تعديل

السبت، 3 مارس 2018

من فقه القرآن : رجاء الآخرة ورضوان الله



من فقه القرآن
رجاء الآخرة ورضوان الله
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
WWW.ALGANTAN.COM

 قال الله تعالى:" إنّ  الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون" يونس : "7-6"

   فقه الآيتين الكريمتين وفوائدهما في المسائل الآتية:

    المسألة الأولى:هاتان الآيتان الكريمتان ذكرت صفات أصحاب العقول المنتكسة التي  لا ينتفعون بها في النجاة العظمى في الدارين الدنيا والآخرة ، حيث نسوا أن عقلهم مناط تكليفهم ،وأنه سبب لتمييزهم عن غيرهم من خلق الله تعالى ، وأنهم بغيره لا قيمة لهم ولا شأن ، فهل المجنون له قيمة وشأن وهل له تميز بين الناس ؟؟؟ .

المسألة الثانية: وأمّا هذه الصفات التي أدت إلى انتكاس عقول أصحابها فهي:
أولا: الكفر بالآخرة وترك العمل لها مع أن صاحب العقل  السليم  حين يستخدم نظام الاحتمالات سيصل مباشرة  إلى نتيجة هامة وهي يجب أن أعمل للآخرة، وذلك من خلال نظام الاحتمالات فيقول : يمكن أن تكون هناك آخرة ويمكن  ألا تكون ، فالأفضل لي أن أعمل للآخرة حتى إذا كانت لا أخسر حينها الجنة والنجاة من النار لكن لو كفرت فستكون مصيبة المصائب حينئذ ،وهذا ما دعا الله إليه الناس فقال سبحانه: " وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر" ، يعني ببساطة ماذا سيخسر من يؤمن بالله واليوم الآخر، لن يخسر شيئا إلا انتكاسة عقله...

ثانيا: الرضا بالحياة الدنيا دون العمل للآخرة الصفة الثانية من صفات أصحاب العقول المنتكسة ، ويدل على انتكاسته في عقله أن الدنيا ما سميت دنيا إلا لأنها دنيّة من الدناءة فهل يرتضي العاقل أن يؤثر الدنيء على ما ليس دنيئا ؟ وأيضا  ما سميت دنيا إلا لقربها من الآخرة وأنها زائلة وأن الآخرة هي الباقية فكيف يفضل صاحب العقل الرشيد الفاني على الباقي الخالد ، أليس هذا انتكاسة في عقول من يختار الدنيا على الآخرة؟

ثالثا: الغفلة عن النظر في قدرة الله وملكوته ، وهذه الغفلة هي أكبر المفسدات للعقول ،وهي أكبر المهلكات للبشر ، وقد حذر الله منها في القرآن الكريم في عديد المواطن وذمّ من يتصف بها بل أنزلهم منزلة الحيوان لاتصافهم بها فقال سبحانه:" أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" وإني لأعجب أشد العجب ممن يحمل شهادات عليا ووصل مرحلة متقدمة من العلم والثقافة وارتكس عقله وانتكس فلم يصل إلى مرتبة ذلك الأعرابي الأمّي الجاهل الذي لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه احترم عقله ووظّفه في  أصل وظيفته التي خلق لها وهي التكليف فاستدل على قدرة الله وعجيب صنعه حين قال بكلام بسيط ولكنه كلام علمي عميق :" البعرة تدل على البعير والقدم تدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على العليم الخبير"؟؟؟

 المسألة الثالثة : من ارتكس عقله وانتكس واتصف بهذه الصفات الثلاثة كان مصيره النار يوم القيامة وهذه نتيجة حتمية لمن كان كذلك ، ألا ترون معي أيها السادة القرّاء أنه لو  أنّ أي موظف كان  لا يذهب إلى مكان عمله ولا يعمل بما يجب عليه من أعمال  بل يسخر ويستهزأ من طبيعة عمله ويشهّر بصاحب العمل ، هل يستحق الأجرة على وظيفته  أم يستحق الحرمان منها بل والعقاب لسخريته واستهتاره ؟ فكيف بأصحاب العقول المنتكسة ولله تعالى المثل الأعلى!!!

