من فقه القرآن
كيف نصوم رمضان
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
قال تعالى:"يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات،فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين،فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون" سورة البقرة:184
فقه هاتين الآيتين الكريمتين في المسائل الآتية:
المسألة الأولى:الصيام واجب على المسلمين،والله تعالى فرضه عليهم بقوله سبحانه"كتب عليكم الصيام"وهذا لا خلاف فيه،فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"بني الإسلام على خمس شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج".
المسألة الثانية:الصوم في اللغة:الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال
وهو في الشرع:الإمساك عن المفطرات مع اقتران النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
المسألة الثالثة:إذا أردت أيها المسلم أن يكون صومك تاما وكاملا،فأمسك عن المفطرات من الطعام والشراب والجماع،واجتنب المحظورات والوقوع في المحرمات فإن لم تفعل ذلك نلت أجر الفريضة،ونقص من أجر صيامك،فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"
المسألة الرابعة:للصوم عظيم الأجر،وجسيم الثواب والأخبار الصحيحة واردة في ذلك منها قول الله تعالى في الحديث القدسي:"كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
المسألة الخامسة:والحكمة في أن الله خص الصوم بأنه له في الحديث القدسي السابق،لأن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات،ولأنه سربين العبد وربه لا يظهر إلا له سبحانه فصار مختصا به وما سواه من العبادات ظاهر،وقد يفعل البعض العبادة رياء،ولهذا صار الصوم أخص من غيره من العبادات.
المسألة السادسة:قوله تعالى"لعلكم تتقون".فيه عدة معان وهي:
المعنى الأول:لعلكم تضعفون،فإنه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة،وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي،ويا ليت المسلمين في هذا الزمان يفقهون هذه المعاني فيكفوا عن اعتبار شهر رمضان شهرا للتذوق وما لذ وطاب من الطعام والشراب،وأن يتذكروا أن رمضان هو شهر الجوع والصبر والطاعة وقيام الليل وتلاوة القرآن والأخلاق الفاضلة.
وأما المعنى الثاني فهو:لعلكم تتقون المعاصي.
و المعنى الثالث:أ ن التقوى على عمومها تشمل كل ذلك ،فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" الصوم جنة ووجاء"فهو سبب للتقوى لأنه يميت الشهوات،وإذا أكل المسلم وشرب في رمضان كثيرا هاجت شهوته واضطربت،وهذا سبب ما نراه من سوء أخلاق بعض الصائمين في رمضان وضيق صدورهم،فالجوع يكسر الشهوة،ويهذبها،وينشط المسلم للعبادة ويؤدب النفس،ويكفها عن المحرمات،فهل تحقق التقوى فينا في رمضان وبعده؟!
المسألة السابعة:قوله تعالى"فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام آخر"فيه حالتان لجواز الفطر في رمضان:
الحالة الأولى: المرض .
الحالة الثانية : السفر.
المسألة الثامنة:وللمريض حالتان:
الحالة الأولى:ألا يطيق الصوم أبدا فعليه الفطر واجبا وجزى الله خيرا كبار السن من آبائنا وأمهاتنا،فإن منهم من أقعده المرض المزمن ولا يطيق الصوم ومع هذا يرفض الفطر،ومثل هذا وكل من كان مريضا مرضا مزمنا لا يطيق معه الصيام بحال،عليه الإفطار،وإخراج الفدية.
الحالة الثانية للمريض فهي:أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة فهذا يستحب له الفطر،وقال الجمهور من العلماء:إ ذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر.
المسألة التاسعة:أما السفر المبيح للفطر،فالعلماء اختلفوا في الذي يجوز فيه الفطر،أما سفر الطاعة كالحج والجهاد وصلة الرحم وطلب المعاش الضروري فهذا لا خلاف في جواز الفطر فيه،وأما سفر التجارات والمباحات فرأيان:المنع والجواز،والجواز أرجح،وأما سفر المعصية،فرأيان أيضا،والمنع أرجح.
المسألة العاشرة:ومن جاز له الفطر في السفر،فهو مخير بين الصيام والفطر،والصوم أفضل لمن قوي عليه،وبخاصة في هذا العصر الذي سهلت فيه المواصلات وطويت الطريق،روي عن عثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا:الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه"وفي حديث أنس قال:"سأفرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم".
المسألة الحادية عشرة:قوله تعالى"فعدة من أيام أخر"أي من كان من المسلمين مريضا أو مسافرا فأفطر فليقض،وهذا المقطع القرآني يدل على وجوب القضاء من غير تعيين الزمان،فالمسافر عليه القضاء،والمريض عليه القضاء وليس كما يظن بعض الناس أن عليه الفدية،فإن الفدية تكون لمن لا يستطيع الصوم بحال من الأحوال طيلة حياته.
المسألة الثانية عشرة:قوله تعالى"وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين"قال القرطبي هنا"واجمعوا أن على المشايخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام أو يطيقونه على مشقة شديدة أن يفطروا،واختلفوا فيما عليهم،فالجمهور أن عليهم الفدية،وروي عن ابن عباس أن الحبلي والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا،وذلك عند قوله تعالى"وعلى الذين يطيقونه طعام مسكين".
نسأل الله أن نحسن الصيام وأن نتم القيام
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق