تعديل

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

من فقه القرآن : الوصايا العشر (6)


من فقه القرآن
الوصايا العشر (6)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
 
قال الله تعالى في سورة الأنعام :"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "
 فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: بعد أن نهى الله تعالى من الاقتراب من الفواحش الظاهرة والباطنة أعقب ذلك بالنهي عن قتل النفس المحرمة بغير حق ، ليدل على أن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق  فاحشة عظيمة سواء أكانت ظاهرة أو باطنة وخفيّة .
 المسألة الثانية: خصّ الله تعالى قتل النفس المحرمة بغير حق بالذكر في الآية دون سائر الفواحش إعلاما للناس بخطورة هذه الفاحشة وعظم فسادها على الأفراد والمجتمع الإنساني.
 المسألة الثالثة:  الألف  واللام في قوله تعالى ( النفس)  لبيان الجنس ، وفي هذا فائدة بيانية وهي لتفيد الاستغراق وبهذا يحرم قتل كل نفس حرّم الله قتلها مؤمنة كانت أو كافرة مثل المعاهد والمستأمن من غير المسلمين.
المسألة الرابعة: قوله تعالى ( إلا بالحق يشمل أمور عديدة منها الثيّب الزاني  وقاتل النفس والمرتد ومانع الزكاة وتارك الصلاة ، وهذا القتل لا يكون إلا لإمام المسلمين عندما يكون للمسلمين دولة تحكمهم بشريعة الإسلام ، ومن الأدلة على أن من ذكرتهم هم من الذين يقتلون بالحق  قوله صلى الله عليه وسلم :" (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) وَقَدْ قَاتَلَ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ " وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ".
 المسألة الخامسة: قوله تعالى :" ذلكم وصاكم" إشارة إلى المحرمات التي أوصى الله المسلمين اجتنابها ، والموصي هو الله تعالى والموصى به ما تم التأكيد عليه وهو مقدور على فعله أو اجتنابه  .
 المسألة السادسة: قوله تعالى :" التي حرّم الله" تأكيد على التحريم أنه قديم حرمه الله  في عهد آدم وليس من التحريم الطارىء وهذا أبلغ في  ردع وزجر النفوس عن فعله أو التجرىء عليه.
المسألة السابعة:" وفي قوله تعالى :" حرّم" إشارة إلى أن للنفس حرمة يجب أن تصان ، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير:" وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى: حَرَّمَ اللَّهُ جَعَلَهَا اللَّهُ حَرَمًا أَيْ شَيْئًا مُحْتَرما لَا يعتدى عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها.وَفِي الْحَدِيثِ: «وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا».
 المسألة السابعة: قوله تعالى :" إلا بالحق" دل على أن قتل النفس المحرم قتلها هو من الباطل وأن الحق أن تحفظ وصان من القتل بأي صورة كانت.
المسألة الثامنة : قوله تعالى :" لعلكم تعقلون " فيه فوائد وهي:
 الفائدة الأولى: الرجاء في أن يعقل المكلفون فيصيروا ذوي عقول لأن العاقل لا يقتل أو يشارك في هذه الجريمة. الفائدة الثانية: أن من قتل  بغير حق كان تافها وخسيسا خسته تكمن في فقدانه للعقل  حين ارتكابه فاحشة القتل.
 
المسألة التاسعة : قوله تعالى "به" الضمير فيه يرجع إلى جميع ما ذكر من المحرمات في الآية الكريمة .
 المسألة العاشرة : قتل النفس المحترمة شرعا  يقابلها حفظ النفس ، وحفظ النفس من الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع كلها تدعو إلى حفظها ، وهي من أعظم مقاصد الدين بل هي أول مقاصده ، فبها يحفظ الدين وتقوم الملة ، وقد شرع الإسلام أحكاما لحفظها وإيجادها  وشرع عقوبات لمن يعتدي عليها ، والشريعه زاخرة بآيات وأحاديث شريفة وسنن ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد حق النفس بالحياة وحرمة الإعتداء عليها بغير حق .
المسألة الحادية عشرة: إذا علمنا ذلك كله وجب علينا كمسلمين مسؤولية عظيمة إزاء ما يجري في بلادنا من قتل على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي والدولي ، ويحرم السكوت على منكر سفك الدماء المسلمة المستضعفة من الولدان والنساء وغيرهم .وذلك بالعمل على تغيير هذا المنكر الفاحش .....
والحمد لله رب العالمين
 

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More