تعديل

السبت، 19 مارس 2016

من فقه القرآن : سنة الاعتكاف

من فقه القرآن
سنة الاعتكاف
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن / جامعة القدس

قال الله تعالى : ( .. ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد .. ) سورة البقرة : 187 فقه هذا المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية :

المسألة الأولى : قوله تعالى : ( ولا تباشروهن ) دليل على أن جماع الرجل زوجته وهو معتكف يفسد اعتكافه ، وهذا محل إجماع عند العلماء .

المسألة الثانية : والاعتكاف في لغة العرب : ملازمة الشيء والإقبال عليه . وأما الاعتكاف شرعا فهو " ملازمة طاعة مخصوصة في وقت مخصوص على شرط مخصوص في موضع مخصوص " . وقولنا في التعريف " ملازمة طاعة مخصوصة " وهي لزوم مسجد لعبادة الله تعالى وقولنا : " في وقت مخصوص " فهو شهر رمضان ، والاعتكاف مسنون في رمضان وغيره من الشهور والأيام ، لكنه في رمضان أفضل وهو آكد في العشر الأواخر منه ، لما ثبت من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية ، أنه كان يعتكف في العشر الأول من رمضان ، ولما أخبر أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان خصها بعد ذلك بالاعتكاف .

المسألة الثالثة : والاعتكاف إذن هو أن يلازم المسلم العمل بطاعة الله مدة اعتكافه . وفي هذا دربة له على ملازمة الطاعات في كل أوقاته ، فهو يخلو في مسجد من مساجد الله عز وجل للطاعة فقط وترك المعاصي بالكلية ، فإذا خرج من معتكفه كان قد أنهى دورته التدريبية على ملازمة الطاعات واجتناب العصيات ، فسار في حياته خارج المسجد في كل أحواله على هذه الصفة ، وهذه واحدة من حكم الاعتكاف التي ينبغي لكل معتكف التنبه إليها .

المسألة الرابعة : وبإجماع العلماء فإن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد ، والدليل على هذا قوله عز وجل ( في المساجد ) وقوله أيضا ( أن طهر بيتي للطائفين والعاكفين )

المسألة الخامسة : وأما المساجد التي يصح الاعتكاف فيها ، فللعلماء فيها أقوال وهي :
أولا : المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وهي المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ، وهذا قول حذيفة بن اليمان وسعيد ابن المسيب ، وعلى هذا الرأي فلا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الثلاثة . وفي هذا الرأي حث لأهل بيت المقدس على المبادرة لإحياء سنة الاعتكاف في المسجد الأقصى ، مع الحرص على المحافظة على حرمته وصيانته من الأذى المادي والمعنوي .

ثانيا : أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد الذي تجمع فيه الجمعة ، وهذا قول علي وابن مسعود وعروة والحكم وحماد والزهري وهو أحد قولي مالك . وعلى هذا الرأي لا يجوز الاعتكاف في المساجد التي لا تقام فيها صلاة الجمعة .
ثالثا : أن الاعتكاف جائز في كل مسجد من المساجد ، وهو قول سعيد بن جبير وغيره ، وقول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما ، لأن الآية ( وأنتم عاكفون في المساجد ) عامة تشمل كل مسجد له إمام ومؤذن . وهذا القول أيضا أحد قولي مالك وهو قول الطبري وابن المنذر .

المسألة السادسة : والصحيح من الأقوال السابقة الثلاثة أن الاعتكاف يصح في كل مسجد له إمام ومؤذن ، وأفضل المساجد للاعتكاف على الترتيب المسجد الحرام ، ثم المسجد النبوي ، ثم المسجد الأقصى – حماه الله – ثم كل مسجد جامع في البلدة التي يكون فيها المسلم .

المسألة السابعة : وأما أقل الاعتكاف ففيه أيضا أقوال وهي :

أولا : يوم وليلة ، وهذا عند مالك وأبي حنيفة

ثانيا : أقله لحظة ولا قدّ لأكثره . وهو قول الشافعي وعلى هذا ، فالمسلم العاقل هو الذي عندما يأتي إلى المسجد الأقصى أو إلى أي مسجد تقام فيه الصلاة ، ينوي الاعتكاف ، وهو بهذا يحقق فوائد عدية منها :

الأولى : الأجر على نية الاعتكاف
الثانية : إحسان مكوثه في المسجد من غير معصية أو إضاعة لوقته في اللغو وسائر الملهيات كما يحصل من بعض المصلين .
الثالثة : الحصول على أجر صلاة الجماعة وبركتها .
الرابعة : أداء فريضة من فرائض الله
الخامسة : دعاء واستغفار الملائكة له ما دام في المسجد وهو على وضوء .
السادسة : حصول الأجر والثواب بتلاوة القرآن الكريم ، أو ذكر الله ، أو الاستماع لدرس علم أو غير ذلك من الطاعات

المسألة الثامنة : ويستحب للمعتكف في العشر الأواخر من رمضان عند الإمام مالك ، أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى وهو قول لأحمد . وأما الشافعي والأوزاعي فقالوا : يخرج إذا غابت الشمس لأن العشر يزول بزوال الشهر ، والشهر ينتهي بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان ..
وإنهاء الاعتكاف ليلة العيد أو يوم العيد ، يرجع إلى حال المعتكف ، فإن كان له أهل وهم بحاجة إليه لقضاء حوائجهم ، فإنهاء اعتكافه بغروب شمس آخر يوم من رمضان هو أفضل له ..

المسألة التاسعة : ويجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه للحاجة والضرورة كالغائط والبول ولما لا بد له منه ، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان . ولا خلاف في هذا ، فإذا خرج للحاجة عاد إلى معتكفه مباشرة ..
والله تعالى أعلم .


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More