تعديل

السبت، 19 مارس 2016

من فقه القرآن : «الصديقة مريم » دروس وعبر

من فقه القرآن
«الصديقة مريم » دروس وعبر
الدكتور الشيخ محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن/جامعة القدس
الحلقة الأولى

قال الله تعالى:  ان الله اصطفى ادم ونوحا وال ابراهيم وآل عمران على العالمين. ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. اذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك مافي بطني محررا فتقبل مني انك انت السميع العليم  «ال عمران ٣٣ - ٣٥ . فقه الايات الكريمة وفوائدها في المسائل الاتية:

المسألة الاولى: اقام الله الحياة البشرية على اربعة اشخاص هم: ادم، ونوح، وابراهيم، وعمران. ومن هؤلاء الاربعة، اصطفى الله تعالى من ذراريهم من يتبع شرعه، ويلازمون طاعته.

المسألة الثانية: وعلى هذا، ضمن ذراري هؤلاء الاربعة الكرام من يكفر بالله، ويعصيه، ويخالف امره، فالبشر في الحياة: اما مؤمنون، واما كافرون او فاسقون.

المسألة الثالثة: وفي قوله تعالى  اصطفى حث للناس جميعا على ان يكونوا من الذرية الصالحة التي نسلها هؤلاء الاربعة الكرام الذين ذكرتهم الاية الكريمة، ومن الشواهد الدالة على هذا الحث للعباد على الايمان وطاعة الله عز وجل، ان الاية الكريمة تحدثت بعدها مباشرة، عن اسرة «عمران » الصالحة، المؤمنة، المقيمة لشرع الله، والحريصة على طاعته واتباع امره.

المسألة الرابعة: وال عمران المذكورون في سورة «ال عمران » هم «عمران بن حاثان » وزوجته «حنة بنت فاقود » وابنتهما مريم العذراء، وابنها عيسى عليه الصلاة والسلام، وهذه العائلة الطيبة الكريمة من سلالة داود عليه السلام. ورب العائلة عمران بن حاثان كان صاحب صلاة بني اسرائيل في زمانه، اي كان امامهم فكان رجلا صالحا، قدوة لغيره في الصلاح والتقوى، وهذا ما ينبغي ان يكون عليه رب كل اسرة وكل راع على اي رعية كانت. واما «حنة » بنت فاقود، زوجته والتي هي ام مريم، وجدة عيسى - عليه السلام، فقد اشتهرت في زمانها انها كانت من العابدات، ونحن نحتاج في ايامنا هذه الى امهات عابدات لربهن،




المسألة الخامسة: وقوله تعالى:)اذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا( فقد كانت «حنة » كبيرة لا تلد ، وكانت تجلس ذات يوم تحت شجرة، فبصرت بطير يزف فرخا، فتحركت نفسها لذلك، ودعت ربها ان يهب لها ولدا، ونذرت ان ولدت ان تجعل ولدها محررا، اي: عتيقا خالصا لله تعالى، خادما للمسجد الاقصى، حبيسا عليه، مفرغا لعبادة الله تعالى، وكان ذلك جائزا في شريعتهم، وكان على اولادهم ان يطيعوهم. وقد ورد في رواية انها كانت عاقرا لا تلد، وكانت تضبط النساء بالاولاد، فقالت: «اللهم ان لك علي نذرا، ان رزقتني ولدا، اتصدق به على بيت المقدس، ليكون من سدنته «اي ليكون من خدامه الذين يلازمونه لخدمته وعبادة الله تعالى فيه.

المسألة السادسة: ومن الرواية السابقة في قصة نذر «حنة » يستفاد مجموعة من الفوائد منها:
اولا - مشروعية النذر، وانه جائز، وله احكامه في الفقه الاسلامي.
ثانيا - لجوء العبد الى الله تعالى عند الحاجة، لاعطائه ما يريد.
ثالثا - ان مسألة حمل المرأة العاقرة او التي يتأخر حملها، او التي لا يثبت حملها،
بيد الله عز وجل، فهو الذي «يهب لمن يشاء اناثا، ويهب لمن يشاء الذكور ويجعل من يشاء عقيما .»
رابعا - ان المرأة التي لا تلد واجبها ان تتوجه الى ربها - ان ارادت الولد والذرية - بشيئين
الاول: طاعته وعبادته والثاني: الدعاء والالحاح به فان من اكثر طرق الباب بالدعاء، يوشك ان يلج ويدخل.
خامساً: ان الم􀀼رأة عليها ان تخلص النية لله تعالى في انج􀀼اب الذرية، بأن تربي الاولاد والبنات على طاعة الله، كما فعلت «حنة » حين نذرت ما في بطنها قبل ولادته لطاعة الله تعالي.
سادسا »: وفي قصة النذر، دلالة على مكانة وأهمية بيت المقدس، أعني: المسجد الأقصى المبارك، فأم مريم «حنة » نذرت ما في بطنها لبيت المقدس، وما احرانا نحن المسلمين ان نقتدي بهذه المرأة الصالحة، وننذر اولادنا للمسجد الأقصى.
سابعاً: وفي قصة النذر، دلالة على اهمية واعمار المسجدالأقصى بالعبادة والخدمة، كما كان يفعل الناس من اهل الاسلام زمن «حنة » أم مريم رضي الله عنها.
 ثامناً: ان اهل ذلك الزمان، زمان عمران وزوجته «حنة » كانوا يفرغون اوقاتهم، لعبادة الله في المسجد الآقصى، وهي سنة حسنة.
تاسعاً: وفي اشتهاء «حنة » الولد من خلال رؤيتها الطائر يطعم فرخه، ما يدل على جواز اشتهاء الولد للمرأة، ذات الزوج،

المسألة السابعة: قوله تعالى  اني نذرت لك ما في بطني محررا ، هذا نذر وللنذر احكامه في الشريعة الاسلامية، وهذه بعضها:-

* اولاً: النذر هو فعل طاعة من الطاعات، ولا يكون في الفرائض، لأنها واجبة دون نذر، وانما يكون في التطوع والنافلة، وفيما هو مستحب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من نذر ان يطيع الله فليطعه .«

* ثانياً: من نذر معصية من المعاصي، فلا يجب عليه الوفاء به، لأنه نذر معصيه، والمعاصي منهي عنها، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ومن نذر ان يعصيه فلا يعصه «مثل:ان ينذر الانسان الا يزور محارمه، او ان تنذر ان تتبرج في زفاف ابنها، فمثل هذه النذور، لا يجوز الوفاء بها.

* ثالثاً: النذر نوعان، نذر مطلق، وهو ان ينذر فعل طاعة من غير طلب شيء من الله تعالى، مثل: نذر علي ان اصلي يوماً كاملاً في المسجد الأقصى، والنوع الثاني، نذر معلق، وهو ان يعلقه الناذر على تحقق فعل شيء، كان يقول الطالب: نذر علي ان نجحت في امتحان الثانوية العامة، لأذبحن خروفاً للفقراء، وهذا النوع من النذور أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم انه يستخرج من البخيل، وعلى هذا، فالنذر هو: «ان يوجب المكلف على نفسه شيئاً لم يكن عليه،.

* رابعاً: فالوفاء بالنذر المشروع واجب على المسلم، لقوله تعالى: «وليوفوا نذورهم » وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله عن النذر: انه لا يرد شيئاً، وانما يستخرج به من الشحيح.

* خامساً: واذا نذر الناذر نذراً ولم يستطع الوفاء به، فعليه كفارة يمين، نسأل الله تعالى، ان نكون من الصالحين والصالحات. آمين يا رب العالمين.


 من فقه القرآن : الحلقة (2)
الصديقة مريم
الدكتور محمد سليم محمد علي

قوله تعالى : (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) سورة آل عمران 36-37 فقه الآيتين الكريمتين وفوائدهما في المسائل الآتية :
المسألة الأولى : لما كانت العادة في زمان "حنة" أم مريم,أنهم يحررون الذكور دون الإناث,أي : يفرغون الذكر لخدمة البيت المقدس,ولعبادة الله تعالى,خافت أم مريم أن نذرها لم يقع الموقع الذي يعتد به فقالت : (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى) وكأنها تعتذر من إطلاقها النذر المتقدم ذكره.
المسألة الثانية : والنذر الذي أنذرته "حنة" أم مريم,هو نذر مطلق ليس مطلقاً على حصول شيء,كأن يقول المسلم : لله علي نذر أن اعتكف يوماً كاملاً في المسجد الأقصى,أو يقول : لله علي نذر أن اطعم عشرة فقراء,فهذا نذر معلق,وهو مستجه,وفيه تقرب إلى الله بالعبادة,أما النذر المعلق على حدوث شيء,فهو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال عنه : (وإنما يستخرج من البخيل)
المسألة الثالثة : ونلاحظ أن مكانة المرأة في الإسلام,كمكانة الرجل,فكما أن الرجل مكلف وتقبل منه العبادات,فكذلك المرأة مكلفة وتقبل منها العبادات,وهنا نرى الحديث عن امرأة عابدة,وكيف رفع الله منزلتها وذكرها وهي امرأة عمران,وكذلك قصى علينا القرآن,قصة ابنتها مريم رضي الله عنها,وفي هذا تبيان لمن يجهل مكانة المرأة في الإسلام,وان مكانتها عند الله بقدر إيمانها,فكم من امرأة مؤمنة طائعة لربها,تعدل عند الله عشرات الرجال الفساق والكفرة..
المسألة الرابعة : وقد ذكر المفسرون أن "حنة" أم مريم قالت وليس الذكر كالأنثى لسببين هما :
الأول : ان الولد مفضل على الأنثى لوجوه وهي :
أولاً : لان شرعهم لا يجوز تحريم الذكور دون الإناث
ثانياً : لان الذكر يمكن منه الاستمرار بخدمة موضع العبادة,ولا يصح هذا من الإناث لما يعثريها من حيض وسائر عوارض النسوان
ثالثاً : لان الذكر لقوته وشدته يصلح للخدمة أكثر من الأنثى
رابعاً : لان الذكر لا يلحقه عيب في الخدمة والاختلاط بالناس,وليس كالأنثى
خامساً : لان الذكر لا يلحقه من التهمه عند الاختلاط ما يلحق بالأنثى
الثاني : أن المقصود من كلامها ترجيح هذه الأنثى على الذكر ، كأنها قالت : الذكر هو مطلوبي ، وهذه الأنثى موهوبة لله تعالى ، وليس الذكر الذي هو مطلوبي ، كالأنثى التي هي موهوبة وهذا الكلام يدل على أن تلك المرأة ، أم مريم ، كانت مستغرقة في معرفة جلال الله ، عالمة بأن ما يفعله الرب بالعبد ، خير مما يريده العبد لنفسه
المسألة الخامسة : ومن السببين السابقين يستفاد مجموعة من الفوائد منها :
الفائدة الأولى : أنه لا يجوز كراهة الأنثى وحب الذكر ، " فحنة " أم مريم ، أرادت الذكر ، لأن خدمة بيت المقدس لا يكون إلا للذكور _ كما ذكرنا - . وقد نهى القرآن الكريم عن كراهة البنات ، وذم الزوج الذي يسوّد وجهه لولادة الأنثى له ، فقال : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) ، وفي الحديث الشريف ( لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات ) .
الفائدة الثانية :أن على المرأة المسلمة تبتعد عن مواطن الشبهات التي تلحق بها التهمة والريبة ، كالاختلاط بالرجال من غير سبب شرعي ، أو الخروج في الأسواق والأماكن العامة من غير حاجة ، أو العمل والخدمة في أماكن لا تتحقق فيها الضوابط الشرعية لعمل وخدمة المرأة .
الفائدة الثالثة : أن الذكر أو الأنثى هو عطية الله وهبته للإنسان ، وليس للزوجة فيه أي دخل أو سبب ، وإن أردنا أن نتجاوز العقل فيمكننا القول : إن الزوج هو الباذر والزارع والمرأة هي موطن الزرع والبذر ، ومن بذر وزرع هو الأولى بتحمل المسؤولية –هذا على حد زعم من يتهم زوجته بإنجاب البنات
الفائدة الرابعة : أن الله تعالى فضل الذكر على الأنثى بقوته وشدته ، وصلاحيته لأمور كثيرة ، ولهذا جعله قواما على أسرته ، وهذا يزيد  من مسؤوليته وتبعاتها عليه في الدنيا والآخرة ، وأي تقصير منه ، سيكون وبالا عليه ، وقد قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ...) وقال  الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . فالرجل راع وهو مسؤول عن رعيته ..)
الفائدة الخامسة : أن الذكر مخلوق لمهام جسيمة ، فعلى الشباب أن لا يضيعوا فترة شبابهم في اللعب واللهو ، والفسق والمجون ، بل عليهم أن يكونوا عابدين لربهم ، بطلب العلم ، وأداء الفرائض  واجتناب المناهي .
كما كانت مريم عابدة ، وأمها من قبل عابدة ، فكذلك على الأنثى أن تكون قريبة من ربها ، بالطاعة والعبادة والصلاح .


