من فقه القرآن
« أفحكم الجاهلية يبغون »
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن/جامعة القدس
قال الله تعالى: «افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكماً لقوم يوقنون » المائدة 501
فقه الاية الكريمة وفوائدها في المسائل الاتية:
المسألة الاولى: افضل ما يقال في الجاهلية هو: انها وصف لفترة زمنية كانت قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتجري هذه الصفة على كل فترة زمنية في اي عصر، تشبه الجاهلية الاولى فيما كانت عليه من الصفات.
المسألة الثانية: من صفات الجاهلية الاولى انهم كانوا يجعلون حكم الشريف خالف حكم الوضيع فكانت اليهود تقيم الحدود على الضعفاء الفقراء، ولا يقيمونها على الاقوياء الاغنياء، وهذا اعتداء على حق المساواة بين الناس.
المسألة الثالثة: وفي زماننا نعيش هذه الحالة من الاعتداء على حق المساواة بين الناس، على مستوى الافراد، وعلى مستوى الشعوب.
المسألة الرابعة: وفي ذم الجاهلية بهذا الوصف، ذم لمن يفرق بين الغني والفقير في المعاملة، وهذا حاصل في مجتمعاتنا، فالغني له صدر المكان والترحاب والمكانة، والفقير لفقره لا مكانة له وان كان افضل من الفقير او الضعيف في عقله وعلمه ونفعه للناس.
المسألة الخامسة: ومن أوصاف الجاهلية الاولى، ما رواه سفيان بن عيينة عن ابن ابي نجيح عن طاوس قال: كان اذا سألوا عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض يقرأ هذه الاية «افحكم الجاهلية يبغون » فكان طاوس يقول: ليس لاحد ان يفضل بعض ولده على بعض فإن فعل لم ينفذ وفسخ وبه قال اهل الظاهر وروي عن احمد بن حنبل مثله وكرهه، الثوري وابن المبارك واسحاق، فإن فعل ذلك احد نفذ ولم يرد واجاز ذلك مالك والثوري والليث والشافعي واصحاب الرأي، واستدلوا بفعل الصديق في نحله عائشة دون سائر ولده وبقوله عليه السلام: فأرجعه وقوله «فأشهد على هذا غيري » احتج الاولون «بقوله عليه السلام لبشير: الك ولد سوى هذا قال نعم فقال: «أكلهم وهبت له مثل هذا » فقال: لا قال: «فلا تشهدني اذا فإني لا اشهد على جور .»
المسألة السادسة: فيبنغي على الاباء والامهات، ان يحرصوا على العدل بين ابنائهم وبناتهم في الهبات والعطايا، لان ترك العدل فيها، جاهلية رفضها الله تعالى.
المسألة السابعة: ومن اوصاف الجاهلية قبل الاسلام والموجودة في زماننا، خروج النساء كاشفات لشعورهن، وصدورهن، واياديهن، وظهورهن، وأرجلهن، وهذا ما كانت عليه النساء قبل الاسلام، فأكرمهن الله بالانتهاء عن هذه العادة الجاهلية، وامرهن قائلاً لهن: «ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى .»
المسألة الثامنة: ومن الجاهلية المشتركة بين زماننا والجاهلية الاولى، العصبية القبلية، والحمية لغير الحق، قال الله تعالى: «اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية .»
المسألة التاسعة: ومن الجاهلية التمييز العنصري للون او الجنس او غير ذلك! وقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم حين عير ابو ذر بلالا رضي الله عنه، بأمه السوداء، وقال لابي ذر: «انك امرؤ فيك جاهلية .»
المسألة العاشرة: ومن الجاهلية ان يعيش المسلمون من غير حكم يحكمهم بشرع الله، يحتكمون اليه في حياتهم في سائر شؤونهم، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » اي ميتة تشبه ميتة من مات قبل الاسلام من حيث كانوا لا سلطان يحكمهم.
المسألة الحادية عشرة: فالجاهلية صورها عديدة ومختلفة، وقد كرهها الله للبشر، ولم يرضها لهم، ولهذا جاء السؤال التوبيخي الانكاري من الله للناس: «افحكم الجاهلية يبغون .»
المسألة الثانية عشرة: فلا احد احسن من الله حكماً، وهذا هو معنى السؤال الانكاري في الاية: «ومن احسن من الله حكماً لقوم يوقنون .»
المسألة الثالثة عشرة: فالانسان الذي يوقن بربه عزوجل، ولا يوقن بالله الا العاقل، هو الذي يقبل بحكم الله، ويرفض الجاهلية برمتها، ولهذا ختم الله الاية الكريمة بقوله: «لقوم يوقنون » اي: عند قوم يوقنون.
المسألة الرابعة عشرة: واذا كانت الجاهلية مرفوضة جملة وتفصيلاً، فلا ينبغي لاحد ان يتبع هواه، فالله عزوجل يقول: «فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم .»
المسألة الخامسة عشرة: ومما تقدم ذكره، فإن سعادة البشرية، واعطاءها حقوقها كاملة، لا يكون الا بتحكيم شريعة الله، لان ما عدا هذه الشريعة، انما هو الاهواء، والله نهى عن اتباعها، ومن قوله سبحانه: «ولا تتبع اهواءهم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق