تعديل

السبت، 3 مارس 2018

من فقه القرآن : تفسير سورة الإسراء 9

من فقه القرآن
تفسير سورة الإسراء (9)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
 الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com

    قال الله تعالى :" وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا"
 فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى:في الآية التي سبقت هذه الآية امتن الله تعالى على عباده بنعمة الدين وهي القرآن الكريم فقال " إن هذا القرآن يهدي للتي هي  أقوم " ، وفي هذه الآية يمتن الله على عباده بنعم الدنيا ومنها نعمة الليل ونعمة النهار فقال " وجعلنا الليل والنهار آيتين " ، والتذكير بهاتين المنتين  والنعم على العباد له حكم عديدة أهمها :أولا: التأكيد على وحدانيته وتصرفه في الكون ربا وإلها واحدا ، ثانيا: تذكير العباد بالنبوات ، كنبوة موسى عليه السلام وما أنزل عليه من توراة ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من  القرآن ، ثالثا : حتى يقوم العباد بالتفرغ لعبادة الله حق العبادة بعدما أسبغ عليهم بهذه النعم ، رابعا:  حتى يقوموا بواجب الشكر لله تعالى على هذه النعم .
المسألة الثانية : قوله تعالى ( وجعلنا ) لكلمة جعل في القرآن الكريم وفي اللغة أربع معان ، ثلاثة منها في القرآن ، وواحدة في لغة العرب ، أما الثلاثة التي في القرآن الكريم فهي : المعنى الأول :جعل بمعنى الاعتقاد ومن ذلك قوله تعالى " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا" أي : اعتقدوا أنهم إناثا ، والمعنى الثاني :جعل بمعنى صيّر ، ومن ذلك قوله تعالى " وجعلناها حصيدا خامدين " أي صيّرناها، والمعنى الثالث: جعل بمعنى خلق ، ومن ذلك قواه تعالى " وجعل الظلمات والنور" أي : خلق الظلمات والنور" ، والمعنى الرابع وهو في اللغة العربية جعل بمعنى شرع ، ومن ذلك في القرآن الكريم " أجعلتم سقاية الحاج...ألخ الآية"

المسألة الثالثة : معنى ( وجعلنا) في الآية الكريمة هو (خلقنا ) وليس (صيّرنا) ، لأنه إذا قلنا (جعلنا) بمعنى (صيّرنا) فهذا يوهم أن الليل والنهار خلقهما الله قبل ذلك ليس على النحو الذي هما عليه الآن من ظلمة الليل وضوء النهار ،ثم  صيرهما بعد ذلك على النحو الذي هما عليه الآن ، وهذا غير صحيح ،  ولا دليل عليه من النقل ، فتكون معنى (وجعلنا ) : وخلقنا الليل والنهار على هذا النحو الذي هما عليه ، آيتين للعباد على وحدانية الله وقدرته وتصرفه في الكون كيف يشاء ، ليقوم الخلق بواجب العابدة والشكر لله الخالق ...
 المسألة الثالثة: قوله تعالى "آيتين " أي : علامتان تدلان على وجود الله ، ووحدانيته ، وقدرته ،وقد يكون المراد من الآيتين الليل والنهار ، ويكون خلقهما دليلين على أن الله خلقهما لتحقيق مصالح العباد في دينه ودنياهم ، ففي الدين فالليل والنهار يتعاقبان ويتغايرن ، وهذا  يدل على أن الله خلقهما ، وأما في الدنيا فلأن مصالح العباد لا تتحقق إلا بوجد الليل والنهار جميعا وليس بوجود أحدهما دون الآخر ،فالليل فيه مصلحة الراحة والسكون للخلق ، والنهار فيه مصلحة النشور للكسب والتصرف وقضاء الحوائج ،وقد جاءت عديد الآيات تمتن على العباد بهاتين النعمتين والآيتين ، ومن ذلك :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ .. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ "...
المسألة الرابعة: قوله تعالى "فمحونا" له معنيان ،الأول: الزيادة والنقصان التي تظهر في القمر ،فيبدو هلالا ثم يتزايد نوره فيكتمل بدرا ، ثم ينقص بالتدريج حتى يصل إلى مرحلة المحاق ، والمعنى الثاني : الكلف الذي يظهر في وجه القمر ،فقد روي أن الله تعالى خلق الليل والنور متساويان في النور ،ثم جعل الله الشمس ضياء، وجعل القمر نورا ، قال الله تعالى :"  هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً" .
 المسألة الخامسة : والمعنى الأول هو الأرجح - والله أعلم - لأن اللام في قوله تعالى " لتبتغوا فضلا من ربكم " تتعلق به  ، فقوله تعالى " لتبتغوا فضلا من ربكم  ولتعلموا عدد السنين والحساب " يدل عليه .
 المسألة السادسة" : فالليل والنهار فيهما نعم عديدة على الخلق منها :أولا :ابتغاء فضل الله ، وهذا الفضل يكون بالتصرف في النهار بالعمل والكسب وغير ذلك من تدبير الأمور، ثانيا: وليعلم الناس عدد السنين والحساب ،أي :(( أي لو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما، لم يعرف الليل من النهار؛ ولم يدر الصائم متى يفطر، ولم يدر وقت الحجِّ، ولا وقت حلول الآجالِ، ولا وقت السكون والرَّاحة.)).
المسألة السابعة : قال المفسرون :" الحساب مبنيٌّ على أربع مراتب: الساعات، والأيام، والشُّهور، والسِّنون، فالعدد للسنين، والحساب لما دون السنين، وهي الشُّهور، والأيَّام، والسَّاعات، وبعد هذه المراتب الأربعة لا يحصل إلاَّ التكرار؛ كما أنَّهم رتَّبوا العدد على أربع مراتب: الآحاد، والعشرات، والمئات، والألوف، وليس بعدها إلا التكرار"
 المسألة الثامنة : قوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ}:أي : (أنه تعالى لمَّا ذكر أحوال آيتي اللَّيل والنَّهار، وهما من وجهٍ: دليلان قاطعان على التَّوحيد، ومن وجهٍ آخر: نعمتان عظيمتان من الله على الخلق، فلما شرح الله تعالى حالهما، وفصَّل ما فيهما من وجوه الدلالة على الخالق؛ ومن وجوه النِّعم العظيمة على الخلق، كان ذلك تفصيلاً نافعاً وبياناً كاملاً، فلا جرم قال: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ} أي: فصَّلنا لكم كلَّ ما تحتاجون إليه في مصالح دينكم ودنياكم، فهو كقوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ}  وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} وإنما ذكر المصدر، وهو قوله: «تَفْصِيلاً» لأجل تأكيد الكلامِ وتقريره، فكأنه قال: «وفَصَّلنَاهُ حقًّا على الوجهِ الذي لا مزيد عليه»" .
المسألة التاسعة: إذا تبين ما سبق ذكره فإن الحجة قائمة على العباد ولا عذر لهم يوم القيامة ، ولهذا جاءت الآيات بعدها  تبين مصير العباد على حسب أعمالهم " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه "
والحمد لله رب العالمين




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More