا ويجعلها جنة ورياضا ، فجاءت هذه السورة لتؤكد صدق نبوته وصدق ما يقوله لأن هذه القرآن من عند الله المتصف بالعظمة والقدرة والمنزه عن النقائص والعيوب والذي له صفات الكمال المطلق ، فما دام القرآن من عند الله فكل تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنبوته وبما يجري الله على يديه من معجزات باطل ،ولأن السورة جاءت تتحدث عن مصير المكذبين بالنبي صلى الله عليه وسلم ومصير المصدقين  وهذا يتوقف على التصديق بالقرآن الكريم أو الكفر به ،ولآن السورة  في الآيات الأول منها جاءت تبشر المسلمين بالنصر والتمكين في الأرض إن هم آمنوا حق الإيمان واتقوا حق التقوى ،وهذا ما أكدته الآية الكريمة وجعلت كل ذلك متوقفا على الإيمان بالقرآن الكريم والعمل بأحكامه.
 خامسا:  وسورة الإسراء من حيث النزول  ترتيبها السورة الخمسون ، ونزلت بعد سورة القصص وقبل سورة يونس ، وقد مضى على احتلال المسجد الأقصى خمسون عاما من عام 1967م إلى عام 2017م ، ومصير المسجد الأقصى في الإفساد الثاني الذي يعيشه في ظل اليهود قد ذكرته السورة في أول آياتها ، وأن إفسادهم الثاني مصيره هلاكهم وتحرير المسجد الأقصى منهم ، وإذا أخذنا  بعلم  المناسبة بين السورة وهو علم تعرف منه علل ترتيب سور القرآن الكريم ، فقد نستدل بها على قرب زوال دولة إسرائيل ،فسورة القصص التي نزلت قبل سورة الإسراء كأنها جاءت توطئة لزوال بني إسرائل في الإفسادين الأول والثاني ، فسورة القصص استهلت بذكر العلو الفرعوني في الأرض على الطائفة المؤمنة الممثلة وقتها  بموسى ومن آمن معه، وبينت صورا من استضعافه لهم بالقتل واستحياء النساء والإفساد ، وبشرت بانتصار المؤمنين على فرعون وعلوه وإفساده فقالت :" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان منهما ما كانوا يحذرون " ، وجاءت سورة الإسراء واستهلت بنفس المصير لمن يفسد ويعلو في الأرض ، وهم هنا بنو إسرائيل فمصيرهم مصير فرعون الهلاك التام على يد العصبة المؤمنة ، مع ملاحظة تكرار نفس الألفاظ مثل العلو والإفساد والأرض والآخرة ، وفي نهاية سورة القصص ذكرت مصير من يريد العلو في الأرض وهو الهلاك وبشرت النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى مكة فقالت :" إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " وسورة الإسراء قبل أن  تذكر القرآن بقولها :" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم بشرت المسلمين بالعودة إلى المسجد الأقصى بعد  تتبيرهم ما علا  بنو إسرائيل تتبيرا ، وهذا كله قلنا به لأن سورة القصص سبقت سورة الإسراء بالترتيب ،فقلنا كأنها جاءت توطئة لها ، وكذلك بالنسبة لسورة يونس التي جاءت في ترتيب النزول بعد سورة الإسراء ،فقد أخبرت بعدة أمور وهي طلب موسى من قومه اتخاذ المساجد في بيوتهم والتوكل على الله تعالى لأنهم لا يملكون قوة فرعون الكبيرة ، وفي نفس السورة أعني سورة الرعد ذكرت هلاك فرعون وجنوده بالتدخل الإلهي بإغراقهم في البحر ، وكأن في هذا إشارة إلى المرابطين في بيت المقدس وأكنافه أن يتخذوا المسجد الأقصى بيتا لهم يغدون إليه ويروحون وأن يؤسسوا بيوتهم على تقوى الله تعالى ، وأن  يتوكلوا على الله تعالى ويلجأو إليه  بالإستقامة  على ضعفهم الذي هم فيه حتى يعجل الله لهم بالفرج وزوال الإفساد الذي يعانون منه من بني إسرائيل ، فإن هم التزموا بما قلت هيأ الله أسباب نصرهم وزوال ملك غيرهم فكما نصر ،موسى ومن معه من المسلمين الضعفاء بإغراق فرعون فإن الله قادر على أن يهيأ الأسباب وجنوده كثيرة فينصر المستضعفين في بيت المقدس وينجيهم من هذا الإفساد في أرضهم ، والله تعالى أدرى وأعلم
المقدمة السادسة : وأما المناسبة  بين سورة الإسراء والسورة التي قبلها وهي سورة النحل ،فأن الله تعالى استهل سورة النحل ينهي المسلمين عن استعجال الأمور العظام كيوم القيامة وغيرها  وأنها لا بد وأن تقع وتكون ، وأمرهم بالاستقامة والثبات على توحيده سبحانه فقال :"أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون " واستهل سبحانه سورة الإسراء بالحديث عن أمر عظيم ومعجز وهو الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وجاءت  السورة تتحدث عن أمور العقائد ووجوب الاستقامة عليها ومصير من يحيد عنها ويتنكبها ، ثم  تطرقت سورة النحل إلى موقف المشركين من القرآن وهو الزعم بأنه من البشر وردت عليهم فقالت :" لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين " وفي سورة الإسراء أكدت أن القرآن من الله تعالى ,انه مصدر هداية وشفاء وأن البش  عاجزون عن الإتيان بمثله فقالت :" وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " وقالت "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ..." وقالت أيضا:"قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " ، وبعد أن قال في آخر سورة النحل :"إنما جعل السبت  على الذين اختلفوا فيه " ، ذكر في سورة الإسراء جميع ما ذكره لهم في التوراة ،فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل"، و ختمت سورة النحل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين ، جاءت سورة الإسراء لتبين شرفه وعلو قدره ومنزلته عند ربه عزّ وجل ّ بالإسراء به إلى المسجد الأقصى ،  وفي هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم  ، وافتتحت السورة بذكره تشريفا له وتعظيما للمسجد الأقصى المبارك ،وأيضا بينت سورة النحل قواعد الاستفادة من المخلوقات الأرضية كالبغال والحمير وغيرها مما يخلق الله مما لا يعلم البشر ، وفي سورة الإسراء بينت قواعد الحياة الاجتماعية التي على المسلمين القيام بها حتى تستقيم لهم الحياة ويحققوا العبودية له في حياتهم ...وإلى اللقاء في الحلقة القادمة ...
والحمد لله رب العالمين
 

 
 
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More