تعديل

السبت، 19 مارس 2016

من فقه القرآن : الطهارة



من فقه القرآن : الطهارة
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الاقصى المبارك
استاذ الفقه المقارن /جامعة القدس

ورد لفظ «الطهارة » ومشتقاته في القرآن الكريم في عديد الايات الكريمات، نقف عند بعضها، لنستخرج منها فوائد فقهية، وذلك من خلال المسائل الآتية:

المسألة الاولى: قوله تعالى «ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين » يدل على ان الطهارة تعني النظافة من كل وسخ حسي او معنوي.

المسألة الثانية: ودليل ذلك، ما جاء في تفسيرها، فقوله تعالى: «ان الله يحب التوابين » اي الذين يتوبون من الذنوب والشرك، وهذه اوساخ معنوية، وقوله تعالى«ويحب المتطهرين » يعني: بالماء من الجنابة والاحداث، وهذه اوساخ حسيّة.

المسألة الثالثة: وقيل «يحب المتطهرين » اي الذين لم يذنبوا، والذنب نجاسة معنوية.

المسألة الرابعة: والحكمة من تقديم التائب من الذنب على المتطهر منه فلم يرتكبه، حتى لا ييأس من ذنبه من رحمة الله، ولكي لا يعجب المتطهر بنفسه، فان العجب بالنفس والاعمال والاغترار بها من اسباب الهلاك وعدم قبولها.

المسألة الخامسة: ونقيض الطهارة النجاسة، وتحمل علي الطهارة المعنوية كالطهارة من العيوب، وعلى الطهارة الحسية كالطهارة من البول والغائط، قال الله تعالى في صفة نساء الجنة «ولهم فيها ازواج مطهرة » اي من الحيض والبول والغائط، وذكر العلماء معنى آخر لصفة الطهارة لنساء المؤمنين في الجنة، وهو انهن طاهرات الاخلاق وعفائف، لأن لفظ «مطهرة » يجمع الطهارة كلها الحسية والمعنوية، فمطهره ابلغ
في الكلام من طاهرة.

المسألة السادسة: وقد قال الله تعالى في صفة الانصار مادحا اياهم: «رجال يحبون ان يتطهروا » اي يستنجوا بالماء، وكانوا اذا احدثوا اتبعوا الحجارة بالماء، لذلك اثنى الله عليهم بذلك.

المسألة السابعة: والاصنام من النجاسات الحسية، وقد أمر الله تعالى بتطهير بيته العتيق من كل نجاسة حسية او معنوية، فقال: «ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين » اي طهراه من تعليق الاصنام عليه، وطهراه من المعاصي والافعال المحرمة.

المسألة الثامنة: وقوله تعالى: «يتلو صحفا مطهرة » اي من الادناس والباطل.

المسألة التاسعة: والتطهير يأتي بمعنى التنزه عما لا يحل، والكف عن «الاثم وما لا يجمل، ومنه قوله تعالى: «انهم اناس يتطهرون »، ذكر قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وقولهم في مؤمن قوم لوط ذلك القول استهزاء بهم، اي انهم اناس يتنزهون عن اتيان الذكور، او يتنزهون عن ادبار الرجال والنساء جميعا.

المسألة العاشرة: فمن لم يتطهر من الشرك والمعاصي والذنوب، لم يكن مهديا، او على الهدى، ومنه قوله تعالى: «اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم » اي
لم يرد الله ان يهديهم.

المسألة الحادية عشرة: وجمع اهل التأويل في قوله تعالى «وثيابك فطهر » نوعي الطهارة، اعني الحسية والمعنوية، فذهبوا في تأويلها الى ثمانية اقوال وهي:
1-     وثيابك فطهر، اي اصلح عملك، والعرب تقول للرجل الخبيث العمل خبيب الثياب، واصلاح العمل يكون بأمرين، بالاخلاص فيه لله تعالى من غير رياء ولا شرك، وبالقيام به علي الوجه المشروع، وفي هذا قال شيخ الاسلام ابن تيمية: «وجماع الدين امران: الاخلاص وان يعبد الله بما شرع والا يعبد بالبدع. والاخلاص والاتباع في العمل هما ما عبّر عنهما الفضيل بن عياض بالخالص والصواب.

2-     وثيابك فطهر، أي قلبك من الاثم والمعاصي والغدر، وكم تحتاج القلوب الى تطهيرها من ذل الران الذي يغشاها، والذي يجعلها لاتعرف معروفا، ولا تنكر منكرا، وامراض القلوب كثيرة، منها الحسد والغدر والبغض والحقد والمكر، واشدها وانكاها الشرك والكفر بالله العظيم خالق النفوس والقلوب.

3-    القول الثالث: وثيابك فطهر اي ونفسك فطهر، اي من الذنوب. ونفس المؤمن تحتاج الى تطهرها من الشهوات ومن الشبهات ومن المعاصي والمنكرات وحبها، فلا ينبغي لنفس مؤمن ان تشرب حب شهوة او شبهة او معصية، لان في ذلك هلاكه وترديه والمؤمن عالي الهمة رفيع النفس عن كل ما يذلها ويخزيها، والنفوس ثلاثة انواع، نفس مطمئنة، كما قال عز وجل «يا ايتها النفس المطمئنة » وهي نفس المؤمن كثير الطاعات قليل المعاصي، وان عصى بادر الى التوبه، ونفس امارة بالسوء، وهي التي تأمر صاحبها بالمعاصي، وهذه ان ظلت على تلك الحال هلك صاحبها «ان النفس لامارة بالسوء » ونفس ثالثة وهي نفس لوّامة، فدائما تلوم صاحبها على التقصير في الطاعة، وعلى الانجراف وراء المعاصي او الوقوع بها، قال عز وجل «فلا اقسم بالنفس اللوامة » وهي مثل نفوسنا نحن المسلمين، نطيع ونعصي، ودائما في عودة واوبة الى الله، بالتوبة والندم! والله تعالى امرنا بتطهير نفوسنا «وثيابك فطهر » وهذا يقتضي منا المبادرة الى الارتقاء بنفوسنا من مرتبة النفس اللوامة الي مرتبة النفس المطمئنة.


4-    وثيابك فطهر، اي طهر جسمك من المعاصي الظاهرة والعجب فمن يعصي الله ولا يتوب، كيف لا يخجل من لبس الملابس النظيفة على جسم نجس بالمعاصي والسيئات.

5-     وثيابك فطهر، اي طهر اهلك، زوجتك وابناؤك من الخطايا بالوعظ والتأديب، والعرب تسمي الاهل ثوبا ولباسا وازارا وقد قال تعالى «هن لباس لكم وانتم لباس لهن »! وطهارة الزوجة، بأن يختار الرجل الزوجة الصالحة التي تعينه على امور الدين والدنيا والآخرة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «فاظفر بذات الدين تربت يداك » وما خراب الامر وشقاء الازواج اليوم الا لقيام الاسر على امر الدنيا، فنرى الرجل واهله يتسابقون الى البحث عن الزوجة الجميلة، ولا يسألون عن دينها ولا عن أخلاقها فيقعون بعد الزواج في سوء اختيارهم! فتحدث المشاكل ويلجأ احيانا الى الطلاق، ومن تطهير الرجل اهله ان يربي زوجته واولاده، وبناته على طاعة الله، وهذا فرض عليه، يأثم بتركه، قال الله تعالي مخاطبا الازواج والاباء يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة » قال المفسرون: اي علموا ابناءكم الاسلام، وامروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، وربوهم على تلك الخصال.

6-     وثيابك فطهر اي حسن خلقك. ومن اراد تمام الاخلاق، فعليه بالقرآن، فالنبي صلى الله عليه وسلم، كان خلقه القرآن، وان حسن الاخلاق يرفع درجة المسلم عند ربه اكثر من صيامه وقيامه.

7-     وثيابك فطهر، اي طهر دينك، ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب في الرؤيا يجر ازاره، وفسرها بأنها الدين.

8-     وثيابك فطهر، اي الثياب الحقيقية وهي اللباس، فالمسلم عليه ان يكون انيقا في ملابسه وان تكون نظيفة من النجاسات والاوساخ، وان تكون من كسب حلال. هذه بعض معالم الطهارة ايها المسلم فهل تلتزم بها! نفعني الله بها واياك يا اخي الكريم وجمعنا سويا في الفردوس الاعلى مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.






0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More