تعديل

السبت، 3 مارس 2018

من فقه القرآن : تفسير سورة الإسراء 10



تفسير سورة الإسراء (10)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
 الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com

قال الله تعالى :" وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ  وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولً"ا           
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية :

المسألة الأولى: قوله تعالى :" وكان الإنسان عجولا"، قلنا : هذه صفة سلبية في الإنسان عامة ، وفي الإنسان المسلم خاصة ، وأن واجب المسلم الذي يريد أن يشرف ويدخل تحت قوله تعالى ( عبادا لنا) ليكون ممن يشارك في إزالة الإفساد في الأرض المقدس خاصة ، واجبه أن يرتقي بنفسه في درجات الكمال الإنساني ، ويجاهد نفسه أن يتخلى عن الصفات السلبية ومنها العجلة في غير مكانها .

المسألة الثانية: وقد جاءت الآية الكريمة تذم العجلة حين تكون صفة سلبية في الإنسان ، وذلك أن يتعجل الشيء ظنا منه أنه خير ، وهو في حقيقته شر أو مآلاته إلى شر ، ومن ذلك كما تعجل النضر بن الحارث بدعائه ربه قائلا:" اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" ، أو أن يدعو الإنسان وتعجل الإجابة فيظن التعجيل بها خيرا له ، مع أنه لو اطلع الغيب لعلم أن التأخير هو الذي فيه الخير وليس التعجيل ، وفي هذا تربية  لإنسان المسلم أن يسلم لربه عزّ وجلّ ، وأن يرضى بما قدّر له من  غنى أو فقر ، أو مرض وصحة ، ونحو ذلك ،وأيضا فيه تربية للإنسان المسلم  الذي يجاهد من أجل إزالة الإفساد أن يعمل ويترك النتائج على الله تعالى ،فهو مطلوب منه العمل  وأما النتائج فهي وفق تقدير الله تعالى .

المسألة الثالثة : والعجلة تكون صفة ايجابية حين تكون في مجال الخيرات وأداء الواجبات ، و لهذا شواهد كثيرة  في كتاب الله تعالى مثل :" وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" وقوله :"أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" ، وقوله "  فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"، وغيرها كثير .

المسألة الرابعة : ومن العجلة الممدوحة والتي تكون صفة إيجابية في المسلم هو ما يسمى ب" واجب الوقت "، وهذه مسألة لا بد من توضيحها ونحن ننغمس في واجب الرباط في بيت المقدس وأكنافه ، ونحن نستعد لنكون ممن وصفهم الله بقوله (عبادا لنا) ، أقول: الواجب له ثلاث صور ، الأولى : واجب باعتبار الوقت ، وهو قسمان ، الأول: واجب موسع ، والثاني : واجب مضيق ، فأما الواجب الموسع فهو الواجب الذي يكون وقته متسعا له ولغيره ،مثل : وقت الظهر يتسع لأداء فرض صلاة الظهر ويتسع لغيره من صلوات النافلة ، وأما  الواجب المضيق وهو الواجب الذي وقته لا يتسع لغيره من جنسه ،مثل  مناسك الحج ،وصيام شهر رمضان، وأما الصورة الثانية للواجب فهي الواجب باعتبار المكلف به، وهو أيضا قسمان ،الأول: الواجب المعين ، وهو الذي طلب الله تعالى من المسلم فعله بعينه كالصلوات الخمس والصوم ، فهذا الواجب يجب على المسلم أن يفعله بعينه ولا يجوز له أن يستبدله بغيره ،والقسم الثاني من الواجب باعتبار المكلف فهو الواجب المخير ، وهو الذي يطلب الله تعالى من المسلم أن يفعله ثم حيره في أنواعه مثل كفارة اليمين ،فالذي يحنث في  يمينه أوجب الله عليه الكفارة ، لكن خيّره أن يكفّر عنها بإحدى ثلاث خصال : إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، وأما الصورة الثالثة للواجب فهو أيضا واجب باعتبار المكلف ، وهو أيضا قسمان ،الأول: الواجب العيني ، وهو الذي طلبه الله من  كل مكلف بعينه مثل الصلاة تجب على كل مسلم مكلف بعينه أن يأتي بها ولا ينوب عنه غيره ، وأما القسم الثاني فهو الواجب الكفائي ، وهو ما طلب الله تعالى فعله من المسلمين عامة ،فإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين ،فغن لم يقم به أحد من المسلمين لحقهم الإثم جميعا ، كالجهاد في سبيل الله .

 المسألة الخامسة : من خلال بيان أقسام الواجب في المسألة الرابعة ، ننزل هذا الواجب باعتبار صوره وأقسامه علينا في بيت المقدس وأكنافه فأقول والله المستعان: الرباط في المسجد الأقصى لأهل القدس ومن يستطيع الوصول إليه من المسلمين في فلسطين هو واجب موسع ، بمعنى يستطيع المسلم أن يرابط في المسجد الأقصى للصلاة والعبادة بكافة أشكالها ، وهو في نفس الوقت يستطيع أن ينصرف إلى قضاء حوائجه وشؤون دنياه ، ولكن يصبح الرباط في المسجد الأقصى واجبا مضيقا على كل مسلم مقدسي ومن المسلمين في الداخل الفلسطيني حين يتعرض المسجد الأقصى للخطر الحقيقي من غير بيان طبيعته فكل مسلم يعرف ماذا نعني بالخطر الحقيقي كما حدث عند وضع البوابات الألكترونية  ،فهذا الواجب مضيق ، ولذلك نزرى تقصير كثير من المسلمين في أداء هذا الواجب وقتها ، وأعتبر من الواجب المضيق هو أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى ، فهذا الواجب محدد بزمن وفي نفس الوقت يحتاج المسجد الأقصى في صلاة الجمعة إلى الرباط فيه لعلل كثيرة أهمها التأكيد على حق المسلمين في المسجد الأقصى دون غيرهم ، وعليه يأثم كل من يستطيع  صلاة الجمعة من المسلمين المكلفين  في القدس  وأكنافها وهو قادر على أداء هذه الصلاة ولم يتلبس بعذر يمنعه منها ، والصلاة في المسجد الأقصى واجب معين على المسلم المكلف القادر من أهل القدس وأكنافها ، ولا يجوز أن يستبدل الصلاة بغيره  من المساجد في القدس وضواحيها حين القدرة عليها فيه ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسفر إليه للرباط فيه بالصلاة والعبادة ومن ذك قوله "إئتوه فصلوا فيه "، وقوله " تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد وذكر منها المسجد الأقصى ، ووصيته للصحابي ذي الأصابع :عليك ببيت المقدس لعل الله يرزقك ذرية يغدون إليه ويروحون" ،وقوله :"فمن لم يستطع أن يتحمل إليه فليبعث إليه بزيت يسرج في قناديله " ،فهذه الأوامر  والتوجيهات النبوية وإن كانت على سبيل الندب والاستحباب فهي الآن على سبيل الوجوب لمن ذكرناهم  من المسلمين في القدس وأكنافها ،  لأن المسجد الأقصى اليوم هو ثغرة من ثغر الإسلام وأرض رباط ، ولا يتحقق حفظه  والرباط فيه وحمايته إلا باتخاذ إجراءات عديدة للمسلمين فيه وحوله العاجزين عن تحريره ،وأقلها أن يقوم كل مسلم مكلف قادر على أداء الصلوات الخمس فيه بقدر استطاعته  وهذا واجب معين في حقه في هذا الزمان ، وهذا كله يكون واجبا عينيا على كل مسلم مكلف قادر من أهل القدس وأكنافها ، لأن واجب الرباط لا يتحقق إلا به ، أما  المسلمين من خارج فلسطين فإن  تحرير المسجد الأقصى واجب كفائي في حقهم ، بمعنى أنه يجب على القادرين منهم أن يخرجوا لتحريه فإن لم تحصل الكفاية بهم وجب عليهم جميعا أن يخرجوا لأداء هذا الواجب ، وعليه فإننا نرى التقصير الكبير من المسلمين جميعا  في فلسطين وخارجها تجاه المسجد الأقصى ،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

 المسألة السادسة : والواجب بصوره وأقسامه المختلفة التي ذكرتها آنفا على المسلمين في بيت المقدس وأكنافها وخارجها لا يتوقف على نصرة المسجد الأقصى والقدس بهذه الصور فقط  وهو الرباط في المسجد الأقصى ، بل هذا الواجب له صور عديدة خاصة بأهل القدس وأكنافها ،منها عللا سبيل المثال : وجوب التكافل الاجتماعي ، وترك النزعات القبلية ، والشجارات ، وترك الجشع في أجرة العقارات ، والحذر من الولاء للكفار أو النفاق ، وترك المعاصي ، والٌإقبال على أداء الفرائض والواجبات ،فهذه كلها واجبات على أهل القدس  وأكنافها ، ولا يشفع لهم أن يشتموا ويلوموا المسلمين المقصرين بحق القدس والمسجد الأقصى وهم أكثر منهم تقصيرا باختلافهم وعدم تكافلهم وفرقتهم و...ألخ 


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More