تعديل

السبت، 19 مارس 2016

من فقه القرآن : الأمانة

من فقه القرآن
الأمانة
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الاقصى المبارك
استاذ الفقه المقارن/ جامعة القدس

قال الله تعالى: «انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين ان يحملنهاواشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا » سورة الاحزاب آية 72. من فقه الآية الكريمة وفوائدها المسائل الآتية:


> المسألة الاولى: الامانة تشمل كل وظائف الدين، فهي الفرائض التي ائتمن الله العباد عليها.

> المسألة الثانية: واول ما يتبادر الى الأذهان، أمانات الأموال كالودائع وغيرها، وتضييع هذه الأمانة من المسلمين في هذا الزمان له صور عديدة منها:

> اولا: اخذ المال وكسبه من غير حله، وهذه اول صور خيانة امانة الاموال، فالكسب الحرام كسب خبيث غير مشروع، عاقبته وخيمة على الإنسان اثناء حياته وبعد مماته.


ثانيا: ومن صور تضييع امانة الاموال، الاستدانة وعدم الوفاء، ففي مجتمعنا ظاهرة منتشرة، وبخاصة بين فئة الشباب، يقترضون الاموال لاقامة المشاريع التجارية، ويعطون الناس «شيكات » وغالبا ما تكون بدون رصيد، وهو يعلم ذلك، ويماطل في ارجاع الاموال الى اصحابها، ولو تفحصنا كثيرا من الخصومات بين ابناء شعبنا، لوجدناها بسبب«الشيكات المرتجعة » وعدم الوفاء في سداد الديون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم، يحل ماله وعرضه، والمطل: هو المماطلة، والغني هو «الواجد » للمال، كما في رواية اخرى، وننصح هؤلاء الذين يريدون الغنى في ليلة وضحاها بما يلي:

1-     ان يوقنوا ان الرزق بيد الله تعالى، وهو محدد للانسان مهما بذل من جهد.
2-    ان الله يحرم العبد الرزق بالذنب يصيبه، فاذا اراد الشاب ان يوسع الله عليه رزقه، فليحرص على طاعته، وعلى الكسب الحلال.

3-     ان الله عزوجل حث على الكسب، ولم يجعل الكسب للمسلم غاية، بل جعله له وسيلة، بمعنى ان غاية المسلم في الدنيا عبادة الله تعالى، والعبادة هي الامانة بعمومها التي ذكرها الله في الآية الكريمة التي بين ايادينا، واما جمع المال وكسبه فهو وسيلة للعيش الكريم والاغتناء عن الناس، فلا تجعل ايها الشاب الحبيب هدفك جمع المال، بل اجعل هدفك طاعة الله، واعلم ان الغنى هو غنى النفس وراحتها، واما المال الكثير فلا يكون مصدرا للسعادة، بل في الغالب يكون سبيلا للشقاء والهم والنكد والطغيان، وقد قال ربنا عزوجل «كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى .»



ثالثا: ومن صور أمانات الاموال، عادة منتشرة عند بعض من خربت ضمائرهم، وخبثت سرائرهم، وهم الذين يتاجرون في الشقق السكنية، ولا يوفون عهودهم مع المشترين، فبعض الناس يبيع شققاً سكنية غير موجودة على اساس بنائها، ويدفع له المشتري كل المبلغ، او بعض ثمن الشقة، ثم يتفاجأ المشتري المسكين انه لا يوجد شقة ولا حتى ارض يُبنى عليها، وتبدأ رحلة عذابه مع البائع، وفي الغالب لا يحصل على ما دفعه من الثمن الا منقوصاً وبعد اشهر او سنوات، هذا اذا لم يلجأ المشتري الى حل مشكلته باليد.



رابعاً: ومن صور تضييع امانة المال، صور النساء، اعني: ذهب الزوجة، فبعض الاباء والامهات اذا زوج ابنه، يسارع الى اخذ ذهب زوجة ابنه بالاحتيال او بغيره، ثم لا يُرد اليها، او يأخذه زوجها منها قرضاً حسناً على ان يرده، ثم لا يرجعه اليها. والمعلوم في دين الاسلام ان مهر الزوجة لها، وقد نهى الله اباها وزوجها عن اخذه منها الا بطيب نفس منها، فقال سبحانه: «واتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئاً مريئاً »


خامساً: ومن مظاهر اضاعة امانات الاموال، عدم اخراج حق الله من هذا المال، كالصدقات الواجبة، كالزكاة والانفاق على الاقارب الفقراء الذين لا يقدرون على الكسب وهم فقراء. واوضح هذا المعنى بالمثال التالي:


انسان غني، عنده مال بلغ النصاب ووجبت فيه الزكاة، وله قريب مثل اخ، او عم، او ابن اخ، وهذا القريب لا مال عنده ينفق منه على نفسه، او عنده مال ينفق منه على نفسه وعلى عياله ولكن لا يكفيه، او هذا القريب الفقير غير قادر على الكسب لمرض او عجز فهل يعطي هذا الغني، قريبه من زكاة ماله؟



والجواب: لا يعطيه من زكاة ماله، بل يجب عليه ان ينفق عليه نفقة واجبة، تكفيه وعياله، ويخرجه من دائرة الفقر، وقد حبس عمر بن الخطاب عصبة يتيم لامتناعهم عن النفقة عليه، وقال «لو لم اجد الا اقصى عشيرته لاوجبت عليهم مثل العاقلة » اي لفرضت عليهم نفقته على هيئة الدية، لان القاعدة تقول «الغنم بالغرم » فكما انك ترثه لو مات، وجب عليك ان تعطيه وتغنيه اذا افتقر.

فتضييع الامانة في هذه الحالة، ان هذا الغني القريب، يعطي قريبه الفقير بعضاً من اموال زكاته ويبقيه فقيراً، ويظن نفسه انه ادى ما عليه، وهو غارق في تضييع امانة انفاق المال الواجب في هذه الحالة.




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More