تعديل

السبت، 3 مارس 2018

من فقه القرآن : تفسير سورة الإسراء 12



من فقه القرآن
تفسير سورة الإسراء (12)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة بيت المقدس
www.algantan.com

قال الله تعالى:" ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"
فقه الآيتين وفقههما في المسائل الآتية:

المسألة الأولى: قوله تعالى (اقرأ) ، جاءت القراءة في القرآن الكريم  بداية للسعادات  ونهاية للمآلات ، فقوله سبحانه في سورة العلق  :(اقرأ باسم ربك  الذي خلق) بداية للسعادات لأنها قراءة للوحي المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، هذه القراءة التي تقوم على  تلقي الوحي المنزل والعمل به ،كما قال سبحانه في سورة البقرة" الذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون " أي : يعملون بما جاء به من أحكام ، وأما كون القراءة نهاية  للمآلات فهو كما جاء في الآية  في سورة الإسراء  (اقرأ كتابك) وهذه القراءة تكون يوم القيامة ، فهي قراءة يعرف بها الإنسان نهايته الخالدة التي لا نهاية بعدها ، وهي أهم القراءات على الإطلاق ، لأنها قراءة السعادة الأبدية أو قراءة القاوة الأبدية .

المسألة الثانية : والكتاب أصل القراءتين السابقتين ،فهو الوعاء الجامع لهما ، أما الكتاب الأول فهو القرآن الكريم ولهذا كان هو بداية السعادات ونهاية لكمال المآلات ، ولأنه كذلك كررت سورة الإسراء الحديث عنه والتعريف به ، ووصفته بأنه بداية السعادات فقالت : " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" ، ووصفته بأنه نهاية  لكمال المآلات فقالت : ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا "، وأما الكتاب الثاني فهو الديوان الذي يكتب فيه الملكان بأعمالك فيكتبان حسناتك وسيئاتك ، فهذا الكتاب أصل لما يؤؤل إليه مصيرك يوم القيامة .

المسألة الثالثة: ويشترك كلا من الكتابين ، القرآن الكريم وديوان أعمالك من حسنات وسيئات ، في صفتين متلازمتين لا تنفكان وهما : الأولى :صفة الكتابة ، والثانية : صفة القراءة ، وبهاتين الصفتين تكتمل إقامة الحجة على العبد ،فالقرآن الكريم هو كلام الله حقا لا تبديل فيه ولا تغيير ، لأن الله تعالى حفظه في السطور بالكتابة ، وحفظه في الصدور بالقراءة ،فهو محفوظ في السطور وفي الصدور ، وهي ميزة له تختلف عن باقي الكتب السماوية السابقة ، وذلك أنه آخر الكتب السماوية إلى العباد  فكان كذلك لتقوم عليهم الحجة باتباعه ،ولهذا كان ابتاع القرآن أصل في بداية السعادة ونهايتها ، وكان الكفر به  أو ترك العمل بأحكامه ،بداية التردي في الشقاوة في الدنيا ، والولوج فيها في الآخرة من غير خروج ، وأما ديوان أعمال العبد فهو ويوقن أنها أعماله لم يزد فيها ولم ينقص منها ، فتكون الحجة عليه لازمة ، ولهذا قال سبحانه (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) .
المسألة الرابعة: خصّ القراءة  للكتاب في قوله تعالى "اقرأ كتابك" ، ولم يخصها بلفظ آخر مثل أعمالك أو نحو ذلك ، وذلك لحكم منها ،أولا: أن القراءة والكتاب يجتمعان في لغة العرب بمعنى الجمع ، فمن معاني القراءة الجمع ، وكذلك الكتاب من معانيه الجمع ، فتكون أبلغ في إقامة الحجة على  محاسبته على أعماله فهي مجموعة عليه كتابة وقراءة، ثانيا: ولأن الكتاب لا يمكن معرفة ما فيه إلا بالقراءة ،ولهذا ورد عن بعض السلف  أن كل إنسان يوم القيامة يقرأ كتابه سواء كان قارئا في الدنيا أو غير قارىء، وبهذا تجتمع للعبد يوم القيامة الكتابة والقراءة لأعماله فلا يستطيع إنكار شيء منها .

المسألة الخامسة : ورد لفظ الكتاب في سورة الإسراء ثلاث مرات ،المرة الأولى بمعنى الكتاب المنزل من السماء وهو التوراة ، وذك عند قوله تعالى"وآتينا موسى الكتاب" ، وفي المرتين الأخريتين ذكر الكتاب بمعنى الديوان الذي تسجل فيه أعمال العبد ،المرة الأولى :"اقرأ  كتابك" ، والمرة الثانية "فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلا " .

 المسألة السادسة : فالتوراة ذكرت بلفظ (الكتاب) في سورة الإسراء  ، وأما القرآن الكريم فلم يذكر إلا بلفظ (القرآن) في هذه السورة مع أنه ذكر في عديد السور بعدة أسماء ومنها الكتاب ، ولعل الحكمة من اختصاص القرآن بهذا الإسم في هذه السورة هو لبيان أن القرآن محفوظ من التغيير والتبديل بعكس التوراة التي بدل فيها وحرّف ، فالقرآن مقروء ولا تكون القراءة إلا من كتاب فهو بذلك كما قلنا سابقا محفوظ في الصدور وفي السطور ، بينما التوراة مكتوبة أي محفوظة في السطور فقط ولم تحفظ في الصدور ولهذا دخلها التحريف والتبديل والتغيير ، وهذا كله مرتبط بالإفسادين المذكورين في أول السورة ، وهذا يعني أن كل ادعاء لبني إسرائيل في القدس والمسجد الأقصى هو باطل وأن ما هو موجود في التوراة من زعم لهم فيها هو من التحريف والزيادة التي دخلتها  ، فالمسجد الأقصى حق للمسلمين كما بينت أول السورة ، وإفساد بني إسرائيل فيه هو طارىء ومؤقت وزائل فكما زال وانتهى الإفساد الأول فيه ، فسينتهي الإفسادين الثاني والثالث فيه أيضا ، بأيادي أتباع القرآن الكريم الذين قال الله فيهم "عبادا لنا" تشريفا لهم وتعريفا بهم .

والحمد لله رب العالمين






0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More