تعديل

الجمعة، 12 مايو 2017

من فقه القرآن : ما يلزم الصائم في رمضان

من فقه القرآن
 ما يلزم الصائم في رمضان
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com

قال الله تعالى في سورة فاطر (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ )
فقه الآيتين الكريمتين وفوائدهما في المسائل التالية :

المسألة الأولى
آية القراء العاملين
والصائمين المقبولين
هذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى:"إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور"(1)
هي آية تحض كل مؤمن تقي نقي،ارتقى بإيمانه عملا وسلوكا،قال القرطبي:"هذه آية القرآء العاملين الذين يقيمون الصلاة الفرض والنقل،وكذا في الإنفاق"(2).
وهي آية تجمع خصال الصائمين الذين ينوون بصيامهم رضوان رب العالمين،حيث جمعت ركائز الصيام الثلاثة:تلاوة القرآن الكريم،وإقامة الصلوات فرضها ونفلها،والنفقة زكاة وصدقات،فلا طعم ولا مذاق لصيام من صام إلا بهذه الخصال الثلاثة،فهي شهد الصوم ورحيقه،وجناه وثمرته.

المسألة الثانية :
خصال تشمل العبادات الثلاثة -
وهذه الخصال الثلاثة،التلاوة والصلاة والنفقة يحصل بها الصائم العبادات بأنواعها،عبادة اللسان بتلاوة القرآن وهو رأس الأذكار،  وعبادة الجوارح والتي تترأسها الصلاة،والعبادة المالية بالنفقة الواجبة ونفقة التطوع،وتؤسس عبادة القلب بالنية الخالصة لله عز وجل لكل العبادات، قال الرازي)3) "يتلون كتاب الله إشارة إلى الذكر،وأقاموا الصلاة إشارة إلى العمل البدني،وأنفقوا مما رزقناهم إشارة إلى العمل المالي...فالتلاوة عمل اللسان،والصلاة والنفقة عمل الجوارح،وسبقها في الآية التي سبقتها"إنما يخشى الله من عبادة العلماء عمل القلب "،فيكون الصائم بهذه الخصال كما قال القشيري في لطائف الإشارات(4):"حصل على القدر الأجل من التقريب،والنصيب الأوفر من الترحيب،فأما الذين أحوالهم بالضد فمنالهم على العكس،أولئك هم الأولياء الأعزة،وهؤلاء هم الأعداء الأذلة"..
فالصائمون بهذه الخصال الثلاثة يدخلون"في مقعد صدق عند مليك مقتدر".(5)

المسألة الثالثة :
خصال الصائمين سلعتهم الرابحة
تلاوة القرآن،وإقامة الصلاة،والإنفاق في وجوه الخير،سلعة الصائم الرابحة النافعة التي لا تفسد ولا تهلك ولا تخسر ولا يتعذر ربحها(6)،وذلك لعدة أسباب أهمها:
أولا : قيامها على الإخلاص،ويفهم هذا ن قوله عز وجل"لن تبور"،ففيه إشارة إلى الإخلاص،أي أنهم لا ينفقون ليقال عنهم كرماء،ولا لشيء من الأشياء غير وجه الله،فإن غير الله بائر،والتاجر فيه تجارته بائرة.(7)
ثانيا : أن جملة"يرجون تجارة لن تبور"في موضع خير إن(8)،والمخبر هنا هو الله عز وجل،والله سبحانه:أصدق القائلين،وأصدق الواعدين.
ثالثا : وهذا الخبر مستعمل في إنشاء التبشير(9)،والتبشير في أمور التجارة هي ربحها وعدم خسرانها .
رابعا : وهذه التجارة ليست كسائر التجارات الدائرة بين الربح والخسران لأنها اشتراء باق بفان، وقوله تعالى(تجارة)استعارة لأعمالهم من تلاوة وصلاة وإنفاق(10)،وقديما قال القائل:"عليك بتجارة الآخرة،وعليك بالسلع التواجر".(11)
وما على الصائمين إلا عرض سلعهم الغالية هذه،سرا وعلانية،بحسب مقام كل خصلة،لتشهدها الملائكة الكاتبون،وجماعة المؤمنين،ليكونوا شهداء لهم عند ربهم فتربح تجارتهم،وعند المؤمنين فيقروا لهم بالصلاح والفضل والخير...

المسألة الرابعة :
أنواع التجارات مع الله تعالى

وذكر القرآن الكريم التجارة في عدة مواضع هي:
الموضع الأول:تجارة المجاهدين الذين يغزون في سبيل الله من أجل رفع كلمة الإسلام بالدعوة إليه وتمكينه في الأرض،ومن أجل دفع الصائل الذي يعتدي على حرمات المسلمين،بأموالهم وأعراضهم ودمائهم،وهذه التجارة تكون بالروح والنفس والمال،قال الله تعالى:"يا أيها الذي آمنوا هل أدلكم تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"(11)
وهذه التجارة أرقى العبادات وأشملها،فهي تارة تكون بالجوارح،وتارة تكون بالأموال،وتارة تجمع بين الجوارح والأموال.
الموضع الثاني:تجارة النفاق المخرج من الملة،وهذه أسوأ التجارات،لأنها تجارة خاسرة،يغبن فيها المنافق نفسه،بظنه أن سلعته رابحة وهي كاسدة

مآلها الخسران المبين،قال الله تعالى:"اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وكانوا مهتدين".(12)
الموضع الثالث:تجارة عبادة الدنيا الفانية،وهي تجارة أهل الغفلة الذين غفلوا عن النعيم المقيم في الآخرة،وآثروا نعيم الدنيا الفاني الزائل،قال الله في أصحاب هذه التجارة:"وإذا رأوا تجارة أولهوا انفضوا إليها وتركوك قائما".(13)
الموضع الرابع:تجارة تلاوة القرآن الكريم وهي التجارة التي وصفها الله بالربح،ووعد عليها بالمغفرة والشكر،وهي أولى خصال الصائمين،والمؤمنين المتقين،قال الله عز وجل:"إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور،ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور".(14)
الموضع الخامس:تجارة خواص الخواص،وهي تجارة المؤمنين العارفين،أعرضوا عن كل تجارة دنيوية لأنها عرض زائل وعارية مستردة،وأقبلوا على التجارة التي ثمنها إرضاء الله والنعيم المقيم في الجنة،قال الله تعالى:"رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة،يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار،ليجيزهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب(15)

وخصال الصائمين أعظم التجارات المؤدية إلى أفضل المآلات،فهي تجارة مع القرآن الكريم،ومع الصلاة والذكر،والنفقات الواجبة والنافلة،تجارة بالجوارح تارة،وبالمال تارة،وبهما جميعا تارة أخرى،ولمثل هؤلاء يقال:"ربحوا البيع".


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More