تعديل

السبت، 17 ديسمبر 2016

من فقه القرآن : الوصايا العشر (7)


الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
قال الله تعالى "... ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده.....الخ الآية "سورة الأنعام :152
 
 فقه المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: :الإنسان إذا فقد أباه وهو صغير يسمّى يتيما وليس  الذي فقد أمّه  يسمّى يتيما لكن إذا اجتمع له فقد الأب والأم كانت المصيبة أعظم واليتم أبلغ .
المسألة الثانية: وسمّي من فقد أباه دون سنّ البلوغ يتيما لأنه: أولا: لأنه بموت أبيه انفرد واليتيم في اللغة العربية الانفراد ، يقال درّة يتيمة أي ليس لها نظير ،  ثانيا: لأن الولد بموت أبيه فقد من يرعاه ولهذا فإن الخير والبر والمعروف يبطىء له لفقده أباه الذي بوجوده ينال كل ما ذكرناه من بر وخير ومعروف.
 المسألة الثالثة: قوله تعالى " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن فيه فوائد أهمها: أولا:هذه الجملة معطوفة على ما سبقها من المحرمات  والحرمة في سوء التصرف في مال اليتيم واضحة في الآية الكريمة بنمطوقها ومفهومها. ثانيا: هذا النهي فيه دعوة للمسلمين في حفظ قواعد السلوك والتعامل بينهم للرقي بالعلاقات الاجتماعية من خلال تحقيق الثقة بين أفراد المجتمع المسلم مهما اختلفوا في منازلهم وقوتهم ونفوذهم فاليتيم وإن كان ضعيفا مهيض الجناح فهو قوي ذو سلطان يحميه من خلال الولاية والوصاية عليه والنهي في الآية للأوصياء وبهذا نرى قوة النسيج الاجتماعي في المجتمع المسلم من خلال ترابط الوشائج بي جميع أفراده على احتلاف مستوياتهم ونفوذهم.
ثالثا: وعليه فإن القرب من مال اليتيم ممن صاحب النفوذ عليه يكون بتنمية ماله بالتجارة وعدم استغلال هذا المال لمنفعة شخصيو تعود على الوصي أو الولي كأن يستقرض من مال اليتيم أو يشتري منه خشية استغلاله ،فيكون القرب من مال اليتيم من الوصي أو الولي هو إصلاح هذا المال وتثميره ،فتحفظ أصول مال اليتيم ويتم استثمار فروعه ، وقد ذهب المفسورن إلى أن هذا هو أحس ما قيل في معنى هذه الآية الكريمة.
المسألة الرابعة: والحكمة من تخصيص مال اليتيم بالحفظ لأن مال اليتيم مظنة الاعتداء عليه من الولي وإذا اعتدى عليه الولي فمن ينصر اليتيم ويحفظ له ماله ؟! ثم إن الأولياء كان من عادتهم التوسع في أموال اليتامى  والاعتداء عليها ومن ذلك أنهم كانوا يخلطون أنعامهم مع أنعام اليتامى وعند القسمة يأخذون السمين ويعطون  اليتيم الهزيل ويقولون : رأس برأس فنهاهم الله عن ذلك  ومنه ما جاء في سورة النساء" وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا".
المسألة الخامسة.والنهي عن الاعتداء على مال اليتيم بأي صورة من صور الاعتداء جاء بأسلوب فيه تحذير وتخويف وهو النهي عن الاقتراب من مال اليتيم  فقال سبحانه:"ولا تقربوا" فالقرب كناية عن ملابسة مال اليتيم والتصرف يفه كما بينت آنفا،وكما قال عزّ وجلّ قبل ذلك عن الفواحش " ولا تقربوا الفواحش" وهذا فيه شدة  في التهي والتحريم عن التصرف بمال اليتيم بأي تصرف يعرضه للمخاطرة أو التلف.
المسألة السادسة: قوله تعالى :إلا بالتي هي أحسن " فيه فوائد أهمها:"الأولى: هذا الاستثناء جاء بعد النهي عن التصرف بمال اليتم بما ضر ماله بالنقص أو الإتلاف فجاء النهي " إلا بالتي هي أحسن" الثانية: فمعنى الاستثناء هو إلا بالحالة التي هي أحسن فالباء في قوله تعالى "بالتي" للملابسة والمعنى: إلا ملابسين للحالة التي هي أحسن حالات القرب وأحسن كما هو معروف في اللغة العربية هو اسم تفضيل فيكون القرب من مال اليتيم يكون بالأنفع لماله والنفع هنا الذي لا ضرر فيه على  اليتيم وماله .