من فقه القرآن : الصديقة مريم (3)
الدكتور الشيخ محمد سليم محمد علي

قال تعالى: «واني سميتها مريم، واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، فتقبلها ربها بقبول حسن، وانبتها نباتا حسنا.. الخ الايتين. سورة آل عمران 36 - 37 فقه الايتين الكريمتين وفوائدهما في المسائل الآتية:

المسألة الاولى: قوله عزوجل «واني سميتها مريم » فيه اشارة الى ان «حنة » زوجة عمران هي التي اطلقت على مولودتها «اسم مريم، وهو اسم يتناسب مع حقيقة النذر الذي نذرته، فمريم كانت في لغتهم تعني: العابدة، او خادم الرب، ولعل الغرض من عرض تسميتها على الله عالم الغيوب هو التقرب اليه تعالى، واستدعاء العصمة لها.

المسألة الثانية: ويستفاد من المسألة الاولى الفوائد الآتية:
الفائدة الاولى: انه ليس من حق الأم تسمية ابنها، وانما هذا هو حق الاب، ولكن لها حق المشورة في تسميته، وذلك لأن الولد ينسب الى ابيه لا الى امه، ولأن الانسان مسؤول يوم القيامة عن اسم اولاده، واما ما حصل هنا، وهو تسمية «حنة » لابنتها فلأن عمران لم يكن حيا، بل كان ميتا.
الفائدة الثانية: ان على الاب اختيار اسم حسن لولده، وقد ارشدنا الاسلام الى الاسماء الحسنة كعبد الله وعبد الرحمن، وهذه اسماء تدل على عبودية الله عزوجل، وتقرب الولد من ربه وطاعته، والعاقل هو الذي يحسن تسمية ابنه بأسماء حسنة، لها مدلولها الايماني او التاريخي، كأسماء الابطال والصالحين من السلف كصلاح الدين وخالد واسامة وزيد وعمر، واما ما نراه اليوم من الاسماء التافهة التي هي اما اسماء لكفار، او اسماء مأخوذة من مسلسلات تلفزيونية، فهذا يدل على سذاجة الاباء وعدم انتباههم الى انهم سيسألون يوم القيامة عن هذه الاسماء كما يسألون عن الصوم والصلاة.. الخ.
الفائدة الثالثة: وللاسم اثر على الولد او البنت، ولذلك اطلقت «حنة » علي مولودتها اسم العابدة «مريم » فكانت مريم جديرة بهذا الاسم، وعاملة بمفهومه، واما ما نسمعه اليوم من بعض الناس ان فلان اسمه «توتو » وآخر اسمه «مومو » فلا ادري هذا «التوتو » و «المومو » كيف يكون رجلا، بشخصية لها وزنها في ميزان الدين.
الفائدة الرابعة: وللولد على ابويه حقوق، ومن هذه الحقوق كما ورد في الآية الكريمة موضوع البحث هي:
اولا: اختيار الاسم الحسن للابناء ذكورا وانثا.
ثانيا: الحرص على حماية الولد من الكفر والغواية، والضلال منذ نعومة اظفاره «واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم .»
رابعا: العمل بجد واخلاص، وعلى قدم وساق، علي انبات الولد النبات الحسن، بتربيته على الايمان الصحيح، والشريعة الحقة، ليكون رجلا صالحا في ايمانه وسلوكه، نافعا لنفسه، خادما لمجتمعه، امينا على دينه، قادرا علي القيام بأعباء الدارين الدنيا والآخرة، وهذا يفهم من قوله تعالى «وانبتها نباتا حسنا .»

الفائدة الخامسة: قوله تعالى «واني سميتها مريم » الاسم مشتق اما:
أ‌-        من الوسم اي العلامة، فيصير علامة على المسمى يتميز به عن غيره.
ب‌-     واما من السمو اي: الارتفاع والعلو.
وهذا يعني ان على الآباء ان يرفعوا من قيمة ابنائهم وقدرهم منذ خروجهم الى الدنيا، بتمييزهم عن غيرهم بأسماء حسنة، ترفع منزلتهم عند الناس، وتحببهم اليهم من خلال اسمائهم، وكما يقال: لكل من اسمه نصيب.
الفائدة السادسة: ومن ميزات الاسم الحسن:
1-      ان يكون مما ورد في الدين، كأسماء الانبياء، والصحابة والعلماء الصالحين.
2-      ان يكون الاسم حسنا في معناه ومدلوله.
المسألة الثالثة: وقوله تعالى «واني سميتها مريم » اي : العابده او الخادمة للرب، توجب على الام اعانة زوجها على اختيار الاسماء الحسنة للاولاد والبنات، والابتعاد عن الاسماء القبيحة والمرذولة والتي بعضها يدل على معان غير مقبولة مثل «س􀀼وزان » التي تعني:
الابره وكذلك الاسماء الغرامية الباعثة على الفتنة مثل «هيام » وهو شدة العشق الموصل احيانا الى الجنون.

