تعديل

السبت، 19 مارس 2016

من فقه القرآن : المسلم والسؤال في أمور الدين

من فقه القرآن
المسلم والسؤال في أمور الدين
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
                            إمام خطيب المسجد الأقصى المبارك
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس

  
   قال الله تعالى :( يسألونك ماذا أحل لهم ،قل أحل لكم الطيبات...) سورة المائدة:4

فقه هذا المقطع القرآني وفوائده في المسائل التالية:
المسألة الأولى :قوله تعالى( يسألونك )فيه فوائد وهي:

أولا : هذا السؤال من صحابيين اثنين وجاء بصيغة الجمع ليدل على أن الإجابة على السؤال ليست خاصة بهذين الصحابيين بل هي عامة لجميع المسلمين ، وفي هذه الصيغة في هذا المقام أدب تربوي للمعلم أن يلتفت في الإجابة على السؤال لكل من تعنيه الإجابة وتخصه.

ثانيا : العلم يؤخذ من عدة طرق وأساليب أهمها أسلوب السؤال ،وهذا ظاهر في قوله تعالى ( يسألونك).

ثالتا : مبادرة المسلم إلى السؤال عما يجهله من أمور دينه ، ويظهر هذا من مناسبة نزول الآية،حيث سأل الصحابيان الجليلان عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله قد حرم الله الميتة ، فماذا يحل لنا منها؟؟

رابعا : حرص المسلم على معرفة الحلال والحرام عن طريق طلب الفتوى من العالم ،وكانت هذه سمة عامة للصحابة الكرام ،ولهذا تعدد قوله تعالى (يسألونك)في عديد الآيات القرآنية ، وأما في عصرنا الحاضر فمن المسلمين من لا يعنيه السؤال وطلب الفتوى ، بل يفعل عديد الأمور ويقدم عليها من غير معرفة حكم الله تعالى فيها ،وهذا دليل على خراب الذمم ، وفراغ القلوب من خشية الله تعالى ، وضعف الإيمان ، وهذا الصنف من المسلمين الذي لا يسأل عن الحلال والحرام ،سيندم يوم الحساب حين يسأله ربه لم لم يسأل عن الحلال وعن الحرام حتى لا يقع في الحرام ، وسيكون تركه للسؤال في الدنيا عما يحل له ويحرم عليه  كارثة عليه يوم القيامة حين يدخل نار جهنم لاقترافه المحرمات.

خامسا : تأديب المفتي بآداب الفتوى ومنها أن تكون الإجابة في كلمات يسيرة أو سطور قليلة  وتكون جامعة شاملة حتى يقبل المستفتي عليها وتكون مفهومة بالنسبة لها ، وعى هذا فعلى من يتصدر للإفتاء من علماء المسلمين التنبه لهذا الأدب والأخذ به.

سادسا: قد يعلم المسلم أحكاما من الحلال والحرام ويخفى عليه أحكاما أخرى، فعليه المبادرة للسؤال عما لا يعلمه من الحرام .

سابعا: المسلم الذي يجهل بعض أحكام الدين يطلب الفتوى بشأنها من أهل الفتوى ، وهم من يتصف بصفتين وهما : العلم والتقوى ، فمن كان عالما بالشرع وليس تقيا لا يستفتى ، ومن كان تقيا وجاهلا بأحكام الشرع أيضا لا يستفتى ، فاحرص أخي المسلم بطلب الفتوى من العلماء الصالحين ،واحذر طلبها من العلماء الذين يطلبون الدنيا بعلمهم.

ثامنا: على المفتي وهو الذي يطلب منه بيان الحكم الشرعي في مسألة من المسائل أن يعلم من نفسه القدرة والمعرفة ،وإلا حرمت عيه الفتوى، ولا حرج أن يقول لا أعلم إذا كان لا يعلم ، فالإمام مالك رضي الله عنه لم يجب من أربعين سؤالا إلا على ثلاثة منها ، وهذا ورع منه وليس جهلا بها ، وقد كان من منهج السلف الصالح إذا سئل أحدهم وحوله غيره من العلماء أحال الإجابة عليهم ويقول للسائل سل فلانا (العالم الذي يحضر مجلسه)، وفي هذا تأديب للناس اليوم الذين إذا اجتمعوا في مجلس من المجالس  وطرح سؤال في مسألة شرعية بادر كل الحاضرين للإجابة مع أنهم عوام في العلم الشرعي ،وهذه مصيبة حيث تصير الأحكام الشرعية مجالا لكل جاهل يدل بدلوه الفارغ من العلم فيها، وهل يلي الدلو الفارغ بشيء؟؟؟!!!

تاسعا: لا مانع من نقل السؤال بمعناه وليس بألفاظه بشرط عدم التغيير في معنى السؤال ،فالسؤال في قوله (يسألونك) ليس حكاية لكلام السائلين بعبارتيهما ،بل هو بيان لكيفية الواقعة.
عاشرا: إعطاء الفرصة للعالم للإجابة على السؤال مع وجود من هو أعلم منه،ويستفاد هذا أن الله سبحانه وتعالى له الحكم والتشريع لكنه عز وجل خاطب محمدا صلى الله عليه وسلم بالسؤال والإجابة.

الحادية عشرة : في قوله تعالى (يسألونك) ،وفي قوله تعالى (قل أحل ) دلالة صريحة  على أن النبي صلى الله عليه وسلم له حق التشريع وبيان الأحكام الشرعية ،وفي هذا دلالة صريحة على أن الوحي وحيان ،وحي متلو وهو القرآن ،ووحي غير متلو وهو السنة النبوية، فمن أنكر مصدرية السنة للتشريع فهو إما جاهل وإما عدو للإسلام ولو كان من أهل العلم الشرعي .
المسألة الثانية: قوله تعالى (الطيبات) فيه فوائد:

أولا: الطيب في اللغة هو كل شيء مستلذ.
ثانيا : يقابل الطيبات (الخبائث) .
ثالثا : أحل الله الطيبات للمسلمين بدليل قوله تعالى (قل أحل لكم الطيبات) .
رابعا: وحرم الله الخبائث على المسلمين بدليل قوله تعالى في صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( ويحرم عليهم الخبائث).
خامسا: الطيبات هي:الذبائح على اسم الله عليها طابت بالتذكية ،وكل ما تستطيبه العرب وتستلذه من غير أن يرد بتحريمه نص من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس،فهو الحلال المأذون به شرعا ، فكل حلال طيب ، وكل حرام ليس طيبا.
سادسا: والخبائث هي : لحم الخنزير والربا وغيرهما من المحرمات مما يؤكل ويشرب،وهي في مذهب الشافعي ومن وافقه:كل ما حرم بالشرع ومستقذر، وهي في مذهب الإمام مالك : كل المحرمات وليس المتقذرات ،ولهذا أباح مالك أكل الحيات والعقارب .

المسألة الثالثة: قوله تعالى( قل أحل لهم) فيه بيان التحليل والتحريم ،بل التشريع ليس للبشر ولكن لرب البشر فالواجب رجوع الناس عامة ،والمسلين خاصة إلى أحكام الشريعة الإسلامية فبها تكون السعادة الحقيقية. 


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More