تعديل

السبت، 19 مارس 2016

من فقه القرآن : آفات اللسان والوقاية منها

من فقه القرآن
آفات اللسان والوقاية منها
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن/جامعة القدس
WWW.ALGANTAN.COM 

قال الله تعالى: «...ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن اثم. ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب احدكم ان يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم » الحجرات11- 12. فقه الآيتين الكريمتين وفوائدهما في المسائل الاتية:


المسألة الاولى: اللمز هو العيب باليد والعين واللسان والاشارة، والآية تنهى المسلم ان يطعن ويعيب بعض المسلمين على بعض بأياديهم أو اعينهم او السنتهم.

المسألة الثانية: في قوله تعالى «أنفسكم » عند قوله «ولا تلمزوا أنفسكم » تنبيه وهو ان الانسان العاقل السويّ الفطرة، لا يعيب نفسه فمن باب أولى الا يعيب غيره لانه كنفسه، وفي هذا دلالة على ترابط المسلمين، وانهم كجسد واحد، وكنفس واحدة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون كجسد واحد ان اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى .»


المسألة الثالثة: والانسان العاقل هو الذي يشتغل بعيوب نفسه، فيصلحها، وقديماً قيل في الاثر: «لا يُبصر احدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه ». ورحم الله القائل: المرء ان كان عاقلاً ورعاً أشغله عن عيوبه ورعه كما السقيم المريض يشغله عن وجع الناس وجعه


المسألة الرابعة: روى الترمذي عن أبي جبيرة بن الضمال قال: «كان الرجل منا يكون له الاسمان والثلاثة، فيُدعى ببعضها، فعسى ان يكره، فنزلت الآية «ولا تنابزوا بالالقاب ». وفي رواية اخرى عن الحسن ومجاهد: انه كان الرجل يعيّر بعد اسلامه بكفره يا يهودي يا نصراني، فنزلت الآية، وروي عن قتادة هو: قول الرجل للرجل: يا فاسق يا منافق، وفي رواية انها نزلت في بني سلمة، فكانوا اذا نادى الرسول صلى الله عليه وسلم احدهم قائلا: يا فلان، يقولون: مه يا رسول الله، انه يغضب من هذا الاسم.


المسألة الخامسة: ويستفاد من اسباب النزول السابقة الفوائد الاتية:
اولاً: ان المسلم ينادي اخاه المسلم بأحب الاسماء اليه.
ثانياً: ان التنابز بالالقاب حرام للنهي الوارد فيه، ومنه قوله تعالى «ولا تنابزوا بالالقاب ». والتنابز هو: لقب السوء.

ثالثا: ان العبرة بخواتيم الاعمال، فمن ابتدأ حياته كافراً او فاسقاً او منافقاً فتاب توبة صادقة، وجب ان يعامله المسلمون بحسن خاتمته من التوبة والايمان، والا يعيروه بما مضى من عمره في الكفر والضلال، قال ابن عباس: «التنابز بالالقاب ان يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله ان يُعيّر بما سلف.




المسألة السادسة: ومن لقب اخاه بلقب سوء، او سخر منه، وفعل ما نهى الله عنه من السخرية والهمز الذي يكون باللسان، والنبز، كان قد ارتكب فسوقا، ولا يحل لمسلم ان ينادي اخاه المسلم بما يكرهه، اما التلقيب بما يحبه المسلم فلا بأس به، فالنبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر بالفاروق، وابا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين. ومن السنة التكنية بما هو مستحب، قال الماوردي: «فأما مستحب الالقاب ومستحسنها فلا يكره، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم عددا من اصحابه بأوصاف صارت لهم من اجل الالقاب.


المسألة السابعة: ومن الادب وتعويد الاطفال ذكورا واناثا على الرجولة والثقة بالنفس، تلقيبهم بأحسن الالقاب التي تدفعهم الى الخير والصلاح، وان نترك تلقيبهم بألقاب السوء التي تضعف شخصياتهم وتفقهددهم الثقة بأنفسهم وتدفعهم الى الشر بدل الخير.


المسألة الثامنة: قوله تعالى (ولا تجسسوا) نهي عن التجسس، والتجسس هو البحث عما هو مكتوم عنك. والآية تعني: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، فلا يبحث احدكم عن عيب اخيه حتى يطلع عليه بعد ان ستره الله. واخراج اسرار المسلمين، وافشاؤها للكافرين، نوع من الولاء الذي يوصل بصاحبه الى الردة، وينزل به الى احط الاخلاق واقذرها.


المسألة التاسعة: قوله تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضا) تحريم للغيبة، وهي ان تذكر غيرك بما فيه، فان ذكرته بما ليس فيه، فهو بهتان وكذب، وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة فقال :(هي ذكرك اخاكم بما يكره).


المسألة العاشرة: وقد مثل الله تعالى لقباحة الغيبة وبشاعتها، بأكل الانسان لحم الميت، فأكل لحم الميت اولا حرام وثانيا قبيح ومستقذر، وهكذا هي الغيبة.. وما اكثر الناس اليوم الذين يتنقصون المسلمين، ويثلمون اعراضهم، ورحم الله الفاروق عمر الذي كان يقول: (اياكم وذكر الناس فانه داء، وعليكم بذكر الله فانه شفاء) واذا علمنا ان الغيبة من الكبائر، ادركنا خطورتها على قائلها وعلى المجتمع فلنذرها.


المسألة الحادية عشرة: وليس من الغيبة، غيبة الفاسق المعلن به، روي عن الحسن قوله: ثلاثة ليست لهم حرمة: صاحب الهوى، والفاسق المعلن، والامام الجائر.

المسألة الثانية عشرة: وكذلك الاستفتاء ليس من الغيبة كقول هند للنبي صلى الله عليه وسلم : ان ابا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني انا وولدي، فآخذ من غير علمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم خذي «فذكرته بالشح، ولم يرها الرسول عليه الصلاة والسلام مغتابة.


المسألة الثالثة عشرة: اللسان اداة، اما ان يجعلها الانسان ذات فائدة فلا ينطق الا بخير، واما ان يوظفه للشر، بالغيبة والتجسس والهمز واللمز واللغو، وكل قول خبيث مذموم، وهذه آفات لا يرضاها عاقل لنفسه.. وقديما قال الشاعر: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق الا صورة اللحم والدم فأمسك ايها المسلم عليك لسانك كي لا تندم في دنياك وآخرتك.





0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More