تعديل

الاثنين، 2 مايو 2016

من فقه القرآن : سدرة المنتهى

من فقه القرآن
سدرة المنتهى
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

قال الله تعالى :" ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى" سورة النجم (13-15)
فقه الآيات الكريمات وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى:  من الآيات التي رآها  النبي محمد صلى الله عليه وسلم في السموات عندما عرج به إلى السموات العلا رؤية سدرة المنتهى وما يوجد حولها من عجائب .

المسألة الثانية: ,ثبت في حديث الإسراء والمعراج من رواية مالك بن صعصعة رضي الله عنه وفيه : يقول النبي صلى الله عليه وسلم [ثم رُفِعْتُ إلى سدرة المنتهى وفي رواية:: ثم رُفِعَتْ لي سدرة المنتهى أي أظهرت وبينت فإذا نَبِقْهَا (بفتح النون وإسكان الباء ، ويقال بكسر الباء وهو ثمر السدر مثل قلال هجر (جمع قلة وهى وعاء كبير يوضع فيه الماء من الفخار ، وهجر بلدة في البحرين وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قلت : ما هذه يا جبريل؟ : قال : هذه سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار تخرج من أصلها : نهران باطنان (أي يسيران إلى داخل الجنة) ونهران ظاهران (إلى خارجها) قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنـِّيْل والفرات.
المسألة الثالثة:  سدرة المنتهى في السماء السادسة فما يعرج من الأرض ويصعد ينتهي إليها ،وما يهبط من السماء فما فوقها وينزل يكون محل هبوطه عندها ، ثم تأخذه الملائكة الموكلة بتبليغه إلى ما شاءت ، من أهل سدرة المنتهى ، فما يصعد يقف عند سدرة المنتهى وما يهبط يقف عند سدرة المنتهى ثم تتولى الملائكة وتوزيعه حسب ما يأمرها الله عز وجل.
 المسألة الرابعة:قال الإمام النووي: سميت سدرة المنهتى لأن علم الملائكة ينتهي إليها فلا يتجاوزها، فالملائكة لا تعلم ماذا يوجد بعد سدرة المنتهى ، وسدرة المنتهى أصلها في السماء السادسة ،وأغصانها وفروعها في السماء السابعة والملائكة لا تتجاوز هذا.

المسألة الخامسة:
وقال الله تعالى:(إذ يغشى السدرة ما يغشىوالذي غشي السدرة عدة أمور منها :
أ- ما ثبت في حديث ابن مسعود المتقدم في صحيح مسلم وفيه [ أنه غشيها فراش من ذهب ] أي مملوءة بفراش من ذهب
قد يقول قائل: فراش من ذهب له روح كيف هذا؟
نقول : يا عبد الله ، لماذا هذا التفكير ؟ فهل إذا كان الفراش من عصب أو لحم يمكن أن يكون فيه روح ويتحرك وإذا كان من ذهب لا يمكن؟ لماذا هذا التفكير؟
ألم ينزل على نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام عندما اغتسل بعد أن برأ من مرضه عندما قال الله له : (هذا مغتسل بارد وشراب) فسقط عليه جراد من ذهب فبدأ نبي الله أيوب يغترف من هذا الجراد فقال الله له : ما هذا يا أيوب أوليس قد أغنيتك؟ فقال يا رب لا غنى لي عن بركتك. أي هذه البركة نزلت من عندك فأنا سآخذها وأجمعها.
والحديث في صحيح البخاري ، وهذا حصل في حياتنا الدنيوية هنا ، أفلا يعقل في مثل هذه الرحلة المباركة التي حصلت لخير البرية عليه الصلاة والسلام أن يكون هناك فراش من ذهب يطير حولها ويعيش فيها وكل هذه الرحلة خوارق وعجائب.
ب- ورد عن أبي سعد الخدري وابن عباس رضي الله عنهم قالا : [إنه يغشاها ملائكة الله] وثبت في سنن البيهقي عن أبي سعد الخدري رضي الله عنه أنه قال : [ على كل ورقة منها ملك لله].
جـ- ورد أنه تغشاها أنوار عظيمة ، ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : [فلما غشيها من أمر الله ما غشيها (أي من أنواره) تغيرت فما أحد من خلالها  يستطيع أن ينعتها من حسنها، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام عن هذه السدرة :"فإذا نَبْقِها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة.

المسألة السادسة :
خصت هذه الشجرة بالذكر ووضعت في ذلك المكان ورآها نبينا عليه الصلاة والسلام؟
خصت لثلاثة أمور
أولها : ثمرها طيب.
ثانيها : رائحتها ذكية.
ثالثها : ظلها واسع.
فإذن لها طعم ولها ريح ولها ظل ، فخصت لهذه الاعتبارات الثلاثة .

   المسألة السابعة : وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ- وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى- قَالَ: (يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّ الْغُصْنِ مِنْهَا مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا مِائَةَ رَاكِبٍ- شَكَّ يَحْيَى- فِيهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلَالُ) ، وَكَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ (ثُمَّ ذُهِبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا .
المسألة الثامنة : وَاخْتُلِفَ لِمَ سُمِّيَتْ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى عَلَى أَقْوَالٍ تِسْعَةٍ:
 الْأَوَّلُ- مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ مسعود أنه ينتهي إليها كلما يَهْبِطُ مَنْ فَوْقِهَا وَيَصْعَدُ مَنْ تَحْتِهَا
الثَّانِي- أَنَّهُ يَنْتَهِي عِلْمُ الْأَنْبِيَاءِ إِلَيْهَا وَيَعْزُبُ عِلْمُهُمْ عَمَّا وَرَاءَهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
 الثَّالِثُ- أَنَّ الْأَعْمَالَ تَنْتَهِي إِلَيْهَا وَتُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
 الرَّابِعُ- لِانْتِهَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ إِلَيْهَا وَوُقُوفِهِمْ عِنْدَهَا، قَالَهُ كَعْبٌ.
 الْخَامِسُ- سُمِّيَتْ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى لِأَنَّهَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. السَّادِسُ- لِأَنَّهُ تَنْتَهِي  إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَهُ قَتَادَةُ.
السَّابِعُ- لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَاجِهِ، قَالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ أَيْضًا.
الثَّامِنُ- هِيَ شَجَرَةٌ عَلَى رُءُوسِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الْخَلَائِقِ، قَالَهُ كَعْبٌ أَيْضًا. قُلْتُ: يُرِيدُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ارْتِفَاعَهَا وَأَعَالِيَ أَغْصَانِهَا قَدْ جاوزت رءوس حملة العرش، ودليله مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ أَصْلَهَا فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَأَعْلَاهَا فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُمَّ عَلَتْ فَوْقَ ذَلِكَ حَتَّى جَاوَزَتْ رُءُوسَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
 التَّاسِعُ- سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ رُفِعَ إِلَيْهَا فَقَدِ انْتَهَى فِي الْكَرَامَةِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهي به إلى سدرة الْمُنْتَهَى فَقِيلَ لَهُ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ خَلَا مِنْ أُمَّتِكَ عَلَى سُنَّتِكَ، فَإِذَا هِيَ شَجَرَةٌ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه،
أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، وَإِذَا هِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُسْرِعُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا.
المسألة التاسعة: قَوْلُهُ تَعَالَى: (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) تَعْرِيفٌ بِمَوْضِعِ جَنَّةِ الْمَأْوَى وَأَنَّهَا عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.
 وَقِيلَ: إِنَّهَا الْجَنَّةُ الَّتِي يَصِيرُ إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَهِيَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ.
 وَقِيلَ: هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي آوَى إِلَيْهَا آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى أَنْ أُخْرِجَ مِنْهَا وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ.
 وَقِيلَ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهُمْ فِي جَنَّةِ الْمَأْوَى. وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا: جَنَّةُ الْمَأْوَى لِأَنَّهَا تَأْوِي إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيَتَنَعَّمُونَ بِنَعِيمِهَا وَيَتَنَسَّمُونَ بِطِيبِ رِيحِهَا.
 وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَأْوِيَانِ إِلَيْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
المسألة العاشرة: قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ
وَقَالَ الْحَسَنُ: غَشِيَهَا نُورُ رَبِّ العالمين فاستنارت. وَفِي خَبَرٍ آخَرَ (غَشِيَهَا نُورٌ مِنَ اللَّهِ حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا).
 وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: غَشِيَهَا نُورُ الرَّبِّ وَالْمَلَائِكَةُ تَقَعُ عَلَيْهَا كَمَا يَقَعُ الْغِرْبَانُ عَلَى الشَّجَرَةِ.
 وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ السِّدْرَةَ يَغْشَاهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ وَرَأَيْتُ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّحُ [اللَّهَ تَعَالَى)] وَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى ذكره
. وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى) قَالَ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ وَقَدْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُ رَفْرَفٌ أَخْضَرُ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (يَغْشَاهَا رَفْرَفٌ مِنْ طَيْرٍ خُضْرٍ).
 وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَغْشَاهَا رَبُّ الْعِزَّةِ، أَيْ أَمْرُهُ:
 وَقِيلَ: هُوَ تَعْظِيمُ الْأَمْرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا أَعْلَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ دَلَائِلِ مَلَكُوتِهِ.

والحمد لله رب العالمين


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More