المسألة الرابعة: وقد قال القرطبي عند قوله تعالى  لم نجعل له سميا قال: «وفي هذه الاية دليل وشاهد على ان الاسامي السنع، اي الجميلة جديرة بالاثرة واياها كانت العرب تنتحي في التسمية، لكونها انبه وانزه حتى قال القائل سنع الاسامي مسبلي.

المسألة الخامسة: قوله تعالى: واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، يدل على ما خص الله به مريم رضي الله عنها من بعض الصفات، ومنها ان الله عز وجل، حفظها من نخسة الشيطان، اي طعنة الشيطان عند ولادتها، فالشيطان ينخس في جنب جميع ولد آدم حين يولد، غير مريم وابنها عيسى - عليه السلام - ، فان الله تعالى حفظهما من تلك الطعنة، وجعل بينهما وبينها حجاب، ويؤيد هذا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في رواية مسلم عن ابي هريرة قال: ما من مولود يولد الا نخسه الشيطان، الا ابن مريم وامه، ثم قال ابو هريرة رضي الله عنه بعد ان روى قول النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأوا ان شئتم «واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم . وكما حفظ الله مريم وابنها من طعنة الشيطان اثناء الولادة، فقد حفظها اثناء حياتهما من اغوائه وشروره.


المسألة السادسة: ولقوله (تعالى واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم)وائد عديدة، اذكر منها:

اولا - على الابوين الدعاء للولد ذكرا او انثى بالهداية والصلاح في كل الاوق􀀼ات، فان دعائهما لاولادهما مستجاب، كما ان دعائهما على اولادهما قد يوافق ساعة استجابة، فيستجاب لهما، ولهذا عليهما الحذر من الدعاء على الابناء والبنات.
ثانيا - على الابوين الحرص على الولد منذ ولادته على حمايته من الشيطان واغوائه وقد ارشد الاسلام الاباء الى بعض حقوق الابناء عليهما عند الولادة، والتي منها ما يكون تحصينا للولد من الشيطان، ومن هذه الارشادات التي ننصح الاباء بالاخذ بها الاتي:

1-     ان تكون التهنئة بالمولود معينة له على طاعة الله بالدعاء له مثل: جعله الله ولدا مباركا علينا وعلى امة محمد صلى الله عليه وسلم ومثل: اللهم ابلغه اشده وارزقنا بره.
2-     الاذان في اذنه، لحديث ابي رافع قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم اذن في اذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة. وفي سنن الترمذي حديث ان الاذان يكون في الاذن اليمنى. واما الاقامة فتكون في الاذن اليسرى، وهذه ورد فيها حديث ضعيف.
3-     تحنيك المولود والدعاء له فقد روي عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يؤتى بالصبيان، فيبرك عليهم، ويحنكهم .»

4-     العقيقة عن الولد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه وفي هذا الحديث ما يدل على استحباب العقيقة، والتسمية وحلق الرأس للمولود في اليوم السابع.


 من فقه القرآن
الصديقة مريم
الدكتور الشيخ محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن / جامعة القدس
الحلقة 4 والأخيرة