المسألة السادسة: قوله تعالى " حتى يبلغ أشده" فيه فوائد أهمها: الأولى: الأشد مشتق من الشدّ وهو التوثق وبالتالي هو اسم يدل على قوة الإنسان، الثانية: والمعنى حتى يبلغ اليتيم قوته، الثالثة: والمراد بقوة التيتيم هنا قوته البدنية وقوته العقلية المعرفية ولا بد من اجتماع هاتين القوتين في اليتيم حتى يعطى له ماله يتصرف فيه كما يشاء ، الرابعة:المراد بقوله "يبلغ" الوصول وهو التدرج في النمو الإنساني من الطفولة إلى الصبا ثم  إلى البلوغ الجسمي مع العقل وحسن التصرف وقد جاء تقييد حال اليتيم هذه في سور النساء عند قوله تعالى:" وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح
فإن آنستم  منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"الخامسة: والنهي عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن نهي عام ومطلق لكل مراحل حياة اليتيم وهو في سن قبل البلوغ وبعده
المسألة السابعة :وقد وردت الآيات العديدة في القرآن تأمر برعاية اليتيم والمحافظة على ماله ورعايته جسديا ومعنويا م ومنها سورة الضحى التي حددت معالم رعاية اليتيم التي ينبغي أن تحفظ له وهي: أولا: السكن والرعاية بما تشمله هذه الكلمة من معان كالرعاية الصحية والسكنية وغيرهما ،جاء هذا في قوله تعالى" ألم يجدك يتيما فآوى، ثانيا: الرعاية النفسية والمعنوية ، جاء هذا في قوله تعالى" فأما اليتيم فلا تقهر" وفي قراءة"فلا تكهر" ، ثالثا: الرعاية المادية جاء هذا في قوله تعالى" ووجدك عائلا فأغنى" والعائل هو الفقير ، رابعا: التربية والتعليم ، جاء هذا في قوله تعالى" ووجدك ضالا فهدى"
المسألة الثامنة: وفي السنّة القولية والعملية الكثير مما يدل على الاهتمام باليتيم ورعايته وهذه غيض من فيض: َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ). وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا قَعَدَ يَتِيمٌ مَعَ قَوْمٍ عَلَى قَصْعَتِهِمْ فَيَقْرَبَ قَصْعَتَهُمُ الشَّيْطَانُ). وعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا... إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يُغْنِيَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ أَلْبَتَّةَ إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لَا يُغْفَرُ ...."
المسألة التاسعة : وبناء على ما سبق بيانه نستنج أمورا أهمها:
أولا: وجوب رعاية كل ضعيف ومساعدته كاليتيم وغيره ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ":إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة"
ثانيا:حرمة أكل مال التيتم والتصرف فيه بغير تنميته له وعليه فلا ينبغي استغلال أموال اليتامى في المصالح الشخصية كالاستقراض أو شراء ما لهم من مال كعقار أوغيره بأبخس الأثمان ....
ثالثا: من اعتدى على أموال اليتامى والضعفاء فخصمه الله تعالى ومن كان خصمه الله تعالى هلك لا محالة فالحذر الحذر قبل فوات الأوان...
رابعا:  رعاية الأيتام في بلادنا فيها تقصير واضح فاليتيم  في دور الأيتام ينبغي أن يعطى حقه من الرعاية بمفهومها الشامل الجسدية والعقلية والتربوية والأمنية  والنفسية والاجتماعية ومع هذه الملاحظة فلا ننقص من الجهود المقدمة للأيتام في دور الأيتام ...
خامسا: في النهي عن قرب مال اليتيم بغير وجه حق نهي وتحريم من الاقتراب من كل مال بغير وجه مشروع...
والحمد لله رب العالمين
 
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More