المسألة الرابعة:وأصحاب العقول المنتكسة ما انتكست عقولهم إلا لأنهم رضوا  بالحياة الدنيا فلم يعملوا عقولهم بالنظر والتفكر في حياة أخرى سوف تكون وهي أفضل وأبقى من الدنيا التي يعيشون فيها ، ورضاهم بالدنيا أغلق عقولهم فجعلهم يظنون أنّ  الدنيا تكفيهم ولا حاجة تدعوهم للنظر في الحياة الأخرى وهذه هي الانتكاسة الحقيقية للعقول فلو لم تنتكس عقولهم لعلموا وأيقنوا أن  حياتهم الدنيا ناقصة ويدل ل نقصانها زوالها وأنهم ميتون لا يخلدون فيها ويدل على نقصانها أيضا أنها حياة لا سلامة فيها ولا معافاة ولا سعادة تامة ففيها المرض والفقر والحزن والخوف ولا تخلو من الأكدار مهما سلمت للمرء فهل حياة كهذه يتمسك بها عاقل له مسكة من عقل ؟؟؟

المسألة الخامسة : والانتكاسة في عقول هؤلاء جعلتهم يطمئنون  لهذه الحياة بأن سكنت أنفسهم وأجسادهم إليها ، فصرفوا كل هممهم وطاقاتهم وجهودهم وأعمالهم في تحصيل ما يستطيعون من منافعها ، وعطلوا طاقاتهم وهممهم عن تحصيل ما ينفعهم في الحياة الآخرة فهم للدنيا يغضبون ولها يفرحون ويحزنون فأية عقول هذه؟ وأي بشر هؤلاء؟!!!

 المسألة السادسة:  وما دام هؤلاء اتخذوا الدنيا دار قرار لهم كما يظنون فإن الجزاء من جنس العمل ولهذا مكانهم الحقيقي في الآخرة نار جهنم وقد عبرت الآية عن ذلك بقول الله عز وجل :" أولئك مأواهم" والمأوى هو: مكان الرجوع  إلى مصيرهم الذي ينتظرونه بسب انتكاسة عقولهم وقد أشارت الآية إلى أن انتكاسة عقولهم هي السبب في مصيرهم الذي يؤولون إليه في الآخرة حيث الباء في قوله تعالى "بما" للسببية  والمعنى بما كسبوا كان مصيرهم النار ، وما استحقوا هذا المصير المخزي إلا لأن ديدنهم في الحياة الدنيا  هو الاتصاف بالصفات الثلاثة السابقة ودل على هذا قول الله تعالى:"كان" وقوله" يكسبون" بالمضارع للدلالة على تكرار انتكاسة عقولهم في الدنيا.

 المسألة السابعة: يستفاد مما سبق بيانه وتفصيله عدة فوائد أهمها:

  الفائدة الأولى: العقل مناط التكليف أي سببه وهو من شروط التكليف مع البلوغ ،فالعقل مكلف بعبادة الله تعالى واتباع دين الإسلام .

 الفائدة الثانية: الذي لا يستخدم عقله فيما ينفعه في الدنيا والآخرة مثله كالحيوان بل هو أسوأ لآن الحيوان لم يوهب عقلا كالإنسان.

الفائدة الثالثة: العاقل هو الذي يستثمر الدنيا ويعمرها وفق منهج الله تعالى فهو يعمل لدنياه ويعمل لآخرته وليس معنى أن يكون المرء  عاقلا أن يترك المسلم العمل للدنيا كما يظن بعض العوام  بل المسلم العاقل هو الذي يعمل لإسعاد نفسه ومن حوله في الدنيا ويتخذها وسيلة للسعادة في الآخرة.

 الفائدة الرابعة : الأخذ الحيطة أفضل من تركها  في كل الأمور وفي مقدمتها العمل للآخرة فالعمل لها احتياطا أفضل  بل أوجب للنجاة من شرها وعذابها ويكون ذلك بالإيمان والعمل.

 الفائدة الرابعة:  ليس عاقلا من مات وهو كافر بالآخرة أو لم يعمل لها .
الفائدة الخامسة: وليس عاقلا من المسلمين من سوّف وترك العمل اتكالا على رحمة الله وعفوه  فهو سبحانه كما أنه غفور رحيم فإنه شديد العقاب.

والحمد لله رب العالمين
.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More