قال الله تعالى: فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا .. الخ الآيات. فقه الآيات الكريمات وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى : قوله تعالى  فتقبلها ربها بقبول حسن له ثلاثة معان وهي: الاول: انه سبحانه تكفل في تربيتها. الثاني: انه سبحانه تكفل في القيام بشأنها. الثالث: انه سبحانه ما عذبها ساعة قط في ليل او نهار.
المسألة الثانية: والواجب على كل اب او ام رعاية الاولاد في التربية على الاسلام عقيدة وشريعة واخلاقا ومنهاج حياة.
المسألة الثالثة : وكذلك يجب على الوالدين القيام بشؤون الاولاد. وعلى هذين المعنيين، وهذين الواجبين اللذين طلبناهما من الاباء، وتكفل الله بهما لمريم رضي الله عنه، فان تربية الاولاد الواجبة على الوالدين تشمل:
أ - التربية الروحية العقائدية.
ب - التربية على الشريعة والأخلاق والاجتماع.
ج - التربية الجسمية
د - التربية النفسية
المسألة الرابعة - واما قول المفسرين ان الله تعالى ما عذب مريم ساعة قط في ليل او نهار، فلعله كان بسبب احسان تربيتها، فان الطاعات وحسن التربية يوجب النعم، والمعاصي وسوء التربية يوجب الشقاء والنقم. وهذه مسألة على المربين والاباء التنبه لها، فان حسن التربية بالمعاني التي ذكرناها يؤسس لمجتمع نظيف من الجريمة شتى انواعها، ومن السيئات والذنوب، فتحصل بذلك السعادة للافراد والمجتمعات! .
المسألة الخامسة : قوله تعالى )وأنبتها نباتا حسنا اي: سوى خلقها من غير زيادة او نقصان.
المسألة السادسة : فخلق الانسان في احسن تقويم، كامل الاعضاء ، حسن الصور، من افضل النعم التي توجب شكر الله عليها، بدوام الطاعة له سبحانه والحذر من مخالفة اوامره وارتكاب معاصيه. وليتصور احدنا انه يمشي على اربع او انه يأكل بفمه كالحيوان لا بيديه، أو أنه خلق من غير عقل ، يأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينام كالحيوانات وكالانعام! كيف يكون حاله؟ والى اين يكون مصيره؟. فالانسان انبته الله نباتا حسنا فليذكر هذه النعمة التي ذكره الله بها، فقال له : يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك! في اي صورة ما شاء ركبك !!.
المسألة السابعة : قوله تعالى : كلما دخل عليها زكريا المح􀀼راب وجد عندها رزقا. فيه اشارة واضحة الى الكرامات التي أكرم الله بها مريم رضي الله عنها، ومنها كفالة زكريا لها، وانه كان اذا دخل عليها وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وهذه ميزة من الميزات التي اختص الله بها مريم رضوان الله عليها.


المسألة الثامنة: ونحن في هذا الزمان، حقق الله لنا هذه النعمة، فنجد فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، ليس لاننا كمريم الصديقة او اننا نسير على نهجها، فنحن في كافة ارجاء الدنيا مسلمين وغير مسلمين، نجاهر بالمعاصي، وهذا يوجب سخط الله، فهذه المنة اذن، استدراج من الله لعباده، ليعودوا الى دينه وشرعه، بالانابة والطاعة، فان اصروا على المعصية ومقارفة الذنوب وكل بهم العذاب والقحط والحرمان والويلات .
المسألة التاسعة : قوله تعالى:ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على العالمين الاصطفاء هنا هو:
اولا - اصطفاها لايجاد ولد منها من غير اب.
ثانيا - طهرها من الاخلاق الرذيلة.
ثالثا - اعطاها الصفات الجميلة.
رابعا - ان الله فضلها على نساء العالمين، كما قالت الاية الكريمة:واصطفاك على نساء العالمين.
المسألة العاشرة : ويمكن استنباط بعض الدلالات من المسألة التاسعة وهي:
اولا - ان الله تعالى كما اصطفى م􀀼ريم على نساء العالمين، فكانت جديرة بهذا الاصطفاء، وقائمة به، فان المسلمين اصطفاهم الله على الامم، وعليهم ان يحققوا هذا الاصطفاء، بنصرة الله تعالى، من خلال نصرة دينه، وتحكيم شرعه في الارض.
ثانيا - ان آحاد المسلمين، يمكن ان ينال رتبة الاصطفاء، بأن يقربه الله منه، اذا احسن عبادة ربه.
ثالثا - ان الاخلاق الحسنة والصفات الجميلة، تقرب المسلم من خالقه، وقد صح هذا المعنى في عديد الاحاديث الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة الحادية عشرة : ان سوء اخلاق الناس، وبعدهم عن دينهم، هو الذي جعل حياتهم نكدة، لا امن فيها ولا استقرار. وسوء اخلاق البشر اليوم، شامل، يشمل الافراد، ويشمل المجتمعات، ويشمل الدول، ويشمل الشعوب وقد قال الشاعر : واذا اصيب القوم في اخلاقهم فاقم عليهم مأتما وعويلا.





0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More