تعديل

السبت، 19 مارس 2016

من فقه القرآن : التطفيف



من فقه القرآن
التطفيف
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي

قوله تعالى: «ويل للمطففين. الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون، واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون. الا يظن اولئك انهم مبعوثون. ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين » المطففين  1- 6. من فقه هذه الايات الكريمات وفوائدها المسائل الاتية:
المسألة الاولى: المطفف في اللغة هو الشخص الذي يغل حق صاحبه بنقصانه عن الحق، في كيل او وزن، وهو نوع من السرقة في الكيل والميزان، يكون طفيفا اي: خفيفا.
المسألة الثانية: فكل من اعتدى على الاخرين، بانقاص حقوقهم، من أموال واعراض وغيرها، من الافراد والدول، يكون مطففا، مستحقا للوعيد المذكور في الايات.
المسألة الثالثة: ولا يقتصر التطفيف على الكيل والوزن (المال)، وانما يتعداه الى كل شيء يحتاج الى وفاء، وعلى هذا يكون التطفيف ايضا في الوضوء والصلاة والحديث وغيرها، روي عن سالم بن ابي الجعد قال: الصلاة بمكيال، فمن اوفى له، ومن طفف فقد علم ما قال الله عز وجل في ذلك (ويل للمطففين).
المسألة الرابعة: فالعاقل من المسلمين هو الذي يقابل ربه يوم القيامة من غير تطفيف في اموال الناس وحقوق العباد، ومن غير تطفيف في حقوق الله تعالى، فيؤدي العبادات على اكمل وجه، باتمام شروطها واركانها وسننها وآدابها.
المسألة الخامسة: والتطفيف شائع في زماننا من بعض التجار، ومن بعض الباعة المتجولين الذين يزنون بالميزان، وهؤلاء من اقل الناس عقلا، وأدناهم مروءة، لانهم يطمعون في سرقة القليل الزائل، مع عظم عقوبته وقبح مآله في الاخرة الباقية.
المسألة السادسة: روى النسائي عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، كانوا من اخبث الناس كيلا، فأنزل الله تعالى (ويل للمططفين)، فأحسنوا الكيل بعد ذلك. قال الفراء: فهم من آوفى الناس كيلا على يومهم هذا. فأهل المدينة المنورة استجابوا لله في امره ونهيه، فانتهوا عن التطفيف، فهل نتشبه بهم في الاستجابة لله عز وجل؟.
المسألة السابعة: والتطفيف من اسباب منع نزول الغيث من السماء، واخذ الناس بالجدب والقحط وفي الحديث الشريف: (خمس بخمس: ما نقض قوم العهد الا سلط الله عليهم عدوهم، ولا حكموا بغير ما انزل الله الا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت الفاحشة فيهم الا ظهر فيهم الطاعون، وما طففوا الكيل الا منعوا النبات، واخذوا بالسنين، ولامنعوا الزكاة الا حبس الله عنهم المطر).
المسألة الثامنة: وفي هذه الايام يشكو الناس من تأخر نزول المطر، وهم يقيمون على المعاصي والمنكرات ومنها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق في
المسألة التاسعة: فقد ترك الناس التحاكم الى شريعة الله دولا وافرادا، ولهذا فالفقر منتشر فيهم. ومن المسلمين من لا يؤدي زكاة امواله، ومن يؤديها يمنّ على الفقراء بها، ولا يخرجها لمصارفها على وفق الهدي النبوي والحكمة من مشروعيتها اضافة الى انتشار التطفيف في حقوق العباد، من الافراد لبعضهم البعض، ومن الدول للشعوب المستضعفة المغلوب على امرها، فكيف يستحق العباد غيث السماء وهم في هذه الحالة من العصيان والتمرد على شريعة الله، والقيام على المناهي، واستدبار الفرائض والواجبات. ولعل من نافلة القول هنا: ان نشكر الله عز وجل الذي خلق الدواب والبهائم، حتى يرحمنا بوجودهم فينا، فلولا البهائم وضعفاء الناس من الاطفال وكبار السن لما سقانا الله شربة ماء، اذ كيف نستحق انعام من عصيناه ! وكرم خالق خالفنا اوامره؟.
المسألة العاشرة: قوله تعالى (الا يظن اولئك انهم مبعوثون) استنكار وتعجب من حال المطففين في اجترائهم على التطفيف ! فكأنهم لا يخطر ببالهم، (انهم مبعوثون) ومسؤولون عما يفعلون.
المسألة الحادية عشرة: هذا العذاب في الدنيا، اما المطفف فلا ينجو من العذاب في الاخرة ايضا، وقد كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول: اتق الله، واوف الكيل والوزن بالقسط، فان المططفين يوم القيامة يوقفون حتى ان العرق ليلجمهم الى انصاف آذانهم.
المسألة الثانية عشرة: قرأ ابن عمر(ويل للمطففين) حتى بلغ (يوم يقوم الناس لرب العالمين) فبكى حتى سقط، وامتنع من قراءة ما بعده، ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يوم يقوم الناس لرب العالمين، في يوم كان مقداره خمسين الف سنة، فمنهم من يبلغ العرق كعبيه، ومنهم من يبلغ ركبته ومنهم من يبلغ صقوبه، ومنهم من يبلغ صدره، ومنهم من يبلغ اذنيه، حتى ان احدهم ليغيب في رشحه كما يغيب الضفدع.
المسألة الثالثة عشرة: قوله تعالى (يوم يقوم الناس لرب العالمين) فيه مسألتان،
المسألة الاولى: ان القيام لله رب العالمين سبحانه صغير بالاضافة الى عظمته وحقه (قاله القرطبي) .
المسألة الثانية: ان قيام الناس لبعضهم البعض، ينظر فيه، فان احب الرجل ان يقوم الناس له واعتقده لنفسه فالقيام ممنوع، وما ان كان عن طريق المحبة والبشاشة فهو جائز، وبخاصة عند الاسباب، كالقدوم من السفر والغياب، وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قام الى جعفر بن ابي طالب واعتنقه، وامر الانصار ان يقوموا لسعد بن معاذ، فقال لهم: قوموا الى سيدكم .»
المسألة الرابعة عشرة: ان الويل لمن كان مطففا، والويل عذاب شديد، يلحق بالانسان في جهنم، وقيل: هو واد من وديانها.

نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله على سيدنا محمد.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More