تعديل

الجمعة، 10 يناير 2025

يكفي لخطبة المرأة طلب يدها

يكفي لخطبة المرأة طلب يدها
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك

من مظاهر الإفلاس الديني ، والقيمي ، والاجتماعي ، ما نراه اليوم من تضخيم شأن خطبة المرأة من وليّ أمرها ، حيث يجتمع فيها أولا : عدم الالتزام بأحكام الشريعة الخاصة بخطبة المرأة ، ثانيا : التحلل من القيم التي يجب على أبناء المجتمع الواحد مراعاتها والعمل بها ، لأن الخروج عليها ليس من المروءة التي يحرص عليها أهل الفضل والصلاح ، ثالثا : الخروج من النسيج الاجتماعي الذي من واجب الكل المجتمعي من الأفراد والعشائر الدخول فيه ، وحمايته، وعدم التهاون في شرخه ، أو قطع وشائجه ، وهذا الإفلاس بهذه المظاهر الثلاثة ، نراه حين تتفشى مظاهر الرياء ، والمباهاة ، بين أهل الخاطب والمخطوبة ، ومن صور ذلك : إعطاء الخطبة أكثر مما تستحق من إجراءات عائلية ، فنرى أن الخطبة لا تكون حتى تأتي " جاهة " لطلب المخطوبة من وليّها ، وحتى تقام مراسم للخطبة كمراسم العرس من الإشهار ، والغناء ، والاختلاط ، واستئجار أرقى القاعات لحفلها ، وكل هذا من الرياء ، والمباهاة ، التي حرّمها الله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وحتى تتضح الصورة أكثر ، وقبل بيان التكييف الفقهي لخطبة المرأة ، دعوني أذكركم بأن كل مراسم الخطبة من " الجاهة" ، والحفل في أفضل القاعات ، والغناء ، كل هذا يتم بعد اتفاق وليّ المرأة مع الخاطب وأهله في نطاق ضيق، يعني القدوم ب" الجاهة " هو فقط للرياء والمباهاة ، لأن الخطبة والموافقة عليها تمت بين أهل الخاطب والمخطوبة مسبقا ، ثم إقامة الحفل ،واستئجار القاعة ، أيضا للمباهاة ، وهي هنا مذمومة ، ومحرمة ، أما الحكم الشرعي لخطبة المرأة فهو أنها وعد ، وليست عقدا ، يعني : لا يترتب على هذه الخطبة أحكاما شرعية لو تم الانفصال كالطلاق ، بل خطبة المرأة هي وعد من وليّ المخطوبة لخاطبها ، والوعد يبقي المخطوبة أجنبية عن خاطبها ، يعني يحرم أن يخلو بها ، أو يراقصها ، أو يراه متبرجة بزينتها ، أو يخرج معها ، وكل هذه المحرمات يفعلها كثير من المسلمين اليوم ، وهذا من الإفلاس الديني ، والقيمي ،عدا عن الإفلاس الاجتماعي من أبناء شعبنا الذين يرون مصاب إخوانهم في "غزة" ، ولا يراعون هذا المصاب بالتكافل المعنوي ، والذين من صوره الامتناع عن إظهار الفرح والسرور المبالغ فيه في الأعراس ، فكيف إذا كان الأمر هو خطبة امرأة فقط ، والذي لا يتطلب شرعا ولا في العرف الصحيح ، الخروج على الناس بهذه المظاهر من الرياء ، والمباهاة ، في خطبة المرأة من وليّها ؟ ثم نرى انفصام الشخصية في بطاقة الدعوة للخطبة فيكتب فيها " يا فلسطين اعذرينا " ، وفلسطين ، وشعبها ، ومصابها ، لن يعذروك ، وكيف يعذروك ، وأنت لا تضع الشيء في مكانه الصحيح ؟ وكيف يعذروك وأنت تصطنع فرحا في خطبة امرأة لم يأذن به الله تعالى ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا ترضاه مروءة عاقل ، ولا تقوى مؤمن ؟ إذن ما المطلوب حتى نخرج من هذا الإفلاس بأنواعه الثلاثة ؟ الجواب : أولا: أن نعطي أحكام الشريعة حقها الكامل في تسيير حياتنا ، لأن ما عدا ذلك هو تقديم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد نهانا ربنا عن ذلك فقال لنا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، والمعنى : لا تفعلوا فعلا ، ولا تقولوا قولا ، يخالف أمر الله ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونحن بتضخيم شأن خطبة المرأة ، وللأسف لا ننجح في امتحان التقوى ، لأن الله امتحننا به في خطبة المرأة ، فتجرأنا على نواهيه وعصيناه ففعلناها ، وقد قال ربنا: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)، ونحن رفعنا أصواتنا فوق صوت رسولنا صلى الله عليه وسلم في مواطن عديدة ومنها خطبة المرأة من وليّها ، ثانيا : ألا نعطي خطبة المرأة أكبر من حجمها ، فيكفي أن تقتصر الخطبة ومعرفتها على أهل الخاطبين ، من غير إشهار لها من خلال " جاهة " أو " قاعة وغناء " ، لأن الإشهار فقط للزواج ، حتى تُعرف المرأة أنها صارت زوجة لفلان من الناس ، ثالثا : مراعاة الظروف التي يعيشها شعبنا في أماكن تواجده ، فليس مؤمنا حقا ، من بات يرقص ، ويغني ، والناس من حوله ، في كرب عظيم ، وليس مؤمنا حقا ، من ارتكب المعاصي ، وجاهر بها ، فما يحصل في خطبة المرأة ، من تبرج المخطوبة أمام خاطبها ، ومراقصتها له ، وغناء الناس لهم ، مع الموسيقى ، والتبرج ، والاختلاط ، كل ذلك مما يستوجب العذاب ، وأول عذاب ينزله الله بالخاطبين عدم البركة في الخطبة والزواج ، فيحصل بينهما الخلافات ، وربما يؤخر الله إنجابهما للذرية ، وغير ذلك من عذاب الله المتنوع ، وأخيرا كل المال الذي ينفق على سهرة " العرس" ينفق في باطل وفي حرام ، وسوف يحاسب عليه المنفق له حسابا عسيرا يوم القيامة .
والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More