من فقه القرآن
الاستقامة بعد رمضان
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن/ جامعة القدس
قال الله تعالى «ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا
تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون » فقه الاية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الاولى: الاستقامة على طاعة الله تعالى هي دين المسلم، وهمه اليومي، وشغله الشاغل الذي يؤرقه، ويقض مضجعه، وحاله في ذلك كحال الصحابي الجليل معاذ، حين جعله التفكير في العمل الموصل الى الجنة والمنجي من النار، يمرض ويسقم ويسهر ليله الطويل، فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: يا رسول الله كلمة امرضتني واسقمتني واسهرتني، اخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فهذه اولى خطوات الاستقامة لمن ارادها، فهي استقامة دائمة في شهر رمضان وباقي الشهور.
المسألة الثانية: الاستقامة في الآية هي الثبات على طاعة الله عزوجل العمر كله، وقد اخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ان من يروغ عن تعاليم الدين روغان الثعلب لا يكون مستقيما، وهذا يعني ان التخليط في الاعمال الصالحة والطالحة يتنافى مع كون المسلم مستقيما، مستحقا للبشرى بنص الآية الكريمة موضوع بحثنا.
المسألة الثالثة: ولا بأس هنا ان اذكر بعض المظاهر المتنافية مع الاستقامة، لكي يجتنبها المسلم بعد رمضان، ليظل على الطاعة لله العظيم، وعلى الاستقامة على شرعه القويم وهي:
اولا: ترك الاخلاص في العمل او القول، بالرياء والسمعة، وبالشرك الظاهر، وبالعجب بالعلم والعمل، والتطاول على الناس بسببهما، وهذا ملاحظ بين بعض اهل العلم الشرعي، وكثير من عامة الناس.
ثانيا: ترك الفرائض او بعضها، فالاسلام يؤخذ كله، ولا يتشطر، واكثر ما يثير استغرابي رجل يصوم رمضان ولايصلي، فمثل هذا مسكين، يرفق به علماء العصر، فيخبرونه ان الله يقبل الصيام، ويحاسب على ترك الصلاة، وهم بذلك يريدون تأليف قلبه، والحق انه لاحظ في الاسلام لتارك الصلاة، وان امر الصلاة خطير، فهي الفاصل بين اسلام المرء او كفره، فمن اراد الاستقامة بعد رحيل شهر الصيام، فينبغي ان يحافظ على فرائض الاسلام وشعائره، والا كان كالثعلب الذي يختلس شيئا من هنا، وشيئا من هناك.
ثالثا: فعل المعاصي والاجتراء عليها: فهذا ينافي الاستقامة، فمن كان مستقيما، يشم رائحة المعصية من بعيد، وكأنها جيفة قذرة متحللة، لا يطاق رؤيتها، ولا شم رائحتها، فهكذا يكون المسلم المستقيم دهره كله،، ومن خلط واذنب او قصر فعليه بالانابة الى ربه الغفور، فالاقلاع عن المعاصي صورة من صور الاستقامة على طاعة الخالق العظيم.
رابعا: حب الدنيا وكراهية الموت: فالاستقامة ان تجعل الدنيا في يدك لا في قلبك، وان تجعل الدينار والشيكل تحت قدميك، وان تعمر الدنيا بالعلم النافع، والقلب الخاشع، لتحقيق منهج الله عز وجل فوق ارضه الذي استخلفك عليها.
خامسا: الاستقامة في الاعتقاد: فمن غرائب عامة المسلمين اليوم انهم يقولون الاسلام هو الحل، ثم اذا دعوا لانتخابات يحكم فيها غير منهج الله تعالى، نراهم يسارعون ويدلون بأصواتهم، فأي استقامة هذه؟ واي اعتقاد سليم ذاك؟
المسألة الرابعة: المستقيم على شرع الله تعالي، تتلقاه الملائكة بالبشرى في ثلاثة مواطن: الموطن الاول: عند النزاع والاحتضار، فلا تخرج روحه من جسده الا وقد رأى نزله في الجنة، بل أكثر من ذلك، تتلقاه الملائكة بالرياحين كما قال الله تعالى«فروح وريحان وجنة نعيم .»
الموطن الثاني: في القبر: وهو تأكيد ثان من الملائكة للمسلم المستقيم على منزلته في الجنة، والنعيم في القبر.
الموطن الثالث: عند البعث والخروج من القبر، حيث يقوم الناس لربهم ليحاسبهم، فتسرع الملائكة لتبشرهم للمرة الثالثة انهم من اهل الجنة، وانهم ناجون من عذاب جهنم.
المسألة الخامسة: وفي هذه المواطن الثلاثة، وفي موطن رابع، وهو على ابواب الجنة، تقرأ الملائكة على اهل الاستقامة السلام، ومن قرأت الملائكة عليه السلام، كان من الآمنين الناجين يوم القيامة، فهيا الى الاستقامة يااخوة الاسلام واخواتنا المسلمات، في كل ساعة من ساعات اعمارنا، لنكون في صحبة الملائكة القارئين السلام على المسلمين المستقيمين ولنحظى بتلك البشارات منهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق