من فقه القرآن
"جريمة القتل"
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
أستاذ الفقه المقارن /
جامعة القدس
قال الله
تعالى: ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن
يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً) سورة النساء:92
وقال سبحانه
أيضاً: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً
فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)
سورة النساء:93 فقه الآيتين الكريمتين وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: ازدادت
في السنوات الأخيرة في محافظة القدس,ظاهرة القتل العمد,بسبب التنازع والشجار,تم
بسبب العصبية القبلية,وكلامها سببان لا يليق بمسلم أن يأخذانه إلى إزهاقها.
المسألة الثانية : ودماء
المسلمين مصانة لا تحل إلا بسبب شرعي,ولا يقوم به إلا الحاكم أو السلطان.
المسألة الثالثة : فعلى
سبيل المثال : إذا طغى مسلم,وقتل أخاه عمداً,فلا يجوز القصاص بما نراه اليوم من
خلال الأخذ بالثأر والعصبية القبلية فيؤخذ البريء بذنب المجرم وأيضاً : كمن تحمل
من زنى وهي بكر,فيقوم أولياؤها بقتلها,أو بقتل جنينها الذي في رحمها,وكلاهما
جريمتان منكرتان,أشد في بشاعتها من الزنى نفسه.
المسألة الرابعة :
والأصل في المجتمع المسلم ان يكون كل فرد أمناً على نفسه وماله وعرضه,كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه).
المسألة الخامسة : ولذلك
فان الله تعالى قال (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ
خَطَئاً) أي : لا ينبغي لمسلم أن يقتل مسلماً إلا عن طريق الخطأ,أما العمد فلا
يجوز أبداً.
المسألة السادسة : وقد
شدد الله تعالى في الدماء وحرقها,حتى جعل مصير القاتل العمد النار والخلود فيها,مع
ما يلحق القاتل العمد من غضب الله عليه ولعنه إياه, إضافة إلى بغض المسلمين له
وغضبهم عليه وبراءتهم من فعلته الشنيعة.
المسألة السابعة: وقد
اختلف العلماء هل لقاتل العمد من توبة فروى البخاري عن سعيد بن جبير قال : اختلف
فيها أهل الكوفة ، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال : نزلت هذه الآية (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) هي آخر ما نزل وما نسخها شيء وروى النسائي
عنه قال : سألت ابن عباس : هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة ؟ قال : لا .
وأسأل من
يجترئ على القتل عصبية لعائلته وعشيرته : هل ستأتي عشيرتك يوم القيامة تدافع عنك
عند الله تعالى ؟ وهل تستطيع عشيرتك التي سفكت دم مسلم بريء لأجلها أن تخرجك من
النار ؟ هيهات هيهات ! فكن عاقلا أيها المسلم ولا ترتكب هذه الحماقة التي ترديك في
عذاب النار الخالد والغضب الدائم !
المسألة الثامنة: وإذا
حدث وحصل القتل العمد ، فأهل المقتول أمام خيارين في ظل غياب الدولة الإسلامية
وهما : الأول : أن يقبلوا بالدية ويحتسبوا فقيدهم عند الله تعالى . والثاني : لأنه
لا يمكن القصاص بسبب غياب الدولة الإسلامية ، فأرى أن يشتكى على القاتل ويوضع في
السجن ليذوق وبال إن لم يقبلوا بالدية .
المسألة التاسعة: وعلى
رجال العشائر ورجال الإصلاح حين القبول بالدية ، أن تكون الدية المحمدية التي
بينها الرسول صلى الله عليه وسلم وليست الدية المحمدية المفصلة من قبل الناس .
والدية المحمدية مقدرة ب 4250 كغم ذهبا ، وهي ليست ثابتة بالدنانير ، لأن الذهب
يختلف ثمنه من وقت إلى آخر .. وأيضا على رجال العشائر أن يتقوا الله تعالى !
ويشددوا أحكامهم ويعاقبوا كل من يعتدي على الأموال والأطفال والنساء من أهل
المقتول أثناء ما يسمى بفورة الدم أو " الأيام المهربات " ، ونحن لا نشك
في إخلاص رجال الإصلاح ، ولكن نقول لهم : إذا لم ينفع في علاج المريض إلا الكي
كويناه ! وحفاظا على مجتمعنا المقدسي من الفوضى التي تعمه لا بد من تشديد الأحكام
على كل من تسول له نفسه بالاعتداء على دماء الناس أو أموالهم أو أعراضهم مهما كان
السبب ، فإن الدماء والأموال والأعراض لها حرمتها
المسألة العاشرة: وأرى
في القتل العمد ،تغريب القاتل إن لم تؤخذ الدية أو يسجن ، ليذوق وبال أمره وعاقبة
جريمته ! لأن القدس أرض الخير لا ينبغي أن يكون فيها أهل سوء أيا كانوا ..
المسألة
الحادية عشرة : وأما في حال القتل الخطأ ، فعلى الناس جميعا ، أهل القاتل وأهل
المقتول ، أن يكونوا حكماء عقلاء ! لأن الخطأ ليس عمدا ، وله أحكامه في شريعتنا
الإسلامية .
فلا بد
من الرجوع إلى الشريعة وأحكامها والعمل بما استطعنا العمل بها في غياب دولة
الإسلام ! ونسأل الله أن يمن علينا بها عن قريب ! إنه سميع قريب مجيب الدعوات
0 التعليقات:
إرسال تعليق