تعديل

السبت، 19 مارس 2016

من فقه القران : العلماء الربانيون

من فقه القران
العلماء الربانيون
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن/ جامعة القدس

قال الله تعالى:(ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) سورة آل عمران(79)
وقال سبحانه: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون) سورة المائدة (63) فقه الآيتين الكريمتين وفوائدهما في المسائل الآتية:

المسألة الأولى: قوله تعالى(ولكن كونوا ربانين) أي كونوا علماء يجمعون الصفات الآتية:
الصفة الأولى : التقوى، وذلك أن العالم المسلم يجب أن يدعو الناس إلى الإسلام بأفعاله قبل أقواله، فيعرف بينهم، بحسن السيرة، والزهد في الدنيا ، وأداء الفرائض والقيام بالواجبات ، والانتهاء عن المعاصي والمنكرات ، قبل أن ينكرها أو ينهى الناس عنها.
ومن سوء حظ المسلمين في هذا الزمان، وجود علماء لا يتصفون بالتقوى، جعلوا الدنيا همهم، والمناصب هدفهم، والمال مبتغاهم، فلا يعرفون الله تعالى إلا بأداء الصلوات المكتوبات، وصيام شهر رمضان، وأداء فريضة الحج إن لم تكلفهم النفقة، فلا يرعون حق الإسلام لمسلم ، ولا يشفعون إن ملكوا الشفاعة، ولا يحبون الخير للآخرين!
وهذا ليس تجنيا عليهم، أو مبالغة في وصفهم، بل هي حقيقة في طائفة من هؤلاء العلماء الذين تنطق ألسنتهم بالوعظ والحديث عن الإسلام بأجمل العبارات ، وأفضل الألفاظ ..
الصفة الثانية: والرباني هو العالم المتصف بالحكمة، قال عبد الله بن مسعود : ( ولكن كونوا ربانيين ) أي : حكماء علماء .
والحكمة من العالم ، ينبغي أن تجعله فطنا ، منتهزا للفرص باستغلالها لصالح الإسلام والمسلمين ، ليتم نفع حكمته على الآخرين.
الصفة الثالثة: والرباني هو الذي يحاول إن يكون صدره وقلبه مزينا بحفظ القران الكريم ، والخشية من الله عز وجل.
الصفة الرابعة : والعالم الرباني، يكون بصيرا بالسياسة ، فيجمع إلى علم الشريعة ، العلم أحوال الناس ، فهو يجمع علم الحلال والحرام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويضيف إلى ذلك معرفته بأخبار أمته ، وما كان وما يكون ، ويجعله همه، تبصير المسلمين بما يقربهم من الله تعالى في الآخرة ، وبما يثبت وجودهم في الأرض، ويرفع منزلتهم بين الأمم
الصفة الخامسة: والعالم الرباني هو الذي يجمع العلم والمعرفة في قلبه وعقله، ويحولها إلى سلوك في مجتمعه ، فهو عالم ومعلم ، ودارس وقدوة كما في الآية الكريمة ( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون )
الصفة السادسة: والعالم الرباني إذا اقترن الناس الإثم ، أنكره عليهم باجتنابه له، ثم بدعوتهم إلى تركه، ومن صفة عالم السوء ، أنه يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويفعله !
هذه كانت صفة الأحبار والرهبان وقد ذمهم الله بسببها ، فقال سبحانه: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون )!
الصفة السابعة: والعالم الرباني يجعل المنكرات مراتب ، فينكر أشدها خطرا على المسلمين ، يفهم هذا من قوله تعالى( .. عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ) فهذان المنكران ، كانا من المنكرات الظاهرة عند بني إسرائيل ، فأمر الله علماءهم بالبدء بإنكارهما . ولا ينبغي للعالم المسلم أن يضيع أوقات المسلمين في الكلام العام البعيد الصلة عن واقعهم ، أو أن يتحدث في أمور هي من الدين ، ولكن الحديث في غيرها أولى ، لحاجة المسلمين إليه، لأنه يمس واقعهم .
المسألة الثانية: قوله تعالى في آية المائدة ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار) ، المقصود بالأحبار علماء اليهود ، والمقصود بالربانيين علماء النصارى. ثم جاءت سورة ال عمران ووصف علماء المسلمين الذين يجمعون الصفات التي ذكرناها ، فقالت ( ولكن كونوا ربانيين) !والرباني والرباني من علماء اليهود والنصارى، من جمع الصفات المذكورة انفا . وأما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، فالرباني ، خاص بالعالم المسلم الجامع لصفات الربانية فقط.
المسألة الثالثة: قوله تعالى (لبئس ما كانوا يفعلون) يدل على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكبه . وفيها توبيخ لعلماء الشريعة الذين يتركون الأمر بالمعروف، ويتركون النهي عن المنكر.
المسألة الرابعة: وآية المائدة (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ..) من أشد الآيات توبيخا لعلماء السوء.
فهل يتعظ علماء المسلمين اليوم ، الذين يعيشون في واد ، ويعيش المسلمون من حولهم في واد آخر ،في كرب وخطب ، فإذا لم يجمع علماء الأمة أمرهم ، ويقولوا قولهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، فمتى يحصل منهم ذلك ؟
فليكن علماء الأمة ربانيين ، يعملون بعلمهم ، لأنهم إن لم يعملوا بعملهم فليسوا بعلماء ، أضف إلى ذلك ، فإنهم بتركهم العمل يقعون في سخط الله تعالى وعذابه في الدنيا قبل الآخرة ، روى سفيان بن عينية ، عن سفيان بن سعيد قال : بلغني أن ملكا أمر أن يخسف بقرية ، فقال: يا رب فيها فلان العابد ، فأوحى الله تعالى إليه (أن به فابدأ فإنه لم يتعر وجهه في ساعة قط) أي : لم يكن حتى يتغير لون وجهه حين يرى المنكر ، كراهة له .
وفي سنة الترمذي ( إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده) !

اللهم اجعلنا من الذين يعلمون فيعملون ومن الذين يعملون فيخلصون ومن الذين يخلصون فيقبلون آمين 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More