تعديل

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

من فقه القرآن : الوصايا العشر (5)


من فقه القرآن
الوصايا العشر (5)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
 قال الله تعالى :" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن...ألخ الآية )سورة الأنعام :1
 فقه المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية:
المسألة الأولى:  قوله تعالى :" ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " معطوف على ما سبقه ، والفواحش كل ما فحش مما لا يرضاه الله تعالى ، وهي بمعنى أدق "كل الآثام " ، وعليه يكون ما سبق النهي عنه في الآية وما سيأتي النهي عنه فيها يشمله ،فكأن هذا المقطع القرآني هو الأساس لما جاء في الآية من نواه ومحرمات وينطلق منها ، وقد كنت كتبت في تفسير سورتي الحديد والأنفال ووصلت غلى نتيجة أن لكل سورة آية تكون أساسا تنطلق السورة من خلالها بمعانيها وأفكارها ، وهنا أقول : في هذه الآية ما يدل على أن من الآيات ما يكون جزءا منها أساسا لما جاء فيها من معان وأفكار ، وقد يكون هذا فتحا جديدا في التفسير إضافة إلى ما  ذكره علماء التفسير من علوم تتعلق به مثل : علاقة الآيات وعلاقة السور  القرآنية ببعضها.
المسألة الثانية: قوله تعالى :" ولا تقربوا " أبلغ في النهي والتحذير ، لآن القرب من الشيء قد يؤدي إلى الولوج فيه ، والإثم ليس له قرب فدل الكلام بالكناية عن التحذير من فعل الإثم بأقل فعل .
  المسألة الثالثة:  قوله تعالى الفواحش يشمل:
أولا: الآثام الكبيرة ، ثانيا:  الزنا ، ثالثا: كل عمل فحش واشتمل على مفاسد ، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير :" وَالْفَحْشَاءُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ فَحُشَ إِذَا تَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمَعْرُوفَ فِي فِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ وَاخْتُصَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَا تَجَاوَزَ حَدَّ الْآدَابِ وَعَظُمَ إِنْكَارُهُ، لِأَنَّ وَسَاوِسَ النَّفْسِ تَئُولُ إِلَى مَضَرَّةٍ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَتْلِ الْمُفْضِي لِلثَّأْرِ أَوْ إِلَى سَوْأَةٍ وَعَارٍ كَالزِّنَا وَالْكَذِبِ".
المسألة الرابعة: قوله تعالى :" ما ظهر منها وما بطن " فيه عدة أقوال وهي:
 القول الأول: الفواحش التي يظهرها مرتكبوها ولا يستخفون منها مثل الغضب والقذف ، والفواحش التي يفعلها مرتكبها وهو يخفيها مثل السرقات والزنا .
 القول الثاني: الفواحش الظاهرة التي يفعلها السفهاء والفسقة في أماكن الفحش كالمقاهي والبارات ، والفواحش الباطنة المقصود بها اتخاذ الزانيات صديقات في السر .
 القول الثالث: بعض أهل الجاهلية كان يرى الزنا حلالا في السر ويراه قبيحا في العلن.فأنزل الله تعالى تحريم الزنا في السر والعلن.
القول الرابع: الفواحش الظاهرة جميع أنواع المعاصي ، والفواحش الباطنة ما عقد عليها صاحبها قلبه
 المسألة الخامسة: . الامتناع عن فعل الفواحش في العلن واقترافها في السر من قبائح الصفات وضعف الإيمان والرياء .
المسألة السادسة:  ونخلص مما سبق بيانه إلى ما يلي:
 أولا: الفاحشة: كل ما هو قبيح من الأقوال والأفعال  ومنه قول النبي صلي الله عليه وسلم لعائشة حين ردت على اليهود الذين دخلوا على النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا محمد- يعنون بالسام: الموت- فقال لهم النبي صلي الله عليه وسلم : "وعليكم". فقالت عائشة رضي عنها: "عليكم السام واللعنة وغضب الله عليكم". فقال لها النبي صلي الله عليه وسلم: "لا تقولي ذلك يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفاحش".
ثانيا: كل ما كثر وازداد يوصف بالفحش ، وعليه مهما كان الإثم صغيرا فهو فاحشة وكبير.
 ثالثا: وإذا  كان الزنا فاحشة ومن أعظم الفواحش فإن مقدماته من التبرج والعري  والاختلاط والمجون من الفواحش الظاهرة التي حرمها الله ويغب من فاعلها.
رابعا: الفاحشة من صنيع الشيطان ومن فعله ومن تزيينه  كما قال تعالى: [يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين *إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون]  وقال أيضا  : [الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم] .
 خامسا : جاءت الوصية والأمر بطاعة الله تعالى والنهي عن الفحشاء في آية جامعة وهي قوله تعالى:" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون".
سادسا: ومن الغيرة على النفس والدين أن لا يقرب المسلم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وفي الحديث الشريف :"  عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم : "لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش وما أحد أحب إليه المدح من الله" . وإذا علمنا هذا وجب على كل منا أن يكون غيورا فلا يرتكب فاحشة ظهرت أو بطنت.
سابعا: يجب التوبة النصوح من  كل فاحشة  وهذا ما  دعا الله تعالى إليه  فقال:"   [والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون] .
والحمد لله رب العالمين


 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More