تعديل

الأحد، 20 مارس 2016

من فقه القرآن : عشاق الفردوس

من فقه القرآن
عشاق الفردوس
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس



قال الله تعالى:"قد أفلح المؤمنون.... إلى قوله تعالى الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون"    سورة المؤمنون1-11
فقه الآيات الكريمات وفوائدها في المسائل الآتية:

المسألة الأولى:أول ما تكلمت به جنة عدن قولها قد أفلح المؤمنون كما روى البيهقي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"لما خلق الله جنة عدن وغرس أشجارها بيده قال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون".وفي هذا إغراء لكل مؤمن أن يتصف بصفات المؤمنين الواردة في هذه الآيات الكريمات .

المسألة الثانية:وروي عن عمر  بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزلت عليه هذه الآيات استقبل القبلة فرفع يديه وقال"اللهم زدنا ولا تنقصنا وأرضا وارض عنا"ثم قال"أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة"ثم قرأ قد أفلح المؤمنون حتى ختم عشر آيات.
ويستفاد من هذا عدة فوائد:

الفائدة الأولى:استبشار النبي صلى الله عليه وسلم بنزول هذه الآيات عليه ودعائه أن يزيده الله ويزيد المؤمنين معه من هذه الخيرات وهي الاتصاف بهذه الصفات التي تورث جنة الفردوس وأن يزيد الله النبي والمؤمنين معه من هذه الصفات التي هي مصدر الفلاح في الدنيا والآخرة .

الفائدة الثانية:من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم السابق"وأرضنا وارض عنا"فيه إشاره إلى أن الاتصاف بالصفات المذكورة في هذه الآيات سبب لرضوان الله على المؤمنين المتصفين بها وأن على المسلم أن يسأل الله الثبات والرضوان .

الفائدة الثالثة:قول النبي صلى الله عليه وسلم"من أقامهن"يعني من أقام عليهن ولم يخالف ما فيهن كما نقول الموظف يقوم بعمله فما دام الموظف في مكتبه يقوم بعمله فهو مقيم عليه وهكذا المؤمن إذا أدام الاتصاف والعمل بهذه الصفات المذكورة فقد أقام عليها واستحق بذلك وراثة الفردوس.

الفائدة الرابعة:نزل بعد هذه الآيات فرض الوضوء والحج فدخل معهن فبالإضافة إلى الاتصاف بما جاء في هذه الآيات أيضا اتصاف المسلم بالمحافظة على الوضوء الذي هو مقدمة للصلاة والدلالة عليها ثم أداء فريضة الحج فصار في الآية ذكر لفريضة الصلاة وفريضة الزكاة وفريضة الحج .

الفائدة الخامسة:قرئت قد أفلح المؤمنون بضم الألف في أفلح على الفعل المجهول ويكون المعنى قد أبقوا في الثواب والخير فمن اتصف بهذه الصفات المذكورة في الآيات الكريمات فهو دائم البقاء في الثواب والخير.

المسألة الثالثة قوله تعالى (أفلح) وخصها الله تعالى بالذكر هنا دون سائر الألفاظ مثل فاز أو غيرها لعدة اعتبارات:

الاعتبار الأول أن معنى الفلاح في اللغة الشك والقطع ولذلك سمي شق الأرض فلاحة فكأن المفلح لا يصل إلى فلاحه إلا بقطع المصاعب فإذا قطعها نال مطلوبه ومراده فيكون المعنى هنا أن دخول المسلم الجنة ووراثتها ليس بالأمر السهل وإنما يحتاج إلى فلاحة أي شق وقطع أي تعب فكما أن الفلاح يشق الأرض ويضع البذار ثم يلقي عليها التراب ثم يسقيها الماء ويتعهدها بالرعاية فكذلك المؤمن لا يرث الفردوس وهي الثمرة التي يريدها في نهاية الأمر إلا  بالاتصاف بالصفات المذكورة على ما يناله من تعب وصعوبة ومشقة.

الاعتبار الثاني: أن من معاني الفلاح في اللغة الفوز والبقاء فيكون معنى الآية هنا أن المتصفين بهذه الصفات هم الفائزون بالجنة والباقون فيها ويدل على أن من معاني الفلاح البقاء الحديث الشريف"حتى كاد يفوتنا الفلاح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وما الفلاح؟ قال: السحور" فسمى السحور فلاحا لأن في السحور بقاء الصوم .

المسألة الرابعة:قوله تعالى (المؤمنون )خص سبحانه هذا اللفظ بالذكر دون سائر الألفاظ مثل (المسلمون أو المتقون) أو غيرها لأن الإيمان لا يكون إلا بعد استسلام لله تعالى وعمل للصالحات بالقيام بالفرائض واجتناب المحرمات ولذلك لا يصل إلى مرتبة الإيمان إلا من كان عاملا بأحكام الدين بأداء الفرائض واجتناب النواهي وقد ذكرت الآيات أهم الفرائض وهي الصلاة والزكاة وذكرت أهم المحرمات  وهي حفظ الفرج من الزنا ومقدماته وحفظ اللسان من اللغو ومن كل ما هو محرم ولهذا خص الله لفظ"المؤمنون"بالذكر ليدل على أن المؤمن هو المسلم العامل بأحكام الدين

المسألة الخامسة:قوله تعالى (خاشعون )فيه عدة فوائد :

الفائدة الأولى:الخشوع هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع فيكون القلب خاشعا بالخوف من الله تعالى ويكون البصر خاشعا في الصلاة بغضه فلا يلتف المصلي إلى اليمين والى الشمال ولا إلى الأعلى وغنما ينظر غلى موضع سجوده

الفائدة الثانية:عندما أنزل الله تعالى هذه الآيات أقبل المسلمون على صلاتهم وجعلوا ينظرون أمامهم وقد كانوا يلتفتون في الصلاة وينظرون قبل ذلك .

الفائدة الثالثة كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى السماء في الصلاة ينتظر ما يوحى إليه فلما أنزل الله هذه الآيات جعل ينظر حيث يسجد .

الفائدة الرابعة:والخشوع كما قال الفقهاء محله القلب لأن القلب إذا خشع خشعت الجوارح لخشوعه فهو ملك البدن .

الفائدة الخامسة:كان الرجل من العلماء في السابق اذا قام إلى الصلاة هاب أن يمد بصره إلى شيء وأن يحدث نفسه بشيء من الدنيا وهذا من الخشوع في الصلاة ألا ينظر المصلي إلا إلى موضع سجوده وألا يحدث المصلي نفسه بأم من أمور الدنيا.

الفائدة السادسة:ومن الخشوع في الصلاة كما قال عطاء ألا يعبث المصلي بشيء من جسده وقد أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " وقال أبو ذر قال النبي صلى الله عليه وسلم" إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يحركن الحصى".

المسألة السادسة:قوله تعالى"في صلاتهم"دلت على أن الصلاة أول الفرائض وأهمها وأن من أقامها أقام الدين ومن تركها هدم الدين وانه يلزم المصلي فيها أن يكون خاشعا قال الشاعر ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع..لأن بها الآراب لله تخضع

وأول فرض من شريعة ديننا ..........  وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع
فمن قام للتكبير لاقته رحمة     ...........     وكان كعبد باب مولاه يقرع
وصار لرب العرش حين صلاته  ........   نجي فيا طوباه لو كان يخشع

المسألة السابعة:والخشوع في الصلاة من فرائضها وهو أول عمل يرفع من الناس فنسأل الله العفو والعافية وأن يثبت قلوبنا وجوارحنا على الخشوع له في صلاواتنا كلها

المسألة الثامنة والأخيرة:الآيات العشر الأولى من سورة "المؤمنون"كانت خلق النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما صرحت به السيدة عائشة أم المؤمنين حين سالت ما كان خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت: أتقرؤون سورة المؤمنين قيل نعم قالت: فاقرؤا فقرأو عليها قد أفلح المؤمنون حتى بلغوا  يحافظون وهذا يحفزنا إلى أن نتخلق بهذه الصفات الواردة في أوائل سورة المؤمنون لنكون على خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ولنستحق وراثة الفردوس الأعلى.

والحمد  